الجمعة، 9 سبتمبر 2011

أثر مسرحيات محمود أبو العباس في شخصية الطفل


أثر مسرحيات محمود أبو العباس في شخصية الطفل
دكتور/ سيد علي إسماعيل
ـــــــــــــ
موضوع البحث وأهميته
يقول الكاتب الأمريكي مارك توين، عن مسرح الطفل: إنه "من أعظم الابتكارات في القرن العشرين، إنه أستاذ للأخلاقيات والمُثل العُليا، بل هو خير معلم اهتدت إليه عبقرية الإنسان، لأن دروسه لا تُلقى عن طريق الكتب والمدرسة بشكل مُمل مرهق، بل بالحركة التي تُشاهد فتبعث الحماس وتخلقه وتصل إلى أفئدة الأطفال التي تعد أفضل وعاء لها. إن كتب الأخلاق يقف تأثيرها عند حد العقل. ولكن حين تبدأ الدروس رحلتها من مسرح الأطفال فإنها لا تتوقف عند منتصف الطريق بل تمضي إلى غايتها النبيلة" ([1]).
ومن خلال هذا المعنى، تمّ اختيارنا لموضوع هذا البحث، وهو (أثر مسرحيات محمود أبو العباس على شخصية الطفل). ومحمود أبو العباس ([2]) كاتب مسرحي وممثل ومخرج عراقي، وسنهتم في هذا البحث ببعض مسرحياته المؤلفة للطفل، وهي: (نور والبئر المسحور، الساحل وجني المصباح، النخلة والثعلب)، مع بيان تأثيرها على شخصية الطفل، من خلال التأثير البصري – كما جاء في النص المسرحي - والمتمثل في الديكور والملابس والإضاءة والحركة، والتأثير السماعي من خلال الأغاني واللغة، والتأثير الفكري من خلال الأهداف المعرفية والوجدانية والمهارية. لنصل من وراء ذلك كله إلى بعض النتائج، التي تُفيد كُتاب مسرح الطفل من جهة، وتفيد الطفل القاريء أو المتفرج من جهة أخرى، ويستفيد منها العاملون في مجال مسرح الطفل بصفة عامة من جهة ثالثة.
وإذا كان البحث مُحدداً بالحديث عن مسرحيات محمود أبو العباس المؤلفة للطفل، فهذا لا يعني أن هذه المسرحيات هي كل جهوده في هذا المجال. فمحمود أبو العباس يعمل في مجالي مسرح الطفل والمسرح المدرسي منذ عام 1971. وكانت له تجربة رائدة بعنوان (مسرح المضيف). و(المضيف) في العراق، هو مكان محدد بتجمع الفلاحين أو أفراد القبيلة أو العشيرة، لطرح بعض القضايا ومناقشتها. وفي هذا المسرح قدّم أبو العباس عروضاً أشبه بالحكايات البسيطة، للأوساط الشعبية غير المتعلمة. كما قدمها أيضاً في الأسواق وفي الساحات العامة والمقاهي. وهي محاولة لتثبيت موضوع يتعلق بمسرح الطفل باعتباره امتداداً فكرياً يتجاوز الفئات العمرية، عندما تقدم مسرحية بأفكار مسرح الطفل في تكنيك المسرح الاحتفالي. ومن أهم المسرحيات التي قُدمت في هذه التجربة، مسرحية (حكاية وسلاطين) عام 1975، ومسرحية (الحكاية الثانية) عام 1976. ولكن دائرة الثقافة الجماهيرية بمدينة البصرة العراقية أوقفت التجربة بتهمة التحريض. لأن الممثلين كانوا يجلسون مع المشاهدين لتدوين بعض مشاكلهم لكتابتها في مسرحيات جديدة.
ومن تجارب أبو العباس المهمة أيضاً، إخراجه لمسرحية (ريم والأمير الصغير)، المأخوذة من مسرحية (ريم) للكاتب العراقي طلال حسن عام 1994، وشاهد العرض أكثر من 70000 من طلاب مدارس بغداد، وكانت تناقش موضوع نقص الدواء في المستشفيات وعدم وصوله للأطفال. وكذلك تقديمه لمسرحية الأخوين جريم (بنت الطحان)، بعد أن أعدّها بعنوان (القزم وبنت الطحان) عام 1996 في بغداد، وشاهدها أكثر من 20000 من طلاب المدارس. ومن التجارب المهمة أيضاً، مسرحية (الديك الفصيح) من إعداد قاسم محمد ومن إخراج أبو العباس. حيث كان الديكور عبارة عن لعبة مكعبات (الميكانو)، وهي تؤكد على أهمية التعليم وتكافح العادات السيئة لأطفال المدارس. وفي تجربة مسرحية (نور والبئر المسحور)، عندما عُرضت في بغداد، قام أبو العباس بتصميم مسرح متنقل، عبارة عن بارتكبلات صُفت بجانب بعضها البعض لتكوّن مسرحاً، ثم غطى المكان بخيمة كبيرة لتقديم العروض في ساحات المدارس. وهذه التجربة كانت فكرة لتوسيع قاعدة الجمهور المسرحي، واستخدام ساحات اللعب بالمدارس، لتكون ساحات فكر من خلال المسرح.
وإذا كان اختيارنا لمسرحيات محمود أبو العباس المؤلفة للطفل، راجع إلى تاريخه وتجاربه الثرية في هذا المجال، إلا أن هناك أمراً آخر مهم، وهو أن هذه المسرحيات مؤلفة باللغة العربية الفصيحة، هذا بالإضافة إلى أن مؤلفها ممثل ومخرج مسرحي، وهذا يجعل كتاباته المسرحية ذات ثراء فني، من حيث استخدامه لخلفيته التمثيلية والإخراجية في تآليفه المسرحية. ومن هذا المنطلق يستطيع محمود أبو العباس أثناء تأليفه المسرحي، أن يجسد شخصياته على الورق، بناء على خبرته التمثيلية، وأن يوظف فنياً المناظر والحركة والإضاءة والأغنية .. إلخ، بناء على خبرته الإخراجية.
ويجب علينا في هذا المقام، أن نحدد المرحلة العمرية الموجه إليها هذه المسرحيات، حيث إن لكل مرحلة عمرية مسرحياتها المتناسبة معها تبعاً لعمر الطفل القاريء أو المتفرج. وموضوع المسرحية يُحدد بشكل كبير المرحلة العمرية المطلوبة. لذلك لزاماً علينا في البدء، ذكر ملخص بسيط عن كل مسرحية على حدة.
فمسرحية (نور والبئر المسحور)، تدور أحداثها حول تاجر بخيل، أراد أن يزوّج بناته الثلاث، دون أن ينقص من ثروته شيئاً. فجاء بفكرة مفادها، قيام مساعده المهرج بإطلاق سهام ثلاثة في اتجاهات مختلفة، وكل ابنة تتزوج من صاحب المكان الذي يسقط فيه السهم. وأول سهم سقط في الصحراء، وبالتالي لم تجد الابنة الأولى من يتزوجها. والسهم الثاني سقط في حظيرة للحيوانات، وأيضاً لم تجد الابنة الثانية من يتزوجها. أما السهم الثالث الذي كان من نصيب الابنة الثالثة نور، فسقط في مزرعة كامل. فتقرر نور الذهاب إلى هذه المزرعة مع المهرج، بناءً على رأي والدها. وعندما اعترض المهرج على هذا الأمر وعلى موافقة نور للذهاب إلى المجهول، أقنعته نور بأن سبب موافقتها، جاء بناء على حظها الذي أوقعها في الذهاب إلى مزرعة. وهذا يعني أن نصيبها سيكون مع إنسان يعمل ويجتهد، مما يبعث الأمل في مستقبل مشرق لها معه.
وفي المزرعة نجد الغراب يستغل غباء الحمار، ويجعله يتمرد على العمل في المزرعة، بحجة أن صاحب المزرعة (كامل) يستغله في العمل. وينجح الغراب في ذلك، ويكوّن فريقاً مع الحمار، ويخططا للاستيلاء على المزرعة. وفي هذه اللحظة تحضر نور مع المهرج ويقابلا صاحب المزرعة، ويتفقا معه على العمل في المزرعة، فيوافق كامل على ذلك. ويبدأ العمل ببناء المنزل وحفر البئر وحرث الأرض. وبعد فترة يحضر الحمار والغراب، ويقومان بهدم المنزل الجديد، أملاً في طرد كل من في المزرعة، حتى تؤول إليهما في نهاية الأمر. وتبدأ الشكوك تُثار بين نور والمهرج وكامل، حول المتسبب في دمار المزرعة، دون الوصول إلى الحقيقة.
وفي الليل يأتي القمر ليرى وجهه في بئر الماء، فيجد الحمار والغراب يردمان البئر بالتراب، حتى يعطش زرع المزرعة ويموت، فيحاول القمر منعهما دون جدوى، فيمسكان به ويحبسانه في البئر، خوفاً من أن يفضحهما عند كامل. وفي هذه اللحظة تدخل الساعة (تكتوكة) منزعجة، لأن عقاربها توقفت بغياب القمر، فيقوم الحمار بضربها. وبعد ذلك تخرج نور لتشرب من البئر فتجده مردوماً بالتراب، فتزيل التراب ليخرج القمر، ويحكي لها ما قام به الحمار والغراب من تدمير للمزرعة والبئر.
وفي الصباح قصت نور على كامل والمهرج مؤامرة الحمار والغراب للاستيلاء على المزرعة، فتوارى الجميع عن الأنظار، وراقبوا المزرعة من بعيد. وهنا يدخل الحمار والغراب ليجدا المزرعة خاوية، فيفرحا لأن خطتهم نجحت. وبدأ الغراب يقسم المزرعة بينه وبين الحمار، فجعل القسم الأكبر منها، والذي يحتوي على البئر من نصيبه. وعندما اعترض الحمار على هذا، هدده الغراب بأن هناك غرباناً في انتظار إشارة منه للحضور والقضاء عليه. وهنا يظهر كامل ونور والمهرج ويقبضون على الأشرار، ويحكمون عليهم بحفر البئر وسقي المزرعة لمدة مائة يوم.
أما مسرحية (الساحل وجني المصباح)، فتدور أحداثها حول فكرة تلويث ساحل البحر بالقمامة والأكياس الفارغة والأواني الزجاجية المحطمة. وذلك من خلال تجسيد هذه المخلفات في شخصيات آدمية تمثيلية تقوم بأدوارها، وهي (أبو القناني، ويقايا الطعام، والكيس). حيث نرى الثلاثة يذهبون إلى ساحل البحر للسباحة واللعب، فيمنعهم الساحل ويطردهم، لأنهم يسببون في انتشار الروائح الكريهة والإصابة بالأمراض. بعد ذلك يأتي النورس، فيحكي له الساحل ما حدث بينه وبين الأشرار الثلاثة، ويحاول كل منهما أن يجد الحل المناسب لإبعاد هؤلاء الأشرار. وفي هذه اللحظة، ينبعث دخان يخرج منه (جني المصباح) ملفوفاً في شبكة صيد، فيخلصه الساحل من الشبكة، فيطلب منه الجني أن يأمره بأي شيء يفعله له، جزاء خدمته هذه. فيطلب منه الساحل أن يخلصه من الأشرار الثلاثة، فيوافق الجني ويقوم بعد معركة مع الأشرار بالانتصار عليهم وطردهم بعيداً عن الساحل.
وفي اليوم التالي يأتي الأشرار ويسرقون حذاء الجني الفضي وهو نائم، ويتركون له حذاءه الذهبي. لأنهم يعتقدون أن الجني إذا سار بالحذائين لا فائدة منه، وإذا سار بالحذاء الذهبي، تتحول رمال الساحل إلى حبات من الذهب. وعندما استيقظ الجني قص النورس عليه الحكاية كاملة. وفي مشهد آخر نجد الأشرار الثلاثة يجمعون الرمال في الكيس أملاً في الحصول على حبات الذهب، حتى امتلأ الكيس ولم يستطع التحرك، ولم يستطع أبو القناني أو بقايا الطعام من حمله، فتركاه في الطريق على أمل العودة إليه. ومزيداً في الطمع نجد بقايا الطعام يملأ أبو القناني ببقية الرمال، فكان مصيره مثل مصير الكيس. وهنا يأتي جني المصباح، وينزع ملابسه التنكرية لنجده عامل النظافة المسؤول عن جمع القمامة، فيقوم بجمع الكيس وبقايا الطعام وأبو القناني في عربته ويخرج. وبذلك أنقذ عامل النظافة ساحل البحر من هذه المخلفات، وجعله نظيفاً، ليعيش الناس في بيئة نقية تناسب حياة البشر.
أما مسرحية (النخلة والثعلب)، فتدور أحداثها حول الصراع بين الخير والشر، ويمثل الخير في هذه المسرحيات شخصيات: النخلة والديك والكلب وطائر الحب، ويمثل الشر شخصيات: الغراب والثعلب والصرصار. وتبدأ الأحداث بظهور الديك في المزرعة، التي تقف في وسطها النخلة متعبة من انتشار بخار أبيض أصابها بالكسل والنعاس. ثم يظهر الكلب الذي كان متوارياً خوفاً من وجود شخصين، تسللا إلى المزرعة ليلاً ونشرا البخار الأبيض. وأخذ الثلاثة يفكرون في هذا الأمر طويلاً.
وفي اللوحة الثانية، نعرف أن الغراب والثعلب هما من تسللا إلى المزرعة، حيث إنهما يدبران مؤامرة ضد النخلة. وبعد فترة ينضم إليهما في المؤامرة الصرصار. وهكذا اجتمع فريق الشر، الذي قرر اقتلاع النخلة من المزرعة لزراعتها في مكان آخر خاص بالصرصار، الذي أخذ يقسم النخلة بينه وبين الغراب والثعلب، بحيث يحتفظ لنفسه بتمر وجذع النخلة، ويعطي الثعلب والغراب سعفها. وعندما اعترض الثعلب والغراب على هذه القسمة، هددهما الصرصار بتجميدهما في مكانهما بصولجانه السحري.
وبدأ عمل فريق الشر أولاً بتغيير مجرى النهر عن النخلة حتى تعطش وتجف، ولكن طائر الحب أنقذ النخلة برش الماء عليها. فيقوم فريق الشر بنشر السوس حول النخلة، ولكن النخلة ظلت صامدة، فقام فريق الشر بربطها بالحبال ومحاولة نزعها من جذورها عن طريق ربط الحبال في الحمير، ومن ثم ضرب الحمير لتسير بقوة وتقتلع النخلة. ولكن الحمير رفضت هذا العمل، وقامت بدهس الصرصار بأقدامها. وأخيراً يتحد فريق الخير ويهزم فريق الشر، لتبقى النخلة شامخة في مكانها، لتقوم بعملها.
وبناء على موضوعات هذه المسرحيات، نستطيع أن نحدد المرحلة العمرية الخاصة بها، وهي مرحلة الطفولة ما بين (8-12 سنة). وتتميز هذه المرحلة – كما يقول شوقي خميس وغيره من الكُتاب - بأن الطفل فيها يستطيع أن يُدرك القيم الإنسانية، بما فيها من صواب وخطأ، وحق وباطل، وخير وشر، وجمال وقبح. بشرط ألا تخلو هذه القيم من البهجة المطلوبة للطفل في هذا العمر. لأن سعادة الطفل تتضاعف بانتصار الأبطال، الذين يتمسكون بالصواب والحق والخير والجمال، فيهزمون الخطأ والباطل والشر والقبح. مع الاحتياج في هذه المرحلة العمرية إلى الدراما الموسيقية، التي تجسد عناصر البطولة. كما أن هذه المرحلة العمرية تظهر فيها وبوضوح، علاقات الزمالة والصداقة والمنافسة والتعامل اليومي مع البيئة، فيبدأ الطفل في تكوين فكرته الخاصة عن العالم ([3]). وهذه الأفكار والمعاني واضحة في المسرحيات الثلاث كما سنرى.
هدف البحث وأهميته
الهدف من وراء هذا البحث، هو إثبات أن مسرحيات محمود أبو العباس المكتوبة للأطفال، لها أثر تعليمي فعال على شخصية الطفل، وذلك باندماجها مع العناصر الفنية الدرامية، باعتبار مؤلفها ممثلاً ومخرجاً، وذلك بناءً على فهمه لنفسية الطفل. وأن تأثير مسرحياته الناتج عن التحام الشكل بالمضمون، له قيمة تربوية كبيرة عند الطفل في المرحلة العمرية المحددة بـ (8-12 سنة).
وأهمية هذا الهدف، يتمثل في أمرين: أولهما، استنباط التأثيرات المختلفة من نصوص المسرحيات، والمتمثلة في التأثيرات البصرية والسماعية والفكرية. وذلك لتحديد المعايير المطلوبة والمناسبة للمسرحيات، المؤثرة بصورة إيجابية فعالة في شخصية الطفل، في المرحلة العمرية المحددة، خصوصاً إذا كانت مُؤلفَة من قبل كاتب له خبرة تمثيلية وإخراجية.
والأمر الآخر، تطابق نتائج هذا البحث، كبحث تطبيقي، بما ذكره محمود أبو العباس بصورة تنظيرية في إحدى دراساته، عندما قال: "إن مسرح الطفل منجز تاريخي بالمنظور المتقدم لحضارة الأمم. فهو يسعى إلى ترسيخ ما هو نبيل في ذهنية الطفل، ويبني مع وعيه أسساً لفهم العالم .. كل ذلك يأتي منسجماً مع تعليم السلوك الطيب، وينشيء معالم للأخلاق، ويبقى دافعاً قوياً للولوج إلى عبقرية الإنسان .. فالدروس التي يتعلمها الطفل من المسرح لا تأتيه مترهلة ومملة، بل تأتيه متفجرة بالحماسة، التي يحاول فيها العمل الفني أن لا يكون ثقيلاً في إيصال المعلومة. بل يندمج مع النسيج التربوي بأسلوب جمالي، من خلال السماعي والبصري، الذي يتربى عليه الطفل، والمتاح في هذا الضرب النشيط من المسرح" ([4]). وهذا القول التنظيري، يتناسب تماماً مع هدف البحث.
منهج البحث
ولتحقيق هدف البحث وإظهار أهميته، وصولاً إلى نتائجه، سنتبع الخطوات الآتية:
1 – تقسيم البحث إلى ثلاثة أجزاء، كل جزء يمثل مسرحية من المسرحيات الثلاث.
2 – كل مسرحية سيتم تحليلها، وفقاً لتأثيراتها المختلفة على شخصية الطفل، وذلك من خلال:
أ – التأثير البصري: الديكور والملابس والإضاءة والحركة التمثيلية.
ب – التأثير السماعي: الأغاني واللغة.
ج – التأثير الفكري: الأهداف المعرفية والأهداف الوجدانية والأهداف المهارية.
3 – ملاحظات عامة.
4 – الخروج بنتائج البحث، ووضع تصور لمدى قابليتها للتطبيق.
البحث
أولاً: مسرحية (نور والبئر المسحور)
ألف محمود أبو العباس هذه المسرحية عام 2000، وقد تمّ تمثيلها عدة مرات، وفازت بجوائز عديدة ([5]). وتدور فكرتها – كما ذكرنا سابقاً - حول البخيل الذي أراد تزويج بناته دون إنقاص لثروته، وذلك عن طريق فكرة إطلاق السهام، وذهاب ابنته نور مع المهرج إلى مزرعة كامل، فينشأ في المزرعة صراع بين الخير والشر، لينتصر الخير في نهاية الأمر.
التأثير البصري
(الديكور): من المعروف أن "للمناظر والديكورات المسرحية أهمية في نجاح العمل المسرحي، وهي تشكل ركيزة من ركائز مسرح الطفل، مع الإشارة إلى أن المناظر والديكور تمثل جغرافية الحدث الدرامي المسرحي وتحدده" ([6]). وبناء على هذا، نجد المؤلف يصف بداية لوحاته الثلاث الأولى – أو فصول مسرحيته – بقوله عن اللوحة الأولى: "في حديقة البيت العامرة بالورود والخضرة .."، وفي اللوحة الثانية، يقول: "في المزرعة حيث توجد بوابة كوخ مصنوع من خشب الأشجار .. وتتوزع شجيرات صغيرة هنا وهناك وسط المسرح .. هناك بئر لم يكتمل حفره .."، وفي اللوحة الثالثة، يقول: "المنظر السابق نفسه، ولكن يُضاف إليه بوابة لكوخ جديد ولسقيفة، حيث نجد نور والمهرج يدقان المسامير في آخر خشبة في البوابة" ([7]).
وهذا الديكور – بهذا الوصف – يمثل تأثيراً بصرياً للطفل القاريء أو المتفرج، حيث يجسد في مخيلته - في بداية اللوحة الأولى - تصوراً لمنزل الأسرة بما فيه من أزهار وخضرة. وهذا التصور يدفعه للاهتمام بالطبيعة، ويجعله يرسم لوحة في مخيلته لمنزل المستقبل. وفي اللوحة الثانية نجد تأثيراً بصرياً يُشكل فنياً، صورة مزرعة في بداية تكوينها، بدليل استخدام المؤلف للفظة التصغير (شجيرات). هذا بالإضافة إلى التأثير غير المباشر بأهمية الصناعات المحلية، حيث إن الكوخ مصنوع من خشب الأشجار. أي أن تشكيله الفني جاء من مفردات بيئة المزرعة نفسها. وفي اللوحة الثالثة، نجد تأثيراً بصرياً على شخصية الطفل، يهدف إلى إعطائه معنى قيمة العمل في المزرعة. حيث تمّ بناء كوخ جديد وسقيفة من سعف النخيل، وهذا يتناسب مع التطور الدرامي للأحداث. هذا بالإضافة إلى تأثير هذه اللوحات – بصرياً – على الطفل، ودفعه للاهتمام بالصناعات المحلية اليدوية، التي تتشكل من مفردات البيئة الزراعية (السعفيات)، نسبة إلى سعف النخيل.
(الملابس): استخدم محمود أبو العباس التأثير البصري أيضاً، من خلال الملابس والإكسسوارات. وكان استخدامه لها بصورة رمزية مبسطة تناسب تفكير الطفل، ليعكس بها بعض المعاني دون ذكرها بصورة مباشرة. فعلى سبيل المثال، عندما ظهر الرجل البخيل على المسرح وصفه المؤلف بقوله: "يرتدي جبة مملؤة بالجيوب المنفوخة" ([8]). وهذا الوصف للملابس يعكس للطفل مدى ثراء هذا الرجل. ذلك الثراء الذي يتناقض مع بخله على بناته! فبدلاً من ذكر ذلك التناقض صراحة في نص المسرحية، رمز المؤلف له عن طريق التأثير البصري، من خلال الملابس. وعندما أراد المؤلف أن يرسم للطفل شخصية بطلة المسرحية (نور)، قال عنها في أول ظهور لها على خشبة المسرح – كما جاء في النص – بأنها "تحتضن كتاباً .. وتضع نظارات طبية على عينها" ([9]). وهذا الوصف يعكس للطفل، عن طريق التأثير البصري من خلال الإكسسوارات، أن (نور) فتاة مثقفة كثيرة القراءة والاطلاع، دون أن يذكر ذلك بصورة مباشرة، واكتفى بإظهارها محتضنة كتاباً ومرتدية لنظارات طبية.
(الإضاءة): على الرغم من أن الإضاءة تُستخدم في مجال المسرح بصورة متطورة، لتتناسب مع تطور التقنيات الحديثة من أجل الإبهار، الذي أصبح ركناً أساسياً من أركان نجاح العمل المسرحي، إلا أن دلالات الألوان في الإضاءة ثابتة ومتعارف عليها في معظم الدراسات المسرحية. فعلى سبيل المثال، نجد اللون الأزرق – كما جاء في دراسة جلين ويلسون - يدل على البرودة والكآبة والخوف وضوء القمر والشتاء ([10]). ومن منطلق هذا اللون ودلالته، نجد المؤلف يصف منظر اللوحة الرابعة بقوله: "في المزرعة حيث يشع لون أزرق ليغطي المكان ويلقي بظلاله البنفسجية عليه" ([11]). واستخدام اللون الأزرق في هذا الوصف، يعتبر تأثيراً بصرياً عن طريق الإضاءة، يعطي للطفل المتفرج أو القاريء، شعوراً بأن الأحداث التي ستحدث في هذه اللوحة، ستحدث ليلاً. فبدلاً من التصريح بالزمن، استخدم المؤلف دلالة لون الإضاءة الزرقاء، لتقوم بذلك عن طريق التأثير، لا عن طريق التصريح.
(الحركة التمثيلية): على الرغم من أن حركة الممثلين على خشبة المسرح، يصممها المخرج بدقة متناهية، إلا أن هذا التصميم يكون بناءً على حركة الممثلين كما كتبها المؤلف في نصه المسرحي. وفي نص مسرحية (نور والبئر المسحور) جاءت الحركة مكتوبة من قبل المؤلف، الذي هو في الأصل مخرج أيضاً، ومن هنا تأتي أهمية الحركة التمثيلية. وكما قال شوقي خميس: "لا أظننا نبالغ إن قلنا إن الأطفال في كل أنحاء العالم يعشقون أفلام الكرتون إلى درجة تقارب عشقهم للحلوى والعصافير. وذلك يعني أن الحركة في دراما الطفل تكتسب أهمية خاصة لدى الطفل تفوق في أغلب الأحيان أهمية الحوار والأغاني والعناصر التعبيرية الأخرى التي تعتبر بالغة الأهمية أيضاً بالنسبة للطفل" ([12]).
وبناءً على أهمية الحركة في مسرح الطفل، نجد المؤلف يهتم بها في مواضع خاصة من أحداث المسرحية، ليشكل منها كوميديا الموقف. وذلك من أجل إسعاد الطفل القاريء أو المتفرج، والترويح عنه من جهة، ومن جهة أخرى نجد هذه المواقف الكوميدية، دائماً تأتي في نهاية حوار هادف، كنوع من تأكيد معنى الحوار، وإعطاء الطفل فرصة للتفكير والتمعن في مغزى الحوار بما يناسب تفكيره، تبعاً لمرحلته العمرية.
فعلى سبيل المثال، نجد التاجر البخيل – في بداية المسرحية – يدخل في نقاش جدلي مع المهرج، حول قيمة المال، حيث إن التاجر ينظر إلى المال باعتباره غاية. أما المهرج فينظر إليه باعتباره وسيلة. وفي نهاية النقاش يأتي هذا الحوار:
التاجر: أنت معي أم ضدي!
المهرج: أنت ضد نفسك ..
التاجر: سأخلع أسنانك وأقطع لسانك ..
المهرج: عندها تتحمل أخطائي في الكلام .. عندها ستتشقلب الحروف .. وتتبعثر الكلمات .. ولا تفهم منى سوى الحركات (يؤدي بعض الحركات والكلمات وكأنه فقد أسنانه ولسانه) ([13]).
وهنا نلاحظ أن المؤلف اختتم النقاش حول قيمة المال بتأثير بصري، من خلال كوميديا الموقف، ليفسح المجال أمام الطفل المتفرج للتفكير المنطقي السليم، والخروج بتبني موقف المهرج حول أن المال وسيلة وليس بغاية. والدليل على ذلك أن التاجر لا يريد سماع كلمة الحق من المهرج، فيهدده كوميدياً بخلع أسنانه وقطع لسانه، فيقوم المهرج بأداء حركات تمثيلية كتأثير بصري، ليبين للتاجر نتيجة تهديده. وكما قال د.نديم معلا: "إن الكلمة المسرحية فعل، لكنه فعل غير مكتمل، بل لا يكتمل إلا إذا تحول إلى حركة" ([14]).
وفي موقف آخر، يُطور المؤلف من أدوات كتابته الكوميدية، ليفسح المجال أمام تفكير الطفل، كي يستنبط الأفكار والمعاني. وذلك عندما فكر التاجر بإطلاق الأسهم الثلاثة في اتجاهات مختلفة، من أجل تزويج بناته من أصحاب الأماكن التي ستسقط فيها هذه الأسهم. ولنأخذ مثالاً عن ذلك بالحوار الذي تم حول السهم الثاني.
المهرج: (يطلق السهم خارج المسرح ويذهب إليه مسرعاً وهو يصرخ) مفاجأة .. مفاجأة .. مفاجأة تأخذ العقل.
التاجر: (فرحاً) ها .. هل سقط في قصر؟!
المهرج: لا ..
التاجر: في السوق!
المهرج: لا ..
التاجر: في بيت!
المهرج: لا ..
التاجر: أين إذاً ؟!
المهرج: فـي زريبة حيوانات .. وعليك أن تختار لها خروفـاً أو كبشاً أو ثوراً .. لتتزوج ([15]).
ولنا أن نتخيل تأثير الحركة التمثيلية المصاحبة لهذا الحوار، وتأثيرها البصري على الطفل القاريء أو المتفرج، وقدرته العقلية على استنباط نفسية البخيل، والمكان المأمول الذي يتمنى وقوع السهم فيه، إرضاءً لبخله. هذا بالإضافة إلى ما في الحركة التمثيلية من تشويق لدى الطفل، وهو ينظر بشغف إلى أماكن وقوع الأسهم، وحركة الممثلين ركضاً وراء الأسهم المنطلقة. وكفى بنا للتدليل على ذلك، ذكر الإرشادات المسرحية المكتوبة حول إطلاق الأسهم الثلاثة. خصوصاً إذا علمنا أن المهرج، بناء على أمر التاجر، كان يطلق كل سهم وهو معصوب العينين، زيادة في التشويق والتأثير البصري! ويقول المؤلف في إرشاداته:
"التاجر يغلق عيون المهرج بقطعة قماش أسود، ثم يبدأ بدورانه حول نفسه .. يتوقف المهرج .. يبتعد التاجر .. أطلق. [بعد ذلك يقول:] المهرج يطلق السهم خارج المسرح، التاجر يركض باتجاه السهم، ثم يرفع المهرج غطاء العيون ويتجه عند التاجر. [بعد ذلك يقول:] المهرج يغطي عيونه بعد عودته لمكانه ويدور مع الموسيقى ثم يصيح. [بعد ذلك يقول:] يطلق المهرج السهم خارج المسرح ويذهب إليه مسرعاً وهو يصرخ. [بعد ذلك يقول:] المهرج يغلق عينيه ويدور .. ثم يبدأ التاجر بدورانه بسرعة .. أقوى .. يتوقف بمواجهة الجمهور .. بالتأكيد سيكون هناك فزع .. ومشاركة في الصالة فيغني نازلاً للصالة. [وأخيراً يقول:] في الصالة يطلق المهرج السهم الثالث فيتجه إلى مكان بعيد .. يركض صاعداً المسرح بينما يصرخ التاجر" ([16]).
وكمثال أخير على استخدام الحركة التمثيلية، كتأثير بصري من خلال كوميديا الموقف. نجد المؤلف يطور هذا التأثير، مستخدماً إياه في معاقبة الأشرار بصورة كوميدية، لا تخدش نفسية الطفل القاريء أو المتفرج، ولا تلقي الفزع في نفسه. فعندما ينجح الغراب الشرير في خداع الحمار ضد صاحبه وصاحب المزرعة كامل، يدور بينهما الحوار التالي:
أبو الغرايب: أنا لا مصلحة لي معك .. إلا أن تتعلم مني .. وتتخلص من طغيان كامل.
حمران: ماذا ؟ .. هل تريد أن أرفسه بحافري النشيط هذا .. هكذا .. (يرفس برجله أبو الغرايب الذي يتدحرج بعيداً).
أبو الغرايب: أخ .. أخ ..
حمران: (يرفع أبو الغرايب من الأرض) أم تريدني أن أنطحه برأسي هكذا .. (ينطح أبو الغرايب فيسقط أرضاً).
أبو الغرايب: كفى ..
حمران: أو أستطيع أن أخنقه هكذا (يخنق أبو الغرايب).
أبو الغرايب: آه .. نفسي ..
حمران: حتى أني أستطيع أن أرفعه هكذا (يرفع أبو الغرايب) وأرميه على الأرض (يسقط أبو الغرايب أرضاً).
أبو الغرايب: ألحقوني ..
حمران: ها أية طريقة تريد ..؟ ([17])
وهكذا استطاع المؤلف أن يوظف كوميديا الموقف، في إيقاع الجزاء على الغراب الشرير، عن طريق التأثير البصري للحركة التمثيلية. وفي الوقت نفسه أشبع فضول الطفل، وميله الفطري إلى العدل، بأن أوضح له أن الشرير لابد أن ينال عقابه، ولو بطريقة كوميدية. هذا بالإضافة إلى ما في الموقف من تشويق وإضحاك وترويح عن النفس.
التأثير السماعي
(الأغاني): في جميع مسرحيات محمود أبو العباس المؤلفة للطفل، نجد الأغاني والأناشيد تأتي غالباً في نهاية اللوحة – أو الفصل – وذلك لتظل كلماتها وألحانها عالقة بذهن الطفل أطول فترة ممكنة. هذا بالإضافة إلى إنها غالباً ما تأتي بعد حوار منطقي بين الشخصيات حول أحد الأهداف المهمة، أو بعد مناقشة بناءة لإحدى القضايا، ناهيك عن أهميتها في إضفاء البهجة والسرور بالنسبة للطفل.
وكمثال على ذلك في مسرحية (نور والبئر المسحور)، نجد سهم نور يسقط في مزرعة مجهولة، ويطلب منها والدها التاجر الذهاب إلى المزرعة للزواج من صاحبها. ولكن المهرج يعترض على ذلك، لأنه يخشى على نور من المصير المجهول. فتقوم نور بإقناعه عن طريق الحوار البناء، لأن سهمها سقط في مزرعة، وهذا يعني أن هناك زرعاً وعملاً وحياة أفضل. فتلقي نور والمهرج الأغنية التالية، في نهاية النقاش، وفي نهاية اللوحة الأولى:
إلى العمل .. إلى العمل
هو الحياة .. هو الأمل
هو النجاة من الملل
هو العقول تندفع
هو القلوب تجتمع
هو الأكف ترتفع
لتكسر صخرة الكسل
إلى العمل .. إلى العمل ([18])
وكمثال آخر للتأثير السماعي عن طريق الأغنية الموظفة درامياً. نجد المؤلف يختتم مسرحيته بأغنية يلقيها فريق الخير، بعد انتصاره على فريق الشر، ونجاحه في حفر بئر الماء، الذي يروي المزرعة، تقول كلماتها:
لو تعلم الماء أمانة
منذ بدأ التاريخ زمانه
لأجل الناس وخير الناس
فرح الماء بجريانه
لصدق الخير وحب الغير
ترقصنا أعذب ألحانه
الماء أمانة الماء أمانة
نحفظه بالقلب أمانة ([19])
وحول أهمية الأغاني والموسيقى في مسرح الطفل، يقول عبد التواب يوسف: "إن الاهتمام بالإيقاع والموسيقى، وبالأغاني والأناشيد أمر له ضرورته، فتربية أذن الطفل من أهم رسالات المسرح الذي يجب أن يقوم بدوره في لفت نظر الطفل إلى الأنغام الموقعة، والموسيقى المصاحبة للعمل الدرامي، ونستطيع أن نسمعه الجيد من الغناء، ونجذبه للاشتراك في الأناشيد الجماعية" ([20]).
(اللغة): تُعتبر اللغة واستخدامها في مجال التأليف المسرحي، من أهم الإشكاليات التي لم يجد الباحثون حلاً قاطعاً لها، في دراساتهم المسرحية حتى الآن! وما كُتب حول هذه الإشكالية، لا يعدو اجتهاداً فردياً من قبل هذا الباحث أو ذاك. وبالرغم من ذلك، فهناك شبه إجماع على استخدام الفصحى في تأليف المسرحيات المعتمدة على التراث والتاريخ، واستخدام العامية في تأليف المسرحيات المعتمدة على موضوعات الحياة اليومية، سواء كانت هذه المسرحيات للكبار أو للأطفال.
وعلى الرغم من هذا الإجماع، إلا أن محمود أبو العباس خالفه مخالفة إيجابية، حيث ألفّ جميع مسرحياته بالفصحى، وخصوصاً مسرحيات الأطفال، التي تدور موضوعاتها في محيط الحياة اليومية، ولم تعتمد على التاريخ والأساطير. وقد كتبها المؤلف بخصائص أسلوبية، راعى فيها فهم الطفل واستيعابه. وبذلك استطاع المؤلف أن يؤثر بمسرحياته على الطفل، بصورة سماعية من خلال استخدامه للغة العربية الفصيحة، كأداة فعالة تسهم في نمو الحصيلة اللغوية للطفل، في حالتي القراءة أو التمثيل.
وقد أسهم المؤلف بتأثير سماعي آخر من خلال اللغة، عندما راعي قاموس الطفل الخاص، وما يحمله هذا القاموس من مفردات وألفاظ محببة. وذلك عندما استخدم صيغ التدليل، في إطلاق أسماء الأشخاص. فمثلاً أطلق اسم (حمران) على شخصية الحمار، وأطلق اسم (أبو الغرايب) على شخصية الغراب، وأطلق اسم (تكتوكة) على شخصية الساعة. وهذه الأسماء تلقى قبولاً مستحباً لدى الطفل، لأنها تناسب قاموسه اللغوي. كما نلاحظ أن المؤلف راعى الأهداف التربوية المتوخاة من مسرحيته، فابتعد عن ذكر الألفاظ المستهجنة. فعلى سبيل المثال استخدم اسم (حمران) للتدليل على شخصية الحمار، حتى يبتعد عن ذكر هذا اللفظ، الذي يُستخدم في السباب أحياناً. كما استخدم اسم (أبو الغرايب) كتدليل أيضاً، للابتعاد عن ذكر اسم الغراب، الذي يدل على التشاؤم.
التأثير الفكري
إذا كنا فيما سبق، تحدثنا عن أثر مسرحية (نور والبئر والمسحور) على الطفل، من خلال التأثيرين البصري والسماعي، فإن هذين التأثيرين ما هما إلا وسيلتان مساعدتان لإبراز التأثير التربوي والتعليمي الأهم، وهو التأثير الفكري، الذي يتمثل في أهداف المسرحية المعرفية والوجدانية والمهارية، وأثر هذه الأهداف على شخصية الطفل. ويقول أحد المتخصصين في مجال التربية: إن "التربية هي تلك العملية التي عن طريقها نقوم بتنمية جوانب الشخصية الإنسانية في مستوياتها المختلفة. ذلك أنه شاع بين المتخصصين أن للشخصية مستويات ثلاثة: المستوى الأول، هو مستوى الوعي والإدراك المعرفي. المستوى الثاني، مستوى العاطفة والوجدان. المستوى الثالث، مستوى الحركة والنزوع والمهارة" ([21]).
وهذا القول، يتناسب مع أهمية مسرح الطفل عند محمود أبو العباس، عندما قال: "أهمية مسرح الطفل تأتي من التوجه التربوي ولأهداف التربية الحديثة، وتأكيد حب الوطن والمجتمع من خلال إظهار السلوك المؤسس على القيم والمباديء التي أرستها تقاليدنا الطيبة من أجل التدريب المعرفي لأوجه الاكتشاف المستمر لما يحدث في الحياة، أملاً في تبني مفاهيم متطورة تصنع من أطفالنا عقولاً متفتحة واعية ومنتجة بالتأكيد" ([22]).
وسنحاول في السطور التالية، تطبيق هذا التنظير بصورة عملية، من خلال استنباط الأهداف الفكرية المختلفة في مسرحية (نور والبئر المسحور)، بما تشتمل عليه من أهداف معرفية ووجدانية ومهارية، وبيان أثرها على شخصية الطفل القاريء أو المشاهد.
(الأهداف المعرفية): من المعروف أن الإنسان يُولد في الحياة حاملاً إداركاً فطرياً، يستطيع من خلاله التفريق بين الخير والشر، وبين الحلال والحرام. ومع مرور الزمن يحتاج هذا الإنسان إلى تنمية هذا الإدراك الفطري، عن طريق تزويده بكم من المعلومات والمعاني والمفاهيم والحقائق، وذلك من خلال التربية السليمة والقراءة والمشاهدة والاستذكار .. إلخ هذه الوسائل التربوية والتعليمية، التي تطرح هذه الأمور بصورة مباشرة، في بعض الأحيان. ومسرح الطفل يُعتبر وسيلة تربوية وتعليمية فعالة في هذا الجانب، لأنه لا يطرح الأهداف المعرفية على الطفل بصورة مباشرة، بل يطرحها عن طريق التجربة الدرامية الممتعة، التي تعيد صياغة هذه الأهداف في فكر الطفل بصورة عملية، وتؤثر في طريقة تفكيره.
فعلى سبيل المثال، نجد محمود أبو العباس في مسرحية (نور والبئر المسحور)، يضع هدفاً معرفياً يتمثل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم (ما نقص مال عبد من صدقة). ولكن هذا الهدف لم يذكره المؤلف بصورة مباشرة، بل ولم يذكره بنصه. وإنما جعل الطفل القاريء أو المتفرج يستنبطه من خلال حوار بناء بين الشخصيات، وذلك من خلال الحوار التالي بين التاجر البخيل والمهرج:
التاجر: (يغني) أتعبني التفكير كثيراً
بالثروة منذ كنت صغيراً
لمن أعطيها؟
من .. يحميها؟
المهرج: الثروة تحتاج لأفواه تقضي عليها.
التاجر: من؟ بناتي الثلاثة ..
المهرج: بل .. الفقراء ..
التاجر: وهل أنا الذي تسبب في فقرهم؟
المهرج: المال نعمة الله .. ويمكن أن تعطي القليل من مالك الكثير .. فذاك حسنة ([23]).
ونلاحظ أن الحوار جاء بسيطاً ليتناسب مع تفكير الطفل، حتى يتعرف على الهدف المعرفي عن طريق الاستنتاج المنطقي بصورة حوارية مبسطة، وهو أسلوب يتناسب مع الطفل في هذا العمر. هذا بالإضافة إلى استخدام المؤلف لكلمة (أفواه)، للدلالة على كثرة الجياع والفقراء. وكذلك استخدامه للتضاد بين كلمتي (القليل والكثير)، لتأكيد معنى الهدف المعرفي، بأن الصدقة لا تقلل من مال التاجر الكثير. وبهذا الأسلوب الحواري البناء، استطاع المؤلف أن يضع أهدافاً معرفية كثيرة في هذه المسرحية ([24]).
(الأهداف الوجدانية): تُعتبر صياغة الأهداف الوجدانية بصورة درامية، من أصعب الأهداف التي تقف أمام مؤلف مسرح الطفل. لأنها أهداف تتعلق بالقيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، وهنا تكمن الصعوبة. لأن هذه الأهداف تتعلق بالمشاعر والأحاسيس، أي تتعلق بما هو داخل الطفل. وهنا تظهر قدرة المؤلف في تعامله مع الهدف الوجداني بالنسبة للطفل، وذلك عن طريق عرض الهدف بصورة درامية تؤثر في الطفل داخلياً، وتدفعه إلى تغيير سلوكه وأفكاره الوجدانية بصورة إيجابية. وهذا ما فعله محمود أبو العباس في مسرحية (نور والبئر المسحور).
فعلى سبيل المثال، نجد الهدف الوجداني الذي يؤثر على الطفل - ويدفعه إلى الشعور بالتفاؤل دائماً، وعدم الخوف من المجهول، ويحثه على مساعدة الآخرين، ويدفعه إلى حب العمل - يُصيغه المؤلف بصورة درامية، من خلال هذا الحوار بين المهرج ونور، عندما سقط سهمها في مزرعة، وحكم عليها والدها أن تتزوج من صاحبها:
المهرج: (يبكي) آه .. آه .. ويلي ..
نور: ولمَ البكاء يا صديقي؟
المهرج: إني أخاف عليك من مصير مجهول ..
نور: ربما يكون مصيراً طيباً ..
المهرج: كيف ونحن لا نعرف عنه شيئاً؟
نور: عليك أن تتفائل دائماً حتى في أسوء الظروف ..
المهرج: (يبكي) .. ولكن سأرافقك للاطمئنان عليك ..
نور: ولمَ لا ..
المهرج: كيف وافقتي على مثل هذا الحل المجنون؟!
نور: المزرعة .. هي التي دفعتني للموافقة .. فمادام هناك زرع معناها هناك إنسان يعمل .. ومادام هناك إنسان يعمل .. فمعنى هذا أنه يفكر بحياة أفضل .. والحياة الأفضل لا يصنعها الإنسان لوحده .. فهو يحتاج إلى من يساعده .. وأنا أحب مساعدة الآخرين .. لأني أحب الحياة .. وأتمنى أن أخرج من الرتابة والملل .. إلى درة الحياة .. إلى العمل .. إلى العمل ([25]).
وبالأسلوب الحواري نفسه، القائم على النقاش المنطقي المناسب لعقلية ووجدان الطفل، استطاع المؤلف أن يشكل في مسرحيته عدة أهداف وجدانية مؤثرة على شخصية الطفل، منها على سبيل المثال: الابتعاد عن الجشع، وعدم سرقة جهود الآخرين، وإكرام الضيف، وحب الإنسان لأخيه الإنسان، وعدم إساءة الظن بالناس، والالتزام بالصدق ([26]).
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام، إن المؤلف في صياغته لهذه الأهداف الوجدانية، كان يُيسر مفاهيمها وقيمها، تبعاً لمستوى تفكير الطفل في الفترة العمرية المحددة، ولم يقحم في الحوار أفكاراً جدلية معقدة، من الممكن أن يُختلف حولها، أو من الممكن أن تفوق في معانيها ودلالاتها مستوى تفكير الطفل الموجه إليه هذه المسرحية.
(الأهداف المهارية): والمقصود بها إنعاش عقل الطفل القاريء أو المتفرج، من خلال حوار درامي، يستطيع الطفل أن يستنبط منه المعاني الهادفة، أو أن يجيب على أسئلة مطروحة، أو أن يشارك بفكره في الحوار الدرامي. أي أن المؤلف عن طريق طرح الأهداف المهارية، استطاع التأثير على شخصية الطفل من خلال استغلال مهارات التفكير والاستنباط والاستنتاج والمشاركة لديه، بدلاً من إلقاء هذه الأهداف بصورة مباشرة.
فعلى سبيل المثال نجد المؤلف يطرح سؤالاً، من خلال حوار بين أبو الغرايب وحمران، عن أهمية الماء للحياة. فنجد أبو الغرايب يقول لحمران: "الماء هو أهم شيء في الأرض .. منه تسقى المزروعات .. وتشرب الحيوانات .. وكذلك كامل ومن معه .. إذاً الماء عصب الحياة .. وحين نقطع هذا العصب .. ماذا يحصل؟" ([27]). والإجابة طبعاً معروفة، وتتمثل في أن الحياة تتوقف إذا انقطع عنها الماء. وهنا نلاحظ أن المؤلف لم يذكر الإجابة بصورة مباشرة، بل طرح السؤال وترك إجابته لمهارة الطفل في التفكير، حتى يستنتج بنفسه وبتفكيره الإجابة المطلوبة. وهنا يظهر التأثير على شخصية الطفل، عندما يشعر بقيمته وأهمية تفكيره، عندما يستنتج الإجابة بنفسه، دون أن تُطرح عليه بصورة مباشرة.
وكمثال آخر على أثر هذه المسرحية في توظيف مهارة الطفل في التفكير، نجد المؤلف يضع حواراً في نهايتها، يُطالب فيه الطفل القاريء أو المتفرج، أن يشارك بفكره ورأيه في شكل العقاب، الواجب تنفيذه على الأشرار.
حمران: أنا أطلب العفو والرحمة ..
كامل: لنسأل أصدقاءنا في القاعة .. ما عقاب حمران وأبو الغرايب؟
نور: ها .. ماذا تقولون؟ (لغو في القاعة بالتأكيد) ([28]).
ومن خلال هذا الحوار، استطاع المؤلف أن يحث الطفل على استغلال مهارته في التفكير، لإيجاد العقاب المناسب للأشرار. ومن الملاحظ أن العقاب تمثل في (أن يحفر حمران وأبو الغرايب البئر ويسقيان المزرعة لمدة مائة يوم). وهو عقاب تربوي فعال وعادل، وليس عقاباً عنيفاً أو تعذيباً جسدياً أو انتقاماً دموياً، لا يتناسب مع نفسية الطفل، وحثه على العدل والرحمة. وهذا الأمر يشترك فيه المسرح المدرسي ومسرح الطفل، حيث "يجب أن تتميز المسرحية المدرسية بنهاية عادلة، فلدى الطلبة إحساس قوي بالعدالة، ويرتاحون للمسرحية التي يوزع فيها الثواب والعقاب بالعدل على من يستحقونه" ([29]).
وإذا كُنا قد توقفنا طويلاً عند تحليلنا للتأثيرات المختلفة لمسرحية (نور والبئر المسحور) على شخصية الطفل، فإننا سنتوقف عند محطات معينة لهذه التأثيرات في مسرحيتي (الساحل وجني المصباح) و(النخلة والثعلب).
ثانياً: مسرحية (الساحل وجني المصباح)
ألف محمود أبو العباس مسرحية (الساحل وجني المصباح) عام 2001، ومُثلت أكثر من مرة، كما شاركت في أكثر من مهرجان عربي ودولي، ونالت عدة جوائز ([30]). وتدور فكرتها – كما أسلفنا القول – حول تلويث ساحل البحر بالقمامة ومخلفات البشر، حيث يقوم الصراع بين الشخصيات الشريرة التي تمثل هذه المخلفات، وبين الشخصيات الخيرة التي تمثل الساحل والنورس وجني المصباح. وينتهي هذا الصراع بانتصار الخير على الشر، أملاً في العيش في بيئة نقية تناسب حياة البشر.
التأثير البصري
(الديكور): نلاحظ في هذه المسرحية أن الديكور كتأثير بصري، شكله المؤلف، في بداية المسرحية، بقوله: "المسرح متسع من الفراغ .. الستارة الخلفية بيضاء يرتسم عليها لون أزرق تداعبه أصوات الأمواج، بحركة هادئة للستارة، مع ستارة زرقاء تمتد على الأرض في مؤخرة المسرح تحركها أيادٍ خفية لنرى البحر يمتد إلى الأفق" ([31]).
وهذا الديكور الذي يمثل ساحل البحر، يؤثر على الطفل بصرياً، ويجعله يتعايش مع جو الأحداث الدرامية، بما في هذا الديكور من بساطة التكوين وعمق التعبير. هذا بالإضافة إلى استخدامه للونين الأبيض والأزرق، للدلالة على نقاء الهواء وأمواج البحر، مما يُضفي تأثيراً بصرياً عن طريق تجسيد بيئة ساحل البحر أمام الطفل. ناهيك عن تحريك الستارة الأرضية، لتجسد حركة الأمواج، ولتصبح تأثيراً بصرياً جديداً عن طريق الحركة.
التأثير السماعي
(الأغاني): كما أسلفنا القول، إن محمود أبو العباس غالباً ما يستخدم التأثير السماعي، عن طريق الأغاني، بعد نقاش طويل حول إحدى القضايا، لتكون الأغنية بمثابة درس أو نصيحة، وتظل كلماتها وألحانها عالقة بذهن الطفل أطول فترة ممكنة. وكمثال على هذا، نجد في المسرحية عراكاً حدث بين فرق الشر (بقايا الطعام وأبو القناني، والكيس)، وبين جني المصباح، وانتهى العراك بهزيمة الجني في أول الأمر، فيقوم الساحل بإلقاء أغنية، قال فيها:
لم نعبث بأراضينا
ونهدر ماءً يروينا
وندمر الهواء فينا
نحرق شجرة
ننزع ثمرة
لمَ نضيع أمانينا ([32]).
وعندما انتصر فريق الخير على فريق الشر، في نهاية المسرحية، قام الفريق المنتصر بإلقاء أغنية - كانت ختاماً للمسرحية - قال فيها:
الله ما أحلى الصداقة
تدفعنا بكل طاقة
الله ما أحلى الصديق
ينقذنا من كل ضيق
بخطوة جريئة
نصادق البيئة
المحبوبة البريئة
ونكمل الطريق
في البيئة الصديقة
الله ما أحلى الصداقة
تدفعنا بكل طاقة ([33]).
التأثير الفكري
(الأهداف المعرفية): استخدم المؤلف محمود أبو العباس، أسلوب التأثير الفكري، لإيصال بعض المعارف إلى الطفل عن طريق الحوار والنقاش البناء، وذلك بصورة منطقية دون طرحها بصورة مباشرة. فمثلاً نجده يستغل شخصية جني المصباح، وأنها من الزمن القديم، فعندما يسمع الجني كلمة البيئة، يُبدي امتعاضاً لعدم معرفة معناها، فيقوم الساحل بشرحها له قائلاً: "البيئة .. يعني المكان .. يعني الهواء والأرض التي نعيش فيها .." ([34]). وبهذا الأسلوب استطاع المؤلف أن يفسر ويشرح بعض المعارف المهمة، مثل معنى القوة التي تعتبر ضعفاً لو استخدمت في الإساءة، وتعتبر قوة لو كان العقل يحكمها. كذلك نجده يقول عن الكذب إنه يُسهل الوهم عند الآخرين، وأن النجاة دائماً في الصدق والتمسك به ([35]).
(الأهداف المهارية): استطاع المؤلف أن يؤثر فكرياً على الطفل في هذه المسرحية، من خلال تعامله مع الأهداف المهارية، فجعله يستغل مهاراته التفكيرية في استنباط نتائج مهمة، من خلال الحوار القائم. فعلى سبيل المثال، نجد المؤلف يطرح حواراً يستطيع الطفل القاريء أو المتفرج، أن يستنبط منه منطقياً، أسباب انتشار الأمراض، وانتشار الروائح الكريهة، عندما يترك الطفل بقايا الطعام والقمامة تخرج من صناديقها وأكياسها. وذلك من خلال هذا الحوار، الذي جاء بعد أن قام الساحل بمنع الأشرار من الاقتراب منه:
الكيس: لماذا تمنعنا؟
الساحل: لأنكم تسربتم من الأكياس والبراميل .. وهي بيوتكم التي لابد أن تكون بعيدة عن الناس ..
بقايا الطعام: لماذا؟
الساحل: وتقول لي لماذا؟ لأنكم تخربون المكان .. وتفسدونه ..
أبو القناني: أنا نظيف .. قبل قليل رماني أحدهم .. فضعت .. لكن أصدقائي أولاد الحلال هؤلاء جاءوا وأنقذوني ..
الساحل: أنت بالذات إذا انكسرت ستسبب جروح لأقدام الأطفال وللناس الذين يأتون عندي ..
الكيس: وأنا ..
الساحل: أنت المفروض بك أن لا تلقي بهؤلاء خارجاً حتى لا تتسبب في نشر الروائح الكريهة ..
الثلاثة: تقصد أن روائحنا كريهة ..
الساحل: وتسبب الأمراض .. ([36]).
التأثير المتضافر
في مسرحية (الساحل وجني المصباح)، طور المؤلف من أدواته التأثيرية على شخصية الطفل، وذلك من خلال تضافر وامتزاج أكثر من مؤثر. فعلى سبيل المثال نجده يمزج التأثير البصري من خلال الملابس والحركة، مع التأثير السماعي من خلال الأغنية، مع التأثير الفكري من خلال الأهداف المعرفية. وكتطبيق على هذا الامتزاج والتضافر، نجده يُظهر شخصية الساحل مرتدية ملابس بها أشرطة قماش زرقاء تشكل لون الموج الأبيض والأزرق، وهذه الأشرطة تتحرك بواسطة جهاز خاص لتشكل حركة الأمواج. وعندما يدخل على خشبة المسرح بهذا الشكل، يلقي أغنية يقول فيها:
هل تعرفون من أنا
دوري ساحل بحرنا
أنا الواصل بين الأرض وبين الماء
لوني أزرق لون ضوء السماء
لوني أبيض ينثر حباً ونقاء
أنا الرمل
أنا الصخر
أنا الصفاء
فهل وهل تصدقون ([37]).
وهنا نجد المؤلف يمزج التأثير البصري من خلال الملابس وحركتها، مع التأثير السماعي من خلال هذه الأغنية، التي تطرح هدفاً معرفياً عن وظيفة الساحل ولونه ومكوناته وفائدته ودوره، وفي الوقت نفسه تثير تساؤلاً عما أصاب هذا الساحل من أضرار، مما يؤدي إلى تشوق الطفل لمعرفة الإجابة، عن طريق مهارات التفكير لديه.
وبالأسلوب نفسه نجد المؤلف يرسم بقية الشخصيات. فنجد شخصية (بقايا الطعام) ترتدي ملابس مرسوم عليها أشياء من بقايا الخبز والطعام، وعلقت بعض الأكياس الصغيرة فيها. وشخصية (أبو القناني) نجدها، تُعلق في رقبتها مجموعة من القناني تصدر أصواتاً حين تتحرك. وشخصية (الكيس)، نجدها ترتدي كيساً من البلاستيك وفي قدميها ويديها قفازات من مادة الكيس نفسها. وهذه الملابس والأوصاف تعطي تأثيراً بصرياً، يُوضح وظيفة ومهمة كل شخصية. كذلك نجد هذه الشخصيات، عند دخولها أول مرة، تغني قائلة:
الثلاثة: ها قد جئنا
ها قد عدنا
نمرح فوق رمال البحر
جئنا نلعب نسبح نجري
نركب موجة
نصنع فرجة
فافسحوا الطريق لنا
واسمعوا ما عندنا
بقايا الطعام: أنا بقايا من طعام
أأكل أشرب والسلام
ولا يهم متى أنام
أسرح أمرح في الهواء
الثلاثة: نحن الثلاثة أصدقاء
نسرح نمرح في الهواء
أبو القناني: من منكم ينساني
فأنا أحلى الأواني
اسمي أبو القناني
في يدي كل الأصدقاء
الثلاثة: نحن الثلاثة أصدقاء
نسرح نمرح في الهواء
الكيس: في كل بيت تلقاني
كيس أحدكم أسماني
فشاع ذكري بالأرجاء
أنا الجامع للأشياء ([38]).
وهكذا مزج المؤلف التأثير البصري من خلال الملابس وحركة الأكسسوارات المعلقة بها، مع التأثير السماعي من خلال الأغنية، ليصل بذلك إلى التأثير الفكري من خلال الهدف المعرفي المتمثل في وظيفة كل شخصية في البيئة. وهذا الأمر يتناسب مع قول عبد العزيز السُريع: إن "مسرح الطفل هو المسرح الذي يقدمه المحترفون الكبار للأطفال، ويهدف إلى المساهمة في تربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة سليمة، وذلك نظراً لرغبة الأطفال بتقليد الفنانين من الكبار وسرعة تأثرهم بهم. وأن مثل هذا المسرح يحتاج إلى كاتب متخصص" ([39]).
وما قام به المؤلف محمود أبو العباس في هذه المسرحية، يتفق إلى حد كبير من قول د.محمد مبارك الصوري، عندما قال: "إن المسرح يُعدُّ مواجهة حقيقية تتم بين الطفل والصراعات الدائرة على مستوى الواقع الاجتماعي. معتمدين في هذا التصور على ما لدى الطفل من وعي وإدراك بإمكاناته الذاتية، وقدرته على استثمار سلوكه وقوته في مواجهة حقوق الدور الاجتماعي المتوقع منه، وواجباته تجاه هذا الواقع الاجتماعي" ([40]).
ثالثاً: مسرحية (النخلة والثعلب)
ألف محمود أبو العباس مسرحية (النخلة والثعلب) عام 2004، وقد مُثلت عدة مرات، في مناسبات عديدة ([41]). وتدور فكرتها – كما أسلفنا القول – حول الصراع بين الخير والشر، من خلال محاولة الأشرار اقتلاع النخلة لزراعتها في مكان آخر. وعندما فشلوا، قرروا قتلها بتحويل مجرى النهر عنها، ورش المبيدات السامة والسوس حولها. ولكن الخير ينتصر في نهاية الأمر، لتظل النخلة شامخة لتؤدي عملها.
التأثير البصري
(الديكور): قام المؤلف بتشكيل الديكور بصورة مُوحية، كتأثير بصري، قال عنه: "أرض زراعية جميلة يمتد أفقها الأخضر ليغطي مساحة المسرح. (النخلة) تقف وسط المسرح وتؤدي شخصيتها (ممثلة). وهناك بيت جميل للكلب الذي يقوم على حراسة النخلة، وكذلك الديك الذي يهتم بأعمالها، وقد صنع له بيتاً جميلاً من بقايا النخلة" ([42]).
ونلاحظ هنا استخدام المؤلف للون الأخضر للدلالة على الخضرة والزرع، مع استخدامه لمفردات البيئة الزراعية في تشكيل الديكور، عندما جعل بيت الديك مصنوعاً من بقايا النخيل (السعفيات)، كدلالة على أهمية المصنوعات اليدوية التراثية، مما يُضفي تأثيراً بصرياً في وجدان الطفل، يعكس له أهمية التراث العربي في حياتنا.
التأثير السماعي
(الأغاني واللغة): استخدم المؤلف التأثير السماعي من خلال الأغاني، ليبين عن معنى الصداقة وقيمة العمل وفوائد النخلة، وذلك من خلال دخول الديك مغنياً:
بين ظلال النخلة
نعمل مثل النحلة
هي لنا نعم الصديق
تطعمنا حباً ورحيق
تبقى أختاً أغلى
معها الدنيا أحلى
بين ظلال النخلة ([43]).
وفي مواضع أخرى، استخدم المؤلف الأغنية ليبين عن شكل المزرعة النموذجية، التي يحلم بها أي إنسان في المستقبل، كما أبان عن أهمية العمل وأضرار الكسل والجشع والخوف والكذب والنفاق ([44]). هذا بالإضافة إلى استخدامه التأثير السماعي من خلال استخدام صيغة التدليل اللغوي - المناسبة لنفسية الطفل وقاموسه اللغوي - عندما أطلق أسماءً تدليلية على شخصيات المسرحية. فمثلاً أطلق اسم كلوبي على الكلب، وثعلوبي على الثعلب، وغروبي على الغراب، وصراصيرو على الصرصار.
التأثير الفكري
استطاع المؤلف أن يستخدم التأثير الفكري، من خلال رصده لعدة أهداف معرفية، أدت من خلال الحوار، إلى تعرف الطفل لعمل الكلب في المزرعة وهو حراستها، وأن النخلة من الأشجار المباركة. هذا بالإضافة إلى عدة معارف عامة، منها: عدم السكوت على المرض، وأن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، وأن النوم يسبب الكسل والخمول ([45]). كما أكد المؤلف أيضاً على عدة أهداف وجدانية، منها وجوب الرفق بالحيوان، وذلك من خلال التأكيد على عدم ضرب الحمار بالعصا، من أجل حثه على المشي، والابتعاد عن الغرور ([46]).
وبالنسبة للتأثير الفكري، من خلال الأهداف المهارية، نجد المؤلف أقام محاورات كثيرة، بحيث يستطيع الطفل القاريء أو المتفرج أن يستنبط ويستنتج منها المعاني الكثيرة، من خلال استغلال مهاراته في التفكير. ومثال على ذلك، استنتاج أن من يحرس المزرعة يجب عليه ألا يخاف، وأن الضيف يطرق الباب ولا يتخفى، وأن الماء شريان حياة المحاصيل الزراعية، وعدم وجوب زراعة نبات في غير أرضه وبيئته الملائمة، وعدم الاعتقاد في قدرة السحر على تغيير الأمور، ووجوب العمل المشترك بين الأصدقاء ([47]).
وقد تمّ ذلك عن طريق تجسيد هذه الأمور في مخيلة الطفل، عن طريق الإيهام المسرحي. فإن "الإيهام المسرحي وخيالات الأطفال واندماجهم وتعاطفهم وانفعالاتهم، تجعل للمسرح تأثيراً كبيراً في غرس القيم الجديدة. إذ إنه يضع أمام الأطفال الوقائع والأشخاص والأفكار بشكل مجسد وملموس ومرئي ومسموع. ويعتبر مسرح الأطفال من الوسائط المهمة والفاعلة في تنمية الأطفال عقلياً وعاطفياً وجمالياً ولغوياًَ وثقافياً. فهو ينقل للأطفال بلغة محببة إلى نفوسهم الأفكار والمفاهيم والقيم. كما يضعهم وجهاً لوجه أمام تجارب جديدة ويحفزهم إلى التطلع نحو تجارب أخرى" ([48]).
ملاحظات عامة
من الملاحظ أن المؤلف كتب مسرحياته الثلاث، من خلال تبسيطه لعقدتها، حتى يستسيغها الطفل تبعاً لمستوى تفكيره المناسب للمرحلة العمرية الموجه إليها هذه المسرحيات. وهذا التبسيط، جنب المؤلف اضطراره لإقحام العوامل الخارجية المفتعلة، كي ينقذ أبطاله، أو ليحل العقدة بقوى خارجية مُقحمة. لذلك نجح المؤلف في حل عقدة مسرحياته عن طريق وضع صراع مقبول بين قوى الخير والشر، بصورة احترم فيها عقلية الطفل. حتى عندما لجأ إلى أسلوب القوى الخارجية الخارقة، في مسرحية (الساحل وجني المصباح)، عندما جعل (جني المصباح) ينتصر على الأشرار، فاجأنا بأن هذا الجني ما هو إلا عامل النظافة متنكراً.
كما يُلاحظ أن المؤلف في صياغته لحبكة مسرحياته، كان موفقاً إلى حد كبير. حيث ضمّن مسرحياته القصص الملائمة لفكر الأطفال، والتي جاءت في تسلسل منطقي للأحداث، وفي صورة درامية مُجسدة على خشبة المسرح، دون اللجوء إلى روايتها، ودون تشتت لذهن الطفل في موضوعات وحبكات ثانوية.
كما يُلاحظ أن المؤلف وجه فكره نحو إبراز علاقة الصداقة في مسرحياته الثلاث، مع التزامه بخصائص هذه العلاقة من منظور علم النفس. حيث التزم بخصائص الصداقة في المرحلة العمرية المحددة، وذلك من خلال توظيف الأهداف التعاونية بين الأطفال، وإشباع الاهتمامات الشخصية والأنشطة المتبادلة ([49]).
ومن منطلق المرحلة العمرية المحددة، والتي يتشكل فيها ذهن الإنسان في سلوكيات معينة، قد تساعده على رسم شخصيته النفسية، نُلاحظ أن المؤلف استخدم بعض الشخصيات الحيوانية من أجل التحليق بالخيال، ومزجها بالشخصيات الإنسانية من أجل سحب الذهن إلى الواقع. وكان هدفه من هذا المزج تمرير الأفكار الكبيرة. ففي مسرحية (نور والبئر المسحور) استطاع المؤلف تمرير فكرة تعاقب الليل والنهار من خلال الحركة الفيزيائية، وفكرة الصراع الدولي حول المياه. وفي مسرحية (الساحل وجني المصباح) استطاع المؤلف تمرير فكرة تلوث البيئة التي تهدد العالم بنفايات المصانع والمواد المشعة السامة. وفي مسرحية (النخلة والثعلب) استطاع المؤلف تمرير فكرة استغلال الاستعمار الخارجي لثروات العالم العربي وتقسيمها، من خلال تقسيم النخلة وزراعتها في مكان آخر غير مكانها العربي.
نتائج البحث
من خلال تحليلنا لعناصر التأثير البصري والسماعي والفكري، في مسرحيات الطفل عند محمود أبو العباس، نستطيع أن نبين تأثيرها على شخصية الطفل، من خلال هذه النقاط:
أولاً: يتأثر الطفل القاريء أو المتفرج لهذه المسرحيات، بصرياً من خلال بساطة تكوين الديكور وعمق تعبيره، بتقديره لقيمة الطبيعة والبيئة من حوله، والاهتمام بهما والحفاظ عليهما، مع اهتمامه الخاص بالصناعات اليدوية المصنوعة من مفردات البيئة الزراعية، ولا سيما (السعفيات).
ثانياً: يتأثر الطفل بصرياً من خلال الملابس، بالمعايشة مع الشخصية، وما تحمله ملابسها وأكسسواراتها من دلالات، تُضفي معاني موحية لدورها المسرحي.
ثالثاً: يتأثر الطفل بصرياً من خلال الإضاءة، بالتعمق في معاني الألوان، وما تحمله من دلالات مختلفة.
رابعاً: يتأثر الطفل بصرياً من خلال الحركة التمثيلية، بتمثلها والتوحد معها، عن طريق ربطها بالحوار المصاحب لها.
خامساً: يتأثر الطفل سماعياً من خلال الأغاني، بالتعمق في معانيها والتفكير في كلماتها والاستمتاع بألحانها.
سادساً: يتأثر الطفل سماعياً من خلال اللغة، بزيادة حصيلته اللغوية، وتقديره للغته الفصحى، مع الاستمتاع بسماع الألفاظ التدليلية المحببة لديه.
سابعاً: يتأثر الطفل فكرياً من خلال الأهداف المعرفية، بالتعرف على المعاني والمصطلحات والشروح الجديدة، من خلال التجربة الدرامية.
ثامناً: يتأثر الطفل فكرياً من خلال الأهداف الوجدانية، بتثبيت القيم الاجتماعية والأخلاقية والدينية، عن طريق التجارب المسرحية.
تاسعاً: يتأثر الطفل فكرياً من خلال الأهداف المهارية، بتنشيط واستخدام مهارات التفكير لديه، في الاستنباط والاكتشاف والاستنتاج، من خلال الحوار المنطقي المناسب لعمره.
تصور لمدى قابلية النتائج للتطبيق
من الممكن استخدام نتائج هذا البحث، كمعطيات للأبحاث الاجتماعية والنفسية التي تتعلق بالأطفال في المرحلة العمرية المحددة (8-12 سنة). هذا بالإضافة إلى إمكانية استخدامها في استبيانات توزع على الأطفال المشاهدين للعروض المسرحية. وأخيراً يمكن استخدامها في بعض الأبحاث الميدانية، التي تُصاحب مهرجان مسرح الطفل، أو استخدامها في ورش الكتابة المسرحية للطفل.
خاتمة
في نهاية هذا البحث، أتمنى من الله أن أكون قد أنجزته بالصورة المقبولة، التي يستفيد منها كُتاب مسرح الطفل، ويستفيد منها الطفل القاريء أو المتفرج لمسرحيات محمود أبو العباس بصفة خاصة، ومسرحيات الأطفال بصفة عامة، ويستفيد منها العاملون في مجال مسرح الطفل بصفة عامة أيضاً. كما أتمنى أن أكون قد حققت الهدف من وراء كتابته، وأثبت أن مسرحيات محمود أبو العباس لها أثر تعليمي فعال على شخصية الطفل، بالإضافة إلى أثرها التربوي أيضاً. وأتمنى أخيراً أن أكون قد حققت التطبيق العملي، الذي يتفق مع التنظير الذي ذكره أبو العباس عن مسرح الطفل ([50]).
المصادر والمراجع
1 - د.أسامة سعد أبو سريع – الصداقة من منظور علم النفس – سلسلة عالم المعرفة – عدد 179 – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – نوفمبر 1993.
2 - جلين ويلسون – سيكولوجية فنون الأداء – ترجمة: د.شاكر عبد الحميد – سلسلة عالم المعرفة – عدد 258 - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – يونيو 2000.
3 - د.رزق حسن عبد النبي – المسرح التعليمي للأطفال: مسرحة المناهج – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1993.
4 - د.سعيد إسماعيل علي – فلسفات تربوية معاصرة – سلسلة عالم المعرفة – عدد 198 - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – يونيو 1995.
5 - شوقي خميس – مسرح الطفل: آراء وتجارب – وزارة الثقافة – البيت الفني للمسرح – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1995.
6 - عبد التواب يوسف – الهرّاوي رائد مسرح الطفل العربي – دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني ببيروت – ط1 – 1987.
7 - عبد العزيز محمد السريع وآخر – المسرح المدرسي في دول الخليج العربية: الواقع وسُبل التطوير – مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض – 1993.
8 - د.محمد مبارك الصوري – مسرح الطفل وأثره في تكوين القيم والاتجاهات – حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت – الحولية الثامنة عشرة 1998.
9 - محمود أبو العباس – أكثر من ورشة لمسرح الطفل – دراسة منشورة في كتاب (مسرح الإمارات وطريق المستقبل) تحرير د.يوسف عايدابي – إصدارات دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – 2002.
10 - محمود أبو العباس – مسرحية (الساحل وجني المصباح) – فرقة دبا الفجيرة – دولة الإمارات العربية المتحدة – 2001.
11 - محمود أبو العباس – مسرحية (النخلة والثعلب) – فرقة مسرح العين - دولة الإمارات العربية المتحدة – 2004.
12 - محمود أبو العباس – مسرحية (نور والبئر المسحور) – سلسلة مسرحيات – عدد4 – سلسلة تصدرها جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح – إصدار مسرح دبا الفجيرة – دولة الإمارات العربية المتحدة – 2000.
13 - د.نديم معلا محمد – مقالات نقدية في العرض المسرحي – دار الفكر الجديد – بيروت – ط1 – 1990.
14 - الدوريات
أ - جريدة البيان – الإمارات - 19/12/2002.
ب - مجلة شرطة الفجيرة - الإمارات - 21/9/2004.
ج - جريدة الوسط – البحرين – 19/10/2004.


هوامش البحث
ـــــــــ


([1]) - شوقي خميس – مسرح الطفل: آراء وتجارب – وزارة الثقافة – البيت الفني للمسرح – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1995- ص(3-4).
([2]) - محمود أبو العباس، ممثل ومخرج وكاتب مسرحي من العراق، ولد بالبصرة عام 1956، وبدأ العمل في المسرح عام 1971. حصل على الماجستير في الفنون المسرحية من جامعة بغداد في تخصص الإخراج المسرحي، وعمل محاضراً في معهد الفنون الجميلة ببغداد، ومدرساً في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد. وهو عضو هيئة التحرير في مجلة (كواليس) الإماراتية حالياً، وله فيها عدة دراسات ومقالات. وقد شارك في تمثيل تسعة أفلام عراقية، وله مجموعة مسلسلات وسهرات درامية. كما عمل ممثلاً في المسرح العراقي، ومثل في مجموعة مسرحيات، منها: (أوديب، قارب في غابة، مقامات أبو الورد، المالك والمملوك، الباب، العودة، الرهن دزدمونة، يا طيور، الجنة تفتح أبوابها، العاصفة، سيدتي الجميلة). كما أخرج للمسرح، مجموعة كبيرة من المسرحيات، منها: (سولار، انتبهوا أيها السادة، التعري، الهجين، خمسة أصوات، حكاية وسلاطين، شراع السموم، الرحلة، العارضة، يا ليل ما أطولك، الحفار، سواحل، الدهليز). وأخرج لمسرح الطفل مسرحيات: (الأمير الصغير، بنت الحطاب، الديك الفصيح، نور والبئر المسحور، النخلة والثعلب). كما ألف مجموعة من المسرحيات للكبار، منها: (حكاية وسلاطين، عارضة، شاهدة على قبر مفتوح، الرحلة، الرجل الفنار، ميراث القطط، سواحل، الدهليز، لمن نتكلم). وألف للأطفال مجموعة من المسرحيات، هي: (نور والبئر المسحور، الساحل وجني المصباح، النخلة والثعلب). وله بحوث ودراسات عديدة في المسرح، من أهمها: (كاليجولا في المسرح الفقير، ماكس راينهارت وتجاربه). كما شارك في المهرجانات الدولية والعربية للمسرح والسينما، ومن هذه المهرجانات: (بغداد المسرحي، قرطاج الدولي بتونس، السينما العربية بباريس، القاهرة السينمائي الدولي، المسرح العربي المتنقل والرباط بالمغرب، الفن العربي بالجزائر، أيام عمان والمسرح الأردني بعمان، البحر المتوسط بإيطاليا، الجامعي الدولي المنستير بتونس، الجنادرية بالسعودية، الإبداع النسوي بالسودان، وأيام الشارقة المسرحية بالإمارات، ومهرجان فيلادلفيا للمسرح الجامعي). وقد فاز محمود أبو العباس بعدة جوائز، منها: (أحسن ممثل في العراق أعوام 1982، 1985، 1986، 1990، 1996، وأفضل فنان عربي متميز بالشارقة عام 2001، وأفضل تقنيات مسرحية بمهرجان قرطاج الدولي عام 2001، وأفضل مخرج عراقي عام 1998، وجائزة الجهد المسرحي المتميز بدولة الإمارات عام 2005). كما عمل رئيساً لنادي السينما العراقي، وأمين سر ورئيس الشعبة المسرحية بنقابة الفنانين العراقيين، ومديراً فنياً لمسرح دبا الفجيرة بالإمارات.
([3]) - راجع: شوقي خميس – مسرح الطفل: آراء وتجارب – السابق – ص(31-38).
([4]) - محمود أبو العباس – أكثر من ورشة لمسرح الطفل – دراسة منشورة في كتاب (مسرح الإمارات وطريق المستقبل) تحرير د.يوسف عايدابي – إصدارات دائرة الثقافة والإعلام – الشارقة – 2002 – ص(62).
([5]) - عندما مُثلت مسرحية (نور والبئر المسحور) في المهرجان الأردني السابع لمسرح الطفل العربي عام 2004، فازت بعدة جوائز، منها: جائزة لجنة التحكيم كأفضل عرض مسرحي متكامل، وجائزة أفضل إخراج لمخرجها علي الجراح، وجائزة أفضل ممثل دور أول ليوسف كيوان، وجائزة أفضل ممثل دور أول عن فئة الأطفال لمحمد العضايلة، وأفضل ممثلة دور أول عن فئة الأطفال لمينا العوالي، وجائزة أفضل ممثلة للدور الثاني عن فئة الأطفال لمنار العوالي ورانيا الشلبي. وللمزيد انظر: جريدة (الوسط) – البحرين – 19/10/2004.
([6]) - د.محمد مبارك الصوري – مسرح الطفل وأثره في تكوين القيم والاتجاهات – حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت – الحولية الثامنة عشرة 1998 – ص(39).
([7]) محمود أبو العباس – مسرحية (نور والبئر المسحور) – سلسلة مسرحيات – عدد4 – سلسلة تصدرها جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح – إصدار مسرح دبا الفجيرة – دولة الإمارات العربية المتحدة – 2000 – ص(1، 18، 32).
([8]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (1).
([9]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (1).
([10]) - راجع: جلين ويلسون – سيكولوجية فنون الأداء – ترجمة: د.شاكر عبد الحميد – سلسلة عالم المعرفة – عدد 258 - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – يونيو 2000 – ص(230).
([11]) مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (46).
([12]) - شوقي خميس – مسرح الطفل: آراء وتجارب – السابق – ص(9 - 10).
([13]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (5).
([14]) - د.نديم معلا محمد – مقالات نقدية في العرض المسرحي – دار الفكر الجديد – بيروت – ط1 – 1990 – ص(244-245).
([15]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (11).
([16]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (9 - 13).
([17]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (22 - 23).
([18]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (17).
([19]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص (69).
([20]) - عبد التواب يوسف – الهرّاوي رائد مسرح الطفل العربي – دار الكتاب المصري بالقاهرة، دار الكتاب اللبناني ببيروت – ط1 – 1987 – ص(15).
([21]) - د.سعيد إسماعيل علي – فلسفات تربوية معاصرة – سلسلة عالم المعرفة – عدد 198 - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – يونيو 1995 – ص(18).
([22]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – كلمة المؤلف المنشورة على الغلاف الأخير.
([23]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص(2).
([24]) - انظر على سبيل المثال في مسرحية (نور والبئر المسحور): الحوار بين التاجر والمهرج حول الهدف المعرفي (من يزرع الباطل يحصد الباطل) ص11-12، والحوار بين الغراب والحمار حول هدف (الماء عصب الحياة) ص36، والحوار بين كامل ونور حول هدف (العمل أفضل من الكلام) ص42-44، والحوار بين الحمار والساعة حول هدف (علاقة الزمن بالليل والنهار) ص54.
([25]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص(15-16).
([26]) انظر: مسرحية (نور والبئر المسحور) – صفحات (33، 41، 44، 49).
([27]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص(36).
([28]) - مسرحية (نور والبئر المسحور) – ص(67-68).
([29]) - عبد العزيز محمد السريع وآخر – المسرح المدرسي في دول الخليج العربية: الواقع وسُبل التطوير – مكتب التربية العربي لدول الخليج – الرياض – 1993 – ص(62).
([30]) - مسرحية (الساحل وجني المصباح)، مثلتها فرقة دبا الفجيرة عام 2001، وشاركت بها في الدورة العربية الأولى للمهرجان الأردني الخامس لمسرح الطفل العربي، وفازت بجائزة أفضل عمل مسرحي متكامل. كما شاركت بها أيضاً عام 2002، في مهرجان (نيا بوليس) الدولي لمسرح الطفل بتونس. وكانت من إخراج خليفة التخلوفة، ومن تمثيل: عبد الله مسعود، محمد عبيد جميع، خالد عبد الله عبد الرحمن، أيمن الخديم، أيمن الهنداسي. وللمزيد، انظر: جريدة (البيان) الإماراتية بتاريخ 19/12/2002.
([31]) محمود أبو العباس – مسرحية (الساحل وجني المصباح) – فرقة دبا الفجيرة – دولة الإمارات العربية – 2001 – ص(2).
([32]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(16-17).
([33]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(37).
([34]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(13).
([35]) انظر: مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(17، 29، 33).
([36]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(7).
([37]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(2-3).
([38]) مسرحية (الساحل وجني المصباح) – ص(5-6).
([39]) - عبد العزيز محمد السريع – المسرح المدرسي في دول الخليج العربية - السابق – ص(57).
([40]) - د.محمد مبارك الصوري – مسرح الطفل وأثره في تكوين القيم والاتجاهات – السابق – ص(14).
([41]) - نشرت مجلة (شرطة الفجيرة) في دولة الإمارات بتاريخ 21/9/2004، إن مسرحية (النخلة والثعلب) مُثلت لأول مرة في الأسبوع الثقافي الثاني، الذي نظمه المركز الثقافي الاجتماعي بمدينة الضباط بالفجيرة في أكتوبر 2004. وذكر لي المؤلف محمود أبو العباس، إن هذه المسرحية قدمتها فرقة مسرح العين لطلاب مدارس مدينة العين بدولة الإمارات، في الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي 2004/2005. وفي خطة الفرقة مستقبلاً، تمثيلها للأطفال في الأماكن النفطية النائية بأبو ظبي.
([42]) محمود أبو العباس – مسرحية (النخلة والثعلب) – فرقة مسرح العين – 2004 – ص(4).
([43]) مسرحية (النخلة والثعلب) – ص(4).
([44]) انظر: مسرحية (النخلة والثعلب) – ص(8، 11-12).
([45]) - انظر: مسرحية (النخلة والثعلب) – ص(4-5، 20-21).
([46]) - انظر: مسرحية (النخلة والثعلب) – ص(13، 35).
([47]) - انظر: مسرحية (النخلة والثعلب) – ص(6، 15، 31، 34، 35، 38، 42، 43).
([48]) - د.رزق حسن عبد النبي – المسرح التعليمي للأطفال: مسرحة المناهج – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1993 – ص(5).
([49]) - راجع: د.أسامة سعد أبو سريع – الصداقة من منظور علم النفس – سلسلة عالم المعرفة – عدد 179 – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – نوفمبر 1993 – ص(128-130).
([50]) انظر: هامش رقم (4) من هذا البحث. أو محمود أبو العباس – أكثر من ورشة لمسرح الطفل – السابق – ص(62).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق