إيجابيات الفصحى في قناة الجزيرة
برنامج " الاتجاه المعاكس " نموذجاً
الأستاذ الدكتور
سيد علي إسماعيل
ــــــــــــــــــــ
مقدمة
مما لا شك فيه أن قناة الجزيرة الفضائية - منذ بثها وحتى الآن - تُعد القناة الإخبارية الأولى في العالم العربي، بل وتُعد من القنوات الإخبارية الأولى في العالم بأسره. وهذه المكانة لم تتبوَّءها القناة من فراغ، بل إن حرصها على النطق الفصيح للغة العربية كان من أهم أسباب شهرتها وانتشارها، ناهيك عن صدق أخبارها، ومهنيتها الفائقة في تناول موضوعاتها. ومما يُحسب لهذه القناة، أنها أصبحت نموذجاً تحتذيه بعض الدول بتأسيس قنوات مشابهة، كما قامت بعض القنوات الفضائية بتقليد بعض برامجها.
واللافت للنظر أن تأثير قناة الجزيرة كبير جداً في ثقافة المواطن العربي السياسية، وأعتقد أن نسبة كبيرة من ثقافة الشعوب العربية تمّ اكتسابها من برامج هذه القناة، وأن الوعي السياسي أصبح متاحاً ومفهوماً ومُمارساً عند العامي العربي قبل المثقف. وكفى بنا أن نسمع بعض عامة الشعوب العربية تتحدث بشغف أو بابتهاج أو بتعجب متسائلة فيما بينها: أسمعت خبر الجزيرة الأخير؟ أرأيت برنامج كذا في الجزيرة؟ هل سمعت رأي فلان في برنامج كذا بالجزيرة؟ ألم تتابع شهادة فلان؟ ... إلخ، وكأن الجزيرة وأخبارها وموادها وبرامجها أصبحت الشغل الشاغل للإنسان البسيط في العالم العربي؛ ومرجع ذلك - من وجهة نظري - أنها استطاعت أن تجيب عن أسئلته الحائرة، وأفصحت عما يخفيه الإعلام الآخر، وتحدثت بالمسكوت عنه في القنوات الأخرى.
هذه الإيجابيات المتنوعة لقناة الجزيرة بالنسبة لعامة الناس، ألا تُعد دليلاً على قيمة اللغة العربية الفصحى وأهميتها بالنسبة للشعوب؟! ألم تبث القناة جميع أخبارها وموادها وبرامجها بالفصحى؟! أليست هذه الفصحى مفهومة ومؤثرة في عامة الشعب العربي؟ ألا يُعد هذا الأمر دليلاً على أن أفضل لغة إعلامية عربية - رغم اختلاف لهجات الشعوب العربية - هي العربية الفصحى؟!
أولاً : الإطار العام
الموضوع
يتناول هذا البحث الأثر القوي للعربية الفصحى في وسائل الإعلام، لا سيما قناة الجزيرة الفضائية، متخذاً من برنامج (الاتجاه المعاكس) نموذجاً. حيث لوحظ أن هذا البرنامج - في بعض حلقاته - يستضيف ندين يتحاوران حول موضوع معين بين مؤيد ومعارض. وهذه الندية تظهر في حوارهما وألفاظهما، وفي بعض الأحيان في حدتهما! وفي بعض الحلقات يكون أحد المتحاورين متحدثاً بالفصحى، بينما يتحدث الآخر بالعامية.
والبحث سيتتبع الفروق الجوهرية بين المتحاورين في حوارهما (الفصيح والعامي)، راصداً حُجج وأساليب ومبررات المتحدث بالفصحى، وكذلك الأمر بالنسبة للمتحدث بالعامية. وسينتهي البحث إلى نتائج ربما تبين (قوة أو ضعف) استخدام الفصحى في شرح الفكرة، وتوضيحها، والبرهنة عليها، والدفاع عنها .. إلخ، والأمر نفسه سيتطرق إليه البحث بالنسبة إلى استخدام العامية في الحوار. وسيتناول البحث عينة من حلقات هذا البرنامج، بحيث تشمل أغلب الموضوعات المتناولة، من: اجتماعية، وثقافية، وسياسية، وقومية، وتاريخية .. إلخ.
أهمية الدراسة وأسباب اختيار الموضوع
تتمثل أهمية هذه الدراسة في كشفها النقاب عن المخزون الثقافي للمتناظرَين، واستخدامهما لهذا المخزون في الاستشهاد على وجهة نظرهما حيال الموضوع المطروح، ومهارتهما في إقامة الحُجّة بالبراهين والأدلة المتنوعة على صواب رأيهما. ومن خلال صراع المناظرة العلنية، تظهر - بقصد أو بدون قصد - صفات كل منهما. ومن خلال ذلك تُكوّن الدراسة رؤية لظاهرة استخدام العامية في المناظرة الشفاهية العلنية، وهي ظاهرة يكتنفها الغموض والحيرة جرّاء استخدام العامية من فئة، تُعدّ الأرقى في المجتمع علمياً وثقافياً، فيبرز السؤال: ما المبرر الذي يجعل أستاذاً جامعياً - أو مؤرخاً أو كاتباً أو نائباً في البرلمان - يستخدم العامية في مناظرة شفاهية، لا سيما وأن مناظرَه يتحدث الفصحى؟
المادة عينة الدراسة ومعايير الاختيار
بثت قناة الجزيرة طوال أكثر من عشر سنوات ما يزيد على خمسمائة حلقة من حلقات برنامجها (الاتجاه المعاكس). والأغلب الأعم من مادة هذه الحلقات متوفر في موقع القناة الإلكتروني، عدا حلقات عام 1997م، وبعض حلقات عام 1998م، وتحديداً منذ أواخر يونية إلى أواخر أكتوبر 1998م. وعدم توافر مادة هذه الحلقات، لا يُمثل إشكالية كبيرة في مادة الدراسة، حيث إن الدراسة ستقوم على تحليل حلقات البرنامج منذ عام 1998 إلى 2002م، أي خمس سنوات متواصلة، تُمثل تقريباً 50% من حلقات البرنامج طوال تاريخه، والذي وصل عددها إلى 217 حلقة.
وحيث إن الدراسة ستقوم بتتبع الحلقات المشتملة على مناظرَين: أحدهما يتحدث بالفصحى، والآخر بالعامية، فقد تمّ تصفية عدد الحلقات الـ(217) وفق هذا المعيار، ووجدنا أن عدد الحلقات المحققة له (21) حلقة، أي بواقع 10% تقريباً من مجموع الحلقات في فترة الخمس سنوات؛ وبقية الحلقات كانت بين مناظرَين يتحدثان بالفصحى أو بالعامية، وهو تصنيف خارج نطاق الدراسة.
الحلقات الإحدى والعشرون، تمّ تصنيفها موضوعياً، فوجدنا أن الحلقات السياسية وصل عددها إلى سبع حلقات، والقومية إلى خمس حلقات، وحلقتين لكل من: الاجتماعية، والثقافية، والتاريخية، وحلقة واحدة لكل من: القانونية، والدينية، والاقتصادية. وهذا الاختلاف بين عدد الحلقات وموضوعاتها، سيؤثر في نتائج الدراسة سلباً، لذلك تمّ تحديد العينة بحلقتين لكل موضوع، بحيث تكون الحلقة الأولى متقدمة زمنياً، والأخرى متأخرة في الزمن داخل نطاق فترة الدراسة المحددة. وبالتالي تمّ حذف الموضوعات التي اشتملت على حلقة واحدة، وهي: القانونية، والدينية، والاقتصادية، وتمّ اختيار حلقتين فقط من الموضوعات المشتملة على عدد كبير - مثل السياسية والقومية - وهذا الاختيار جاء وفق ثلاثة معايير: الأول: التماثل في الموضوع، والثاني: أهميته بالنسبة للشعوب العربية، والثالث: ديمومته أو استمراريته حتى الآن.
فعلى سبيل المثال، تم اختيار حلقتين من الموضوعات السياسية هما: (حزب الله .. فدائيون أم عملاء؟) أُذيعت يوم 9/2/1999، و(حركات المقاومة الإسلامية) أُذيعت يوم 14/8/2000. وهما حلقتان تحققان معايير الاختيار الثلاثة السابقة، حيث إنهما متماثلتان في الموضوع، وتقعان ضمن اهتمام الشعوب العربية، ومازال الحديث عنهما يلقى استجابة جماهيرية حتى الآن. وفي المقابل نحّت الدراسة جانباً حلقات سياسية لا تحقق هذه المعايير، مثل حلقة (هل هناك مؤامرة عربية على العراق)، التي أُذيعت يوم 2/2/1999، لأن موضوعها أصبح غير ذي أهمية للشعوب العربية بعد غزو العراق، وكذلك الأمر بالنسبة لحلقة (العرب والاحتفال بالقرن العشرين)، التي أُذيعت يوم 28/12/1999.
كما تمّ اختيار حلقتين من الموضوعات القومية، هما: (الصراع العربي الصهيوني) أُذيعت يوم 6/4/1999، و(التطبيع مع إسرائيل) أُذيعت يوم 18/1/2000، لاشتراكهما في معايير الاختيار، وتمّ تنحية حلقات مشابهة، هي: (جماعة كوبنهاجن)، و(المقاطعة العربية لإسرائيل)، و(التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الشامل).
وبناء على ما سبق - ووفق معايير الدراسة المحددة - تمثلت عينة البحث في الحلقات العشر التالية:
الموضوع | عنوان الحلقة | تاريخ إذاعتها | المتحدث بالفصحى | المتحدث بالعامية |
اجتماعي | قضية المرأة في الوطن العربي | 5/5/1998 | الشيخ يوسف البدري | د.نوال السعداوي |
الشارع العربي | 16/4/2002 | ياسر الزعاترة | مجدي خليل | |
ثقافي | الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية على مصر | 26/5/1998 | د.عبد المنعم تليمة | د.ليلى عنان |
اللغة العربية | 28/8/2000 | نصر الدين البحرة | د.رفيق روحانة | |
سياسي | حزب الله: فدائيون أم عملاء؟ | 9/2/1999 | زاهر الخطيب | فاطمة سيد أحمد |
حركات المقاومة الإسلامية | 14/8/2000 | أسامة حمدان | جبران تويني | |
قومي | الصراع العربي الصهيوني | 6/4/1999 | زياد أبو غنيمة | علي سالم |
التطبيع مع إسرائيل | 18/1/2000 | د.علي عقله عرسان | علي سالم | |
تاريخي | الخلافة العثمانية: نعمة أم نقمة؟ | 29/6/1999 | د.أحمد أفكندوز | ناصر الدين النشاشيبي |
تقييم ثورة يوليو | 16/7/2000 | أحمد الجمال | د.محمود جامع |
المنهج والأدوات
سيتخذ البحث المنهج الوصفي منهجاً علمياً بغية تحقيق أهدافه المتوخاة، وذلك بدراسة الحقائق وجمع البيانات حول ظاهرة المناظرة الشفاهية بين الفصيح والعامي - في نطاق عينة الدراسة المحددة - ومن ثم تحليلها، وتفسيرها، لاستخلاص دلالاتها، وإصدار تعميمات بشأنها، تظهر في شكل نتائج للدراسة، لا سيما أن البحث يُعد بحثاً ميدانياً في تناوله.
أهداف الدراسة
إذا كان لكل عمل علمي أهداف يطمح إلى التحقق منها، فقد اختار الباحث هذا الموضوع على وجه الخصوص، وحدد العينة وفق معايير ثابتة، وعُني بالمنهج سالف الذكر، بُغية الوصول إلى:
أ - تتبع الاستشهادات النابعة من المخزون الثقافي للمناظرَين.
ب - تبين منطق إقامة الحُجة للمناظرَين.
ج - استكشاف صفات المناظرَين.
ثانياً : الدراسة
الموضوعات المطروحة
ستتناول الدراسة حلقتين من الموضوعات الاجتماعية: الأولى: بعنوان (قضية المرأة في الوطن العربي) ([1]). وهذه الحلقة تدور مناظرتها حول المرأة العربية، التي تطالب بأبسط حقوقها، حيث إنها مكبَّلة بإرث ثقيل من القيود، وبالتالي ظهرت عدة أسئلة، جاءت في مقدمة الحلقة، منها: هل القضية صراع بين الرجل والمرأة؟ هل يلعب الدين دوراً في اضطهاد المرأة؟ ولماذا فشلت حركات تحرير المرأة في الوطن العربي؟ ولماذا أصبح الدفاع عن المرأة في بعض الأحيان أشبه بعملية كفاح ضد الاستعمار والاستعباد؟ وهل فكرة تحرير المرأة فكرة مشبوهة، وجزء من الغزو الثقافي الغربي؟ ولماذا تموِّل الدول الغربية بعض المؤتمرات النسائية في الدول العربية؟ وهل وضع المرأة الغربية أفضل بكثير من وضع المرأة العربية؟ ألم تتراجع الحركات النسائية الغربية عن الكثير من مفاهيمها، التي طرحتها لتحرير المرأة؟ هذه الأسئلة تمّ طرحها على المناظرين: الشيخ يوسف البدري - المتحدث بالفصحى - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وأستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة دار العلوم في باكستان. والدكتورة نوال السعداوي - المتحدثة بالعامية - الكاتبة والروائية والطبيبة المصرية رئيسة جمعية تضامن المرأة العربية.
والحلقة الاجتماعية الأخرى بعنوان (الشارع العربي) ([2])، وتدور حول مظاهرات الشارع العربي لمساندة القضية الفلسطينية، حيث أثبت الشارع العربي أنه قنبلة موقوتة وليس وهماً أو أكذوبة. كما أبانت مقدمة الحلقة بأن الصمود الفلسطيني أحدث فرزاً واضحاً بين الأنظمة والشعوب، فمعسكر الأنظمة يمثل التخاذل والفساد والديكتاتورية والتواطؤ مع العدوان، ومعسكر الشعوب يمثل الصحوة والطموح من أجل الكرامة والديمقراطية والحريات والسيادة الحقيقية. وهذا الجانب تبناه في المناظرة (ياسر الزعاترة) الكاتب والمحلل السياسي المتحدث بالفصحى. وفي مقابل هذا الجانب هناك من لا يرى في الشارع العربي سوى ظاهرة صوتية بائسة، فهو شارع مناسبات، ففي أوقات المحن والنكبات نجده يطلق الشعارات والهتافات وينظم الكرنفالات، ثم يصمت فجأة، إنه شارع جبان ورعديد، ويتساءل المشككون: لماذا يصمد الفلسطيني مجرداً من أي خوف في وجه الدبابات والطائرات والصواريخ الصهيونية بينما يفر الطلبة العرب وهم في عنفوان شبابهم أمام هراوة شرطي عربي واحد؟ وهذا التوجه الفكري تبناه المتحدث بالعامية (مجدي خليل) الكاتب والباحث.
كما سيتناول البحث حلقتين أيضاً من الموضوعات الثقافية: الأولى: بعنوان (الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية على مصر) ([3])، وتدور حول احتفالات مصر بالذكرى المئوية الثانية للحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون! ومن الأسئلة المُثارة في مقدمة الحلقة: هل يصح أن تحتفل مصر بذكرى استعمارها وقتل أكثر من ثلاثمائة ألف من أبنائها على يد نابليون؟ ولكن البعض يعتقد أن الحملة كانت بعثاً حضارياً رائعاً أخرجت مصر من عصر الجهل والتخلف والظلام إلى النور والتطور! ولهذا لا مانع من الاحتفال والاعتراف بفضل الفرنسيين على مصر في هذا الجانب. فنابليون برأيهم لم يأتِ إلى مصر بالمدافع والبارود فقط بل جاءهم بالمطبعة والعلماء والعلوم والفكر. وفي المقابل هناك من يدحض كل هذا الكلام فالمطبعة التي جاء بها نابليون كانت لخدمة جيشه المستعمر وترويج أكاذيبه ناهيك عن أن الفرنسيين أخذوا المطبعة معهم عندما رحلوا، أما كتاب وصف مصر فكان لتمكين المستعمر من معرفة البلاد وتشديد قبضته عليها وحجر رشيد اكتُشف صدفةً. وهذا الموضوع تناظر فيه الدكتور عبد المنعم تليمة - المتحدث بالفصحى - أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة، والدكتورة ليلى عنان - المتحدثة بالعامية - أستاذة الحضارة الفرنسية في جامعة القاهرة.
والحلقة الثقافية الأخرى كانت بعنوان (اللغة العربية) ([4])، ويدور موضوعها - كما جاء في مقدمة الحلقة - حول إلحاق الهزيمة الثقافية بالعرب، وتحديداً الهزيمة اللغوية! حيث إن اللغة العربية تحتضر بين أيدينا، ونحن نمعن في تمزيقها والتنكيل بها. فهناك تقرير عالمي يُشير إلى أن مئات اللغات ستنقرض هذا القرن، فهل تكون اللغة العربية من بين تلك اللغات التي ستوارى الثرى؟ هل مازالت اللغة العربية لغة حية أصلاً، أم أنها في طريقها إلى الاندثار، إن لم تكن قد ماتت؟ هل تصبح لغتنا كاللغة اللاتينية لغة طقوس دينية وعبادة فقط؟ لماذا أحيا اليهود لغتهم العبرية وجعلوها لغة علم ومعرفة، بينما نبصق نحن العرب في وجه لغتنا العربية، ونركلها يميناً وشمالاً، وندفع بها إلى القبر؟ لماذا لم تعد اللغة العربية اللغة الرسمية في بعض الدول العربية؟ ألا يتراجع استخدام العربية الفصحى بشكل فاضح وخاصة في وسائل الإعلام العربية وحتى المعاملات الرسمية؟ فكيف تعيش اللغة في هذه الحالة؟ ألم تظهر جمعيات لحماية اللغة العربية على غرار الجمعيات المدافعة عن الحيوانات المهددة بالانقراض؟ لماذا أصبحت اللهجات العامية منتشرة على نطاق هائل؟ لماذا يمعن البعض في الدفاع عن هذه اللهجات ويكرسها؟ أليس التمسك باللهجات المحلية محاولة مفضوحة لدق الإسفين الأخير في نعش العروبة والقومية العربية؟ لماذا يحاولون تمزيقنا لغوياً بعد أن نجحوا في تشتيتنا سياسياً؟ أم أن هناك الكثير من المبالغة في الخوف على مستقبل اللغة العربية؟ أليست العربية لغة صامدة منذ أربعة عشر قرناً بفضل توثيقها بالقرآن الكريم؟ هذه الأسئلة تمّ طرحها على المناظرين: الأديب السوري الدكتور نصر الدين البحرة متحدثاً بالفصحى، والكاتب والشاعر اللبناني الدكتور رفيق روحانة متحدثاً بالعامية.
وبالنسبة للموضوعات السياسية، سيتناول البحث حلقتين: الأولى بعنوان (حزب الله .. فدائيون أم عملاء؟) ([5])، وموضوعها - كما جاء في مقدمة الحلقة - يتناول عدة استفسارات، منها: لماذا يساند البعض جماعة متطرفة على أنها مقاومة؟ لماذا يقتنع البعض بأن عدداً من الصواريخ والعمليات التي تفجر من جنوب لبنان وتؤثر في شمال إسرائيل هي شيء مطلوب؟ ولماذا تزعم جماعة متطرفة أنها تنوب عن ملايين العرب والمسلمين في محاربة إسرائيل في حين أنها تفعل ذلك كجزء من تحرك سري وعلني لإيران في المنطقة؟ إلى أي مدى يمكن أن يساند الشارع العربي حين يداعب هؤلاء أحلامه، ثم لا يحققون إلا الدمار ويعرقلون السلام؟ هل يدرك حزب الله أن إيران يمكن أن تبيعه في لحظة مقابل صفقة مع الولايات المتحدة؟ وهل لهذا السبب يحاول الحزب أن يخلق له دوراً سياسياً على الساحة اللبنانية؟! ألا تدعم إيران حزب الله كي تحافظ على وجود مؤثر يحفظ مركزها في المنطقة، ويزيد من رصيدها على المستوى الدولي؟! هل حصدت إيران ثمار حزب الله الذي زرعته في جنوب لبنان؟! وفي المقابل: هل أصبحت المقاومة إرهاباً؟! والبطولة تطرفاً! والشهادة دماراً؟! ألا يجب أن نشكر إيران جزيل الشكر على وقوفها إلى جانب المقاومة العربية في وجه إسرائيل، بدلاً من تلويث سمعتها بالأكاذيب والأباطيل؟ هل ينتقص دعم إيران لحزب الله من قيمة الحركة؟! ألم تثبت حركات المقاومة الإسلامية التي تدعمها إيران بأنها الأقوى والأكثر قدرة حتى الآن على النيل من هيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؟ ما الذي جعل إسرائيل تستجدي الانسحاب من جنوب لبنان غير بطولات حزب الله الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه كواحد من أنبل حركات المقاومة في التاريخ العربي الحديث؟ أليس حزب الله مصدر فخر واعتزاز للعرب والمسلمين أجمعين، وهو جدير بالإجلال والإكبار، بدلاً من التجريح والتشويه؟ هذه الأسئلة أجاب عنها المناظران: زاهر الخطيب - المتحدث بالفصحى - عضو مجلس النواب اللبناني، والدكتورة فاطمة سيد أحمد - المتحدثة بالعامية - الكاتبة الصحفية.
والحلقة السياسية الأخرى بعنوان (حركات المقاومة الإسلامية) ([6])، وتدور - كما ذُكر في مقدمتها - حول حركات المقاومة الإسلامية من خلال عملياتها الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني، فها هي حماس والجهاد الإسلامي تدكان العمق الصهيوني، وها هو حزب الله يستنفر قواه ويدعو العرب والمسلمين إلى تبني ثقافة المقاومة والجهاد. ألسنا بحاجة إلى عشرات جماعات المقاومة الإسلامية في زمن الذل والخذلان. ألم تثبت الحركات الإسلامية أنها ذخر استراتيجي عظيم، وأنها الأمل الباقي لهذه الأمة لاستعادة أراضيها المحتلة وكرامتها السليبة؟ أليس الفدائيون الأبطال هم الإضاءة الوحيدة في سمائنا المعتمة؟ وإذا كان لنا أن نرفع رؤوسنا ونستشعر بعضاً من الكبرياء فلأنه لا يزال بيننا أمثال تلك الحركات البطولية. لماذا يحاول البعض اتهام حركات المقاومة بأنها تمارس نوعاً من الجنون القاتل، وبأنها تخدم الأهداف الإسرائيلية والأميركية في الوطن العربي؟ ألم يعترف قادة العدو الصهيوني بأن حركات المقاومة الإسلامية تشكل الخطر الأكبر على وجود إسرائيل؟ من الذي يرعب أميركا وربيبتها الصهيونية في المنطقة غير الحركات الإسلامية؟ ألا تستحق هذه الحركات منا الإجلال والتقدير؟ لكن في المقابل هناك من يرى أن هذه الحركات تدفع المنطقة من خلال ما يصفونه بالجنون الأصولي إلى أتون حرب قد تحرق الأخضر واليابس، ويرى أصحاب هذا الرأي أن تلك الحركات تخدم مباشرة السياسة الشارونية وتقويها، لا بل إن مصالح تلك الحركات تتقاطع مع المصالح الإسرائيلية، فهذه التيارات تعيش بالتطرف الإسرائيلي والعكس صحيح، ويجادل مروجو هذه الطروحات أن إسرائيل تستعمل حركة حماس مثلاً ليستمر الوضع متأزماً في الضفة الغربية، مما يجعلها تستمر بدورها في ضرب مناطق الحكم الذاتي وتدمير كل البنى التحتية للدول الفلسطينية. ويتساءلون: ماذا حققت عمليات الجماعات الإسلامية غير الدمار في أكثر من مكان بدءاً من فلسطين وانتهاءً بالشيشان؟ ماذا جلبت عملية القدس الأخيرة للفلسطينيين مثلاً؟ ألم يتخذها الصهاينة ذريعة لإعادة احتلال أراض فلسطينية مثل بيت الشرق، وإحكام قبضتهم على القدس وإلى الأبد كما توعدوا؟ هذا الموضوع تناظر فيه: أسامة حمدان - المتحدث بالفصحى - ممثل حركة المقاومة الإسلامية حماس في لبنان، وجبران تويني - المتحدث بالعامية - مدير عام صحيفة النهار اللبنانية.
والموضوعات القومية المتناولة في هذه الدراسة، تتمثل في حلقتين: الأولى بعنوان (الصراع العربي الصهيوني) ([7])، وتدور - كما أفصحت مقدمة الحلقة - حول بعض العرب ممن رموا أسلحتهم عند أول بارقة سلام مع إسرائيل! وهل السلام هو الحل الأمثل لإنهاء الصراع مع الصهاينة؟ ألم تُثبت التجارب أن السلام مع إسرائيل ليس أكثر من وهم، وأن الصراع مع الصهاينة صراع وجود لا صراع حدود؟! هل المعاهدات العربية الموقَّعة مع إسرائيل حتى الآن هي معاهدات سلام فعلاً؟ أم مجرد اتفاقيات هدنة؟ أليس السلام مع إسرائيل مستحيلاً لأسباب عقديّة ودينية تتعلق بالفكر الصهيوني والعقيدة اليهودية ذاتها؟ هل مازال هناك فرق بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية؟ أم أن التداخل أصبح جذرياً بين الاثنتين؟ هل يمكن أن يلتقي الصهاينة اليهود مع العرب المسلمين، أم أن الصراع بينهم صراع حضاري؟ لماذا قفزت بعض البلدان العربية فوق الصورة التي رسمها القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى لليهود على أنهم شعب لا يُؤمَنُ جانبهم؟ لماذا تجاهلت بعض الأنظمة ومَازالت تتجاهل الحقائق القرآنية التي تحكم العلاقة بين اليهود والمسلمين؟ لماذا يتجاهل العرب الجانب التاريخي للعلاقة مع اليهود؟ هل يمكن الوثوق باليهود والتعايش معهم؟ أليس معروفاً عنهم دائماً نقض العهود والمواثيق؟ هل يُصلح السلام ما أفسده التاريخ؟ ثم على الصعيد السياسي، هل السلام خيار استراتيجي بالنسبة لإسرائيل أم أنه مجرد تكتيك مرحلي على طريق تحقيق الحلم الصهيوني؟ لكن البعض يرد على هذا الكلام بأنه فقد صلاحيته ولم يعد مناسباً لهذا العصر لا بل إنه من مخلفات حقبة الستينيات والسبعينيات. فمصطلحات مثل العدو الصهيوني، والكيان الصهيوني، والصهيونية اختفت إلى حدٍ كبير من الخطابين السياسي والإعلامي العربيين بعد أن أصبح السلام خياراً استراتيجياً بالنسبة للعرب. لكن السؤال المطروح: هل تغيَّر اليهود الصهاينة حتى نُغيِّر خطابنا تجاههم؟ هل يفهم هؤلاء لغة السلام، أم أنهم مستعدون لنقض هذا السلام كما حصل مع الفلسطينيين ويحصل الآن مع الأردن الذي يهددونه بالتعطيش، بالرغم من إبرامه معاهدة سلام معهم؟ ألم تثبت تجربة المقاومة الوطنية في جنوب لبنان أن ما أُخِذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة؟ هذه الأسئلة أجاب عنها المناظران: زياد أبو غنيمة - المتحدث بالفصحى - الكاتب والباحث الإسلاميي، وعلي سالم الكاتب المسرحي.
والحلقة الأخرى كانت بعنوان (التطبيع مع إسرائيل) ([8])، وفيها طُرحت عدة أسئلة، منها: أليست معاهدات السلام بين الحكومات شيئًا والسلام والتعايش بين الشعوب هو شيء آخر تماماً؟ هل ملامح التطبيع الرسمي مؤشر على تجذره في الوجدان الشعبي، أم أن من يغوص في أعماق الشارع العربي سيكتشف العكس تماماً؟ أليس ملف التطبيع مع إسرائيل محكوماً عليه بالفشل؟ هل يمثل المنتفعون من رجال أعمال وبعض المثقفين نبض الأمة عندما ينخرطون في لعبة التطبيع مع إسرائيل؟ ألم يتحول المطبعون في العديد من البلدان العربية إلى ثلة من المنبوذين شعبيًّا ونقابيًّا؟ ألم تثبت التجربتان المصرية والأردنية استحالة التطبيع مع عدو الأمة؟ هل ما يلزم السياسيَّ يلزم المثقف أو الجماهير؟ أم أن آليات التطبيع تقع أساسًا في أيدي الشعوب، وهي التي تتحكم فيها سلبًا وإيجابًا؟ أليست حركات السلام العربية بلا شعبية كما اعترف أحد نشطائها؟ لكن في المقابل من قال إن السلام مجرد علاقة عاطفية، أو انفعالية بين أصدقاء وأحباء؟ ألن تكون المصالح المشتركة أقوى من العواطف والمشاعر الجيَّاشة؟ أليست المصالح هي التي تضمن علاقات طبيعية بين الدول؟ أليس التطبيع الحقيقي هو في التجارة والاقتصاد، وفي الأمور التي فيها تبادل حقيقي، وكل ذلك سائر على قدم وساق بين كثير من العرب وإسرائيل؟ لا بل إن التعامل بين إسرائيل وبعض العرب يفوق حجم التعامل بين العرب أنفسهم؟ ألم يتحدث السوريون عن إمكانية تحول الصراع مع إسرائيل إلى تنافس اقتصادي، وثقافي، وحضاري؟ أليست هناك دول عربية تنتظر على أحر من الجمر أي بادرة سلام للارتماء في أحضان إسرائيل إن لم تكن قد ارتمت أصلاً؟ هذه الأسئلة طُرحت على المناظرين: الدكتور على عقله عرسان - المتحدث بالفصحى - الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، وعلي سالم - المتحدث بالعامية - الكاتب المسرحي.
وآخر الموضوعات المطروحة في البحث هي التاريخية، وذلك من خلال حلقتين: الأولى بعنوان (الخلافة العثمانية .. نعمة أم نقمة؟) ([9])، وفي مقدمتها أُثيرت عدة أسئلة، منها: هل كانت الخلافة العثمانية، ومن ثم الثورة العربية الكبرى نعمة أم نقمة على العرب؟ ألم تشهد الخلافة العثمانية ازدهاراً علمياً وثقافياً، أم أنها لم تجلب سوى التخلف والتردي؟ ألم تكن الخلافة سداً منيعاً أمام قيام إسرائيل، أم أنها أسهمت إلى إدخال اليهود إلى فلسطين؟ ولكن هل كانت الثورة العربية الكبرى طعنة في ظهر الخلافة العثمانية الإسلامية؟ هل استطاعت القوى الغربية النجاح في خداع قادة الثورة العربية؟ هل كانت الثورة محقة في تحالفها مع الغرب للقضاء على دولة آل عثمان؟ أم أن تحالفها مع الغرب كان عاملاً مساعداً له في مقاومة الفكرة القومية العربية والوحدة العربية إجمالاً؟ وكيف يرى ورثة الإمبراطورية العثمانية، والثورة العربية الكبرى نتاج عملهم الآن؟ هذه الأسئلة طُرحت على المناظرين: الدكتور أحمد أفكندوز - المتحدث بالفصحى - رئيس الجامعة الإسلامية بهولندا، رئيس وقف البحوث العثمانية في أسطنبول، وناصر الدين النشاشيبي - المتحدث بالعامية - الكاتب والمؤرخ.
والحلقة الأخرى بعنوان (تقييم ثورة يوليو) ([10])، وموضوعها - كما جاء في مقدمتها - أثير في شكل أسئلة، منها: ما هو سر هذا الاهتمام العربي الكبير بثورة يوليو التي قادها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالرغم من مرور خمسين عاماً عليها، بينما أصبحت ثورات عربية أخرى مجرد تفاصيل صغيرة في دفاتر التاريخ؟ ألسنا بحاجة إلى روح عبد الناصر في هذا الزمن العربي الرديء الذي راح فيه قادتنا يتسكعون ويتسولون على أعتاب البيت الأبيض؟ يتساءل أحدهم، ألسنا بحاجة لمن يعيد لنا بعضاً من كرامتنا المفقودة؟ ألم يكن عبد الناصر يمثل - ومازال- الإباء والشموخ والتحدي العربي؟ من هو الزعيم العربي الذي مازالت تهتف الجماهير باسمه حتى الآن؟ أليس عبد الناصر منتجاً عربياً أصيلاً، كلما مرت السنين ازدادت قيمته رغم أنف المزايدين والحاقدين والمنتفعين؟ ألم يحذُ الإسلاميون أعداء عبد الناصر حذوه في الكثير من أفكارهم وتوجهاتهم؟ لماذا يحاول البعض تصوير ثورة يوليو بأنها مجرد انقلاب؟ لكن في المقابل: ألم تكن أخطاء ثورة يوليو عظيمة بعظمة قائدها؟ هل ولى فعلاً عهد العبودية كما بشر عبد الناصر بعد الثورة أم أنه استبدل باستعباد من نوع آخر ألا وهو الاستعباد الوطني، وبالتالي لا محل من الإعراب لمقولة "ارفع رأسك يا أخي"؟ ألم يرسِ عبد الناصر دعائم نظام حكم الزعيم الفرد الذي كان وبالاً على العرب أجمعين؟ أليست دولة القمع والبطش والطغيان والديكتاتورية التي دمرت الأمة العربية، أليست استنساخاً للحقبة الناصرية؟ من الذي ورَّث لنا ظاهرة عبادة الشخصية وتأليه الزعماء التي ابتلي بها العرب شر بلاء؟ ألم يسر العديد من القادة العرب على خطى عبد الناصر في اختزال الأوطان بأشخاصهم؟ ويتساءل مشكك آخر: ألم تثبت ما كان يسميه الناصريون بالرجعية العربية بأنها أكثر تقدمية بعشرات المرات ممن يسمون أنفسهم تقدميين؟ يتساءل أحد الكتاب: ألم تكن سياسات التأميم والاشتراكية التي بدأتها ثورة يوليو وبالاً على الاقتصاد العربي حتى الآن؟ ألم تقضِ هذه السياسة على قيمة العمل وحولت المؤسسات الإنتاجية إلى بؤر للتربح الفردي والفساد القاتل؟ أين الثقافة العربية بعد الثورات العربية؟ لماذا لم ينجب النصف الثاني من القرن الماضي سوى أشباه المثقفين والأدباء والكتاب الذين لا دور لهم سوى دق الدفوف والتطبيل والتزمير للجنرالات؟ هذه الأسئلة أجاب عنها المناظران: أحمد الجمّال - المتحدث بالفصحى - الكاتب الصحفي، والدكتور محمود جامع - المتحدث بالعامية - عضو مجلس الشورى المصري السابق.
أ - استشهادات المناظرَين
1 - الاستشهادات الاجتماعية:
في حلقة (قضية المرأة في الوطن العربي) - بوصفها قضية اجتماعية - لاحظنا أن الشيخ يوسف البدري - المتحدث بالفصحى - أكثر من استشهاده بآيات القرآن الكريم، التي كانت مؤثرة في سير المناظرة. فمثلاً استشهد بالآية الكريمة} وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى{ (آل عمران-36)، عندما استشعر بأن د.نوال السعداوي - المتحدثة بالعامية - تريد أن تساوي بين الرجل والمرأة. كذلك استشهد بالآية} "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ{ (الروم-30)، رداً على زعم الدكتورة بأن طبيعة المرأة لا تختلف عن طبيعة الرجل. أما استشهاده بقوله تعالى:} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ{ (النور-31)، فكان رداً على الدكتورة، التي أرادت الحرية للمرأة في ملابسها، بينما رأى الشيخ أن هذه الحرية - وفق الآية المُستشهد بها - هي تحرر للمرأة من أوامر ربها.
ولم يكتفِ الشيخ يوسف البدري بآيات القرآن في استشهاداته بل أردفها بأنواع أخرى من الاستشهادات تعضد موقفه؛ مثل استشهاده بأقوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما نهى عن تخنث الرجل، وترجل المرأة، ولعنة الله على الرجال المتشبهين بالنساء، والنساء المتشبهات بالرجال؛ وذلك رداً على زعم الدكتورة بأن الأنوثة مفهوم طبقي اجتماعي سياسي اقتصادي، وأن الأنوثة مختلفة تبعاً لاختلاف المجتمعات. كذلك استشهد الشيخ - في هذا الشأن - ببيت حافظ إبراهيم القائل:
أَنا لا أَقولُ دَعوا النِساءَ سَوافِراً بَينَ الرِجالِ يَجُلنَ في الأَسواقِ
وفي مقابل ذلك وجدنا الدكتورة نوال السعداوي - المتحدثة بالعامية - تستشهد بجولدا مائير - رئيسة وزراء إسرائيل - حيث إنها حكمت - بخلايا مخها - إسرائيل وهزمت العرب! وأن إسرائيليات وأمريكيات شاركن في الحروب، وقدن الطائرات وهزمن العرب، لا سيما في حرب الخليج. وبذلك استطاعت هذه النماذج النسائية قتل العرب رجالاً ونساءً وأطفالاً! وهذا النموذج ارتجلته الدكتورة من مخزونها الثقافي! وعندما أبان الشيخ البدري عن اختلاف في الخلايا بين الرجل والمرأة، وضرب مثلاً بثدي المرأة الناتج عن الخلايا الأنثوية، ردت عليه الدكتورة باستشهاد هابط في تمثيله، قائلة: "طب ما المرأة عندها ثدي، والجاموسة عندها ثدي". كما استشهدت الدكتورة بنماذج غربية للمرأة العاملة في مجالات: العلم، والفن، والسياسة، والكومبيوتر، رداً على فكرة القوامة المالية، التي تحدث عنها الشيخ، فهذه القوامة لا معنى لها في الغرب من وجهة نظر الدكتورة. وأخيراً استشهدت الدكتورة بالأجنبيات المستمتعات بشواطئ الخليج العربي مقابل النساء العربيات الخليجيات المسجونات خلف نقابهن!
والملاحظ أن الدكتورة نوال كانت تعضد أقوالها بأمثلة واهية غير مقنعة، فعندما أرادت إثبات قوة المرأة البدنية، ضربت مثلاً بجدتها الفلاّحة، التي كانت تعمل بالفأس في الحقل، وتسير حافية القدمين، وتأكل الخبز اليابس والجبن، فتستطيع بقوتها - كما بينت الدكتورة - هزيمة عشرة رجال من سُكان المدينة! ولم تنتبه الدكتورة أن هذا المثال لا ينطبق على المرأة بصفة عامة، بل هو مثال خاص لا يصح تعميمه. كذلك أرادت الدكتورة إثبات أن طبيعة المرأة البيولوجية لم تكن عائقاً أمامها، حيث أصبحت قديسة، ومقاتلة، ومحاربة ومفكرة، وفيلسوفة. وهذه النماذج أيضاً لا تُعتبر قاعدة يُقاس عليها، لأنها نماذج فريدة خارجة عن طبيعة المرأة بصفة عامة. وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن المتحدث بالعامية قلما يأتي بأمثلة دالة، أو استشهادات قوية، لأنها أمثلة ضعيفة واستشهادات مرتجلة وفق ارتجال الحديث بالعامية، وهذا عكس المتحدث بالفصحى، الذي يأتي بأمثلة واستشهادات قوية ومؤثرة.
وفي حلقة (الشارع العربي) - بوصفه موضوعاً اجتماعياً - وجدنا ياسر الزعاترة - المتحدث بالفصحى - يستشهد بانتصار حزب الله في جنوب لبنان، ذلك النصر الذي كان وهماً في نظر البعض، وذلك رداً على متحدث العامية مجدي خليل المُشكك في هذا الانتصار. وفي موضع آخر وجدنا الزعاترة يستشهد بهذا النصر، ويعده أملاً مستقبلياً للفلسطينين في تحقيق نصر مشابه، وذلك رداً على مجدي خليل، الذي قلل من قيمة الانتصار في جنوب لبنان. كذلك كان الزعاترة يعضد استشهاداته بذكر النسب المؤية، مثل نسبة الـ 2% من اليهود، التي تتحكم في الشارع الأمريكي. وفي مقابل ذلك، استشهد مجدي خليل - المتحدث بالعامية - بموقف جورج بوش، عندما قال: " إحنا حكام منتخبين، ولن نسمح لأحد إنه يعوق اجتماعاتنا أو أجندتنا العالمية، اللي عايز يتظاهر سلمياً أهلاً وسهلاً بيه ". وهذا الاستشهاد كان رداً على الزعاترة الذي بيّن أن العنف الجماهيري يحدث أيضاً في البلاد الغربية، وليس قاصراً على الجماهير العربية.
2 - الاستشهادات الثقافية:
كانت حلقة (الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية على مصر) - بوصفها موضوعاً ثقافياً - حلقة معكوسة في تمثيلها وهدفها! فالمناظرة - كما أوضحنا سابقاً - دارت بين اتجاهين: الأول يؤيد أن الحملة كانت بعثاً حضارياً رائعاً! لهذا لا مانع من الاحتفال والاعتراف بفضل الفرنسيين على مصر. فنابليون جاء إلى مصر بالمطبعة والعلماء والعلوم والفكر. والآخر يرى أنها احتفالات بذكرى استعمار مصر وقتل الكثير من أبنائها على يد نابليون، وأن المطبعة التي جاء بها نابليون كانت لخدمة جيشه المستعمر وترويج أكاذيبه، وكتاب وصف مصر كان لتمكين المستعمر من معرفة البلاد وتشديد قبضته عليها، وحجر رشيد اكتُشف صدفةً. وعندما يعلم القارئ أن الدكتور عبد المنعم تليمة - أستاذ الأدب العربي في جامعة القاهرة - هو المتحدث بالفصحى، سيتوقع بأنه صاحب الاتجاه الآخر الذي يرى في نابليون الصورة الاستعمارية، وأن الدكتورة ليلى عنان - أستاذة الحضارة الفرنسية في جامعة القاهرة - هي المتحدثة بالعامية، فيتوقع أنها صاحبة الاتجاه الأول، الذي يرى في نابليون الصورة الحضارية، بوصفها أستاذة الحضارة الفرنسية!
ولكن الحقيقة كانت عكس ذلك، فالدكتور تليمة كان مؤيداً لصورة نابليون الحضارية، بينما الدكتورة ليلى عنان - أستاذة الحضارة الفرنسية - كانت مؤيدة لصورة نابليون الاستعمارية! وهذا المنطق المعكوس بين المناظرين، جاء بنتائج معكوسة أيضاً، فالدكتور تليمة - بوصفه متحدثاً بالفصحى - لم يسشتهد في مناظرته بأي استشهاد يُذكر من القرآن أو السنة أو الشعر أو الأمثال العربية أو الحكم ... إلخ، بل ولم يضرب مثلاً واحداً من التاريخ العربي أو الإسلامي. كذلك كان الأمر بالنسبة للدكتورة ليلى عنان، فلم تأتِ باستشهادات - وفق معايير المتحدث بالعامية - سوى بمثل شعبي عامي، قالت فيه: "خلينا وراء الكذاب لغاية باب الدار"، رداً على موافقتها مقولة الدكتور تليمة بأن كتاب (وصف مصر) طُبع ليخفي فشل الحملة. وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنما يدل على فشل المناظر في تبنيه موقفاً غير مقتنع به، بل ويكشف لنا زيف صفات الفصيح، عندما يتبنى العامية، وزيف صفات العامي، عندما يتبنى الفصحى!
أما الحلقة الثقافية الأخرى عن (اللغة العربية)، فقد استشهد فيها الدكتور نصر الدين البحرة - المتحدث بالفصحى - بشعر المعلقات الذي يحمل تطوراً في اللغة، رداً على زعم الدكتور رفيق روحانة بأن الفصحى مخربة للعقول! وعندما أبان روحانة بأن التعليم بالفصحى يُعد كارثة، ردّ عليه الدكتور البحرة مستشهداً بأبيات من قصيدة حافظ إبراهيم (اللغة العربية تتحدث عن نفسها)، وفيها يقول:
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَـــــــةً وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظــــاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعــــــــــاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِــــنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِنـــــي وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتــــــي
كما استشهد الدكتور البحرة بحقيقة تاريخ اللغة العربية الفصيحة، مبيناً قيمتها في ثقافات العالم القديم، قائلاً: " في يوم من الأيام كانت اللغة العربية هي لغة الثقافة في العالم"، وعضد هذه المقولة بأقوال القدامى والمحدثين، مثل الإمام علي - كرم الله وجه - والمازني، الذي قال عن العامية: " تحتاج إلى ضبط وإصلاح وتوسيع"، وجرجي زيدان القائل: " تمتاز العامية بركاكة عباراتها مع ما فيها من الألفاظ الأعجمية ". كما أورد البحرة أقوالاً كثيرة في هذا الشأن - لعلي عبد الواحد وافي، وعبد العزيز فهمي باشا، ومحمد كرد علي، ومصطفى صادق الرافعي، وخليل مطران، وجبران خليل جبران - تشيد بالفصحى، وتمتهن العامية.
وفي المقابل تحدث الدكتور رفيق روحانة - المتحدث بالعامية - بأفضلية العامية على الفصحى، مستشهداً بالنموذج الإسرائيلي، حيث إن إسرائيل تتحدث العبرية مثلما تكتبها!! ويعد هذا الأسلوب أفضل من أسلوب العرب في تعاطيهم مع اللغة، لأنهم يتحدثون بالعامية ويكتبون بالفصحى! كما استشهد على أفضلية العامية بأقوال من غير العرب أو من غير المسلمين، أمثال: ستالين، والكاتبة الغربية جيلا جون ديور تال، وشبلي شميل.
كما استخدم الدكتور روحانة نماذج مضطربة هابطة في تمثيلها؛ دليلاً على أقواله. فعلى سبيل المثال ادعى أن اللغة العربية الفصحى أصبحت مُضرة بالعقل؛ لأنها لغة مهجورة من اللسان العربي. وحتى يثبت ذلك جاء بعبارة من كتابات سعيد عقل بالفصحى وبالعامية، ليثبت أن العبارة العامية (أحلى) من الفصيحة، قائلاً: " وبدي أعطيك مثل هون بيصير فيه شيء حي، راح أقول لك أنا بتنشر لسعيد عقل بالفصحى أو بالعربي، وأقول لك هم باللبناني، وشوف الفرق، هو ذاته، هو عملهم بالعربي وعملهم باللبناني. بيقولوا: أقول ربي .. الكون هل أخذله؟ صنع يدك. ناقص بعض. تنحته من الصعب، لم تهمله .... كي ترضى ولا ترضى. فتسرق الإزميل تستكمله. هاي هي ذاتها قالها باللبناني هو .. اسمع هو كيف قالها باللبناني وليش صارت أحلى. بيقول له: يا ربي. الكون مش شقفة من هل بعلمك ناحتها عتقيل. انبلشوا تحفة ومش مكفي. بيقول: هايتا تسرق الإزميل. وإمتى أنت تكمل التحفة؟".
وبغض النظر عن ضيق القارئ - وما يُصاب به من (صُداع) - أثناء قراءة الفقرة السابقة، إلا أنه سيتعرف على ابتذال المثال المطروح من قبل المتحدث، ويقرّ بقيمة الفصحى ومناسبتها لكل تعبير، وسيكتشف أن العامية لا تُقدم استشهادات، أو أمثلة قوية في المناظرات الشفاهية. والغريب أن روحانة لم يكتفِ بهذا المثال المهترئ، بل عضده بمثال هابط آخر، قال فيه: " أنا إذا بدي أعلم بالجامعة درس بياخد معي 6 سنين بالعربي [يقصد الفصحى]، بياخد معي سنة أو سنتين باللبناني [يقصد اللهجة العامية اللبنانية] هو ذاته، ما بأزيد ولا بأنقص كلام، بدل ما أقول (اثنتي عشرة) بأقول (اتناش)". وعندما فسر عزوف العرب عن القراءة حالياً، أرجع ذلك إلى النشر بالفصحى، واقترح اقتراحاً شاذاً قائلاً: " إذا أنا طبعت بالفصيح ... ما بيقروا، لأنه عقلهم خربان بسبب اللغة، بيك تظبط لهم عقلهم، بدك تقول لهم اكتبوا مثل ما بتحكوا بيصيروا يبدعوا، بيصيروا شعب راقي".
3 - الاستشهادات السياسية:
وإذا نظرنا إلى الحلقة السياسية (حزب الله .. فدائيون أم عملاء؟)، سنجد زاهر الخطيب - المتحدث بالفصحى - يستشهد بمواقف إيران بعد الثورة، عندما استلمت مبنى السفارة الإسرائيلية، وأنزلت العلم الإسرائيلي رافعة مكانه العلم الفلسطيني، ثم سلمت للفلسطينيين المبنى بوصفه السفارة الفلسطينية. كما أن إيران رفعت شعار تحرير القدس، وحالياً تتضامن مع وحدة العراق، وضد حصاره، كما أنها تقدم دعماً لحزب الله في صورة دعم لمؤسسة الشهيد، الذي على أساسه تجري عملية الإعمار، وبالتالي تقوم إيران بتعمير ما تهدمه إسرائيل. وبجانب هذه الاستشهادات التاريخية والآنية، ذكر زاهر الخطيب أرقاماً حقيقية تُؤكد منطقه في الاستشهاد، قائلاً: " قوات العدو الإسرائيلي تحتل ثمانمائة وخمسين كيلو متر من أرضنا هجَّرت فيه بحدود الـ 400 ألف مواطن في هذه المنطقة. من خلال الـ 400 ألف تحت القذف والتدمير اتهجر 200 ألف". وفي مقابل ذلك نجد فاطمة سيد أحمد - المتحدثة بالعامية - تستشهد بعبارات عامية مرتجلة، تصف فيها إيران بدولة شرق أوسطية، ولا تذكر إنها دولة إسلامية، وتصف حركة المقاومة بالحركة المتشددة، وتساوي بينها وبين الحركات المتطرفة، وكأنها متأثرة بالخطاب الصهيوني، الذي يُقال إعلامياً في هذا الشأن.
وفي الحلقة السياسية الأخرى (حركات المقاومة الإسلامية)، وجدنا أسامة حمدان - المتحدث بالفصحى - يستشهد بالآية الكريمة} وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ{ (النحل-125)، رداً على فكرة مناظره جبران تويني، الذي يؤيد المقاومة السياسية لا الإسلامية. كما نجد المتحدث بالفصحى، يستشهد بالحقائق والأسماء، رداً على اتهام - تويني - حركات المقاومة بتهييج الرأي العام، قائلاً: "الحريص على الرأي العام العالمي، يسأل هذا الرأي العام العالمي، عندما قُتلت الطفلة إيمان حجو، وعندما قُتل محمد الدرة، وعن جريمة قانا التي نفذها (شيمون بيريز)، وعن المجازر اليومية التي يقع ضحيتها شعبنا الفلسطيني". وأمام هذا لم نجد استشهاداً واحداً من جبران تويني المتحدث بالعامية؛ لأنه ليس ضد حركات المقاومة، بل هو ضد صبغتها الإسلامية، وانفرادها بالمقاومة دون تنسيق مع الأطراف الأخرى.
4 - الاستشهادات القومية:
في حلقة (الصراع العربي الصهيوني) - ضمن الموضوعات القومية - استشهد زياد أبو غنيمة - المتحدث بالفصحى - بآيات كثيرة من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:} أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ{ (البقرة-87)، وذلك رداً على مناظره العامي - علي سالم - الذي بسط حقيقة أن اليهود قتلة الأنبياء، وكاد أن ينفيها. وبالمنطق نفسه استشهد غنيمة بقوله تعالى:} لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ{ (المائدة-82). وعندما أراد غنيمة الرد على تصفية الخلافات بين الأمم على أساس ديني، استشهد بشطرة بيت أبي نواس المعروفة، في بداية حديثه، قائلاً: " وَداوِني بِالَّتي كانَت هِيَ الداءُ؛ لأن اليهود يقيمون دولتهم وكيانهم المغتصب على أساس ديني".
كما استشهد غنيمة بحقائق التاريخ التي تؤكد أن اليهود لا يستطيعون العيش دون صراع مع الآخر! لأن "التفنن في افتعال الصراع، جزء من أهم مكونات الشخصية والنفسية اليهودية". ودلل على ذلك بصراع اليهود مع الله عزّ وجل، وصراعهم مع الأنبياء، وصولاً إلى طردهم من إنجلترا، وإسبانيا، وروسيا، ويتساءل في ختام استشهاده التاريخي: "كيف ننفي أن اليهود لا يميلون إلى الصراع ويحبون السلام مع العرب والمسلمين؟". كذلك استشهد غنيمة - في مواضع كثيرة - ببعض الأعلام، أمثال: سليمان القانوني، وحسن البنا، وياسر عرفات، وخالد مشعل، وأحمد الشقيري. وأمام هذه الاستشهادات لم يستطع علي سالم - المتحدث بالعامية - الاستشهاد بأي شيء يعضد به موقفه التطبيعي الضعيف.
أما الحلقة القومية الأخرى (التطبيع مع إسرائيل)، فكانت خالية من الاستشهادات، سواء من الدكتور علي عقلة عرسان المتحدث بالفصحى، أو من علي سالم المتحدث بالعامية، لأن الاستشهاد فيها سيكون مكرراً مع الحلقة السابقة، لا سيما وأن الحلقة كانت صراعاً بين المناظرين حول تطبيق التطبيع أو رفضه، وهذا سيتضح في المحورين القادمين.
5 - الاستشهادات التاريخية:
في الحلقة التاريخية (الخلافة العثمانية .. نعمة أم نقمة؟)، استشهد الدكتور أحمد أفكندوز - المتحدث بالفصحى - بآيات قرآنية كثيرة، مثل قوله تعالى:} فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ{ (الحجرات-9)، وذلك رداً على قول مناظره - ناصر الدين النشاشيبي - بأن الخلفاء العثمانين كانوا يقتلون أخوانهم وأبناءهم. واستشهد كذلك بقوله تعالى:} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ (الحجرات-10)، ليبين أن الروابط بين تركيا والعرب روابط إسلامية لا لغوية. أما استشهاده بكلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن موقف الإسلام من العصبية الجاهلية، فكان ليبين معنى الخلافة العثمانية. كما استشهد بأقوال ومواقف بعض الأعلام - ليعضد موقفه - أمثال: أبي السعود العمادي، وابن عابدين الحلبي، وحسام الدين القدسي، ومحمود أبي الشامات. وفي مقابل ذلك لم نجد أية استشهادات للنشاشيبي المتحدث بالعامية.
وفي الحلقة التاريخية الأخرى (تقييم ثورة يوليو)، استشهد أحمد الجمّال - المتحدث بالفصحى - بآيات قرآنية، مثل قوله تعالى:} وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{ (المائدة-8)، وذلك رداً على مناظره العامي د.محمود جامع، الذي يرى سلبيات جمال عبد الناصر فقط، فاستشهد الجمال بهذه الآية، ليبين أن هناك إيجابيات بجانب السلبيات. كما استشهد بقوله تعالى:} فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ{ (الكهف-29)، رداً على أعداء الناصرية. كما استشهد بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -} ولكم في كل كبد رطبةٍ أجر{، ليبين قيمة إنجاز عبد الناصر في بناء السد العالي. وفي مقابل ذلك لم نجد إستشهاداً واحداً - من القرآن أو السنة أو ... إلخ - للدكتور محمود جامع - المتحدث بالعامية - يعضد به أقواله.
ب - حُجج المناظرَين
1 - الحُجج الاجتماعية:
تميزت حُجج الشيخ يوسف البدري - المتحدث بالفصحى - بالمنطقية في الحلقة الاجتماعية (قضية المرأة في الوطن العربي)؛ فقد أوضح أن الأنوثة معناها أخلاقيات ومواصفات وضعها الدين للمرأة تناسب تكوينها كأنثى، لا سيما عاطفة الأمومة. كذلك الأنوثة - عنده - بمعنى الحياء، وليست المرأة الرجِلة - كما تدعي د.نوال السعداوي - التي تقتحم كل مجال وكل مكان دون حياء. فمعنى الأنوثة - عند الشيخ - الحنو، والحنان، والعطف على الصغير، وتربيته، وحمله، وبالتالي فالأنوثة لها طبيعة معينة، تقوم بأداء وظائفها كما خلقها الله، وكما أراد لها الله.
ومن حجج الشيخ المنطقية أيضاً، أمثلته الواقعية، عندما تحدث عن ملكة إنجلترا؛ بأنها تملك حُكم البلاد، ولا تملك أن تبيع قيراطاً من ملكها إلا من زوجها، و"ملكة إنجلترا تفقد اسم أبيها وعائلتها وتذوب في جنسية زوجها". كما جاء الشيخ بحقائق منطقية مستندة على نصوص دينية؛ منها على سبيل المثال "أن الإسلام أعطى المرأة حق الأخوة مع الرجل في حقوق العمل"، وأن المرأة " لم يمنعها إسلامها من التعلم، لم يمنعها إسلامها من التثقف، لم يمنعها إسلامها من أن تكون طبيبة، لم يمنعها إسلامها من أن تملك". وعندما أبانت نوال السعداوي أن تخلف المسلمين بسبب تخلف المرأة الإسلامية، ووجودها في منزلها، رد عليها الشيخ رداً منطقياً، قائلاً: "إن الحضارة الإسلامية في العصر الأموي والعباسي الأول والعباسي الثاني وفضل هذه الحضارة على العالم أجمع غير منكورة، هل كان المسلمون آنذاك متخلفين؟ هل المرأة عندما بقيت في حدود تعاليم دينها كان العرب والمسلمون أناسا في مزبلة التاريخ؟ إن العرب والمسلمين كانوا في مقدمة التاريخ في هذا الوقت عندما كانت المرأة ملتزمة بتعاليم دينها".
وقد لوحظ أن الشيخ كان منطقياً أيضاً في تفنيده لحُجج مناظرته. فحرية المرأة كما صورتها الدكتورة نوال في ركوبها الطائرات، واشتراكها في الحروب، وضحه الشيخ بأنه لا يدخل في تحرير المرأة، بل هو عمل تقوم به المرأة في هذا العصر، كما حاربت المرأة الإسلامية في العصور السابقة. كما ردّ الشيخ على مثال الدكتورة بأن المرأة كانت إلهة، بأن هذا الأمر من أخطاء البشر، ولا يصح القياس عليه. وعندما تحدثت الدكتورة عن جماعات تحرير المرأة في أمريكا بوصفها حجة قوية، رد عليها الشيخ قائلاً: " أنا كنت في أميركا ورأيت نساء كنَّ رئيسات لتحرر المرأة هذه دعوة .. عضوات أسلمن وقلن لقد اخترنا الإسلام لأن الإسلام أعطانا حقنا".
وفي مقابل ذلك نجد نوال السعداوي، تُكابر وتتحدث بحق يُراد به باطل! عندما أوضحت أن المرأة يجب أن ترفض القوامة المالية للرجل، وأن تكون مستقلة مالياً حتى تكون نموذجاً سوياً أمام أطفالها. كما أن وجود الأم في المنزل، يعني الالتصاق الكامل بالأطفال وهذا مُضر لهم! ومثل هذه الحُجج الواهية، تثبت بجلاء أن المتحدث بالعامية كثيراً ما يُكابر، ويحاول لَيَّ عنق الحقيقة، فيتحدث بالحق الظاهر، الذي يختبئ الباطل من ورائه!
ومن اللافت للنظر أن الدكتورة نوال إذا شعرت - أثناء المناظرة - بإحراج منطقي، أو اصطدمت بحقائق قوية، تخالف وجهة نظرها، نجدها تقوم بمناورة لفظية، حيث تلتف حول الأمر، وتحاول تبرير موقفها بأسلوب مضطرب، ينم عن تفكير متذبذب. ففي أثناء المناظرة اكتشفت الدكتورة أن جين فوندا - المدافعة عن حقوق المرأة - تراجعت عن أفكارها التي أُثيرت حول تحرر المرأة واستقلاليتها، ونادت بعودة المرأة إلى البيت. فما كان من الدكتورة إلا الالتفاف حول الأمر، والتهوين من شأنه، ولَيَّ عنق الحقيقة في عبارات مضطربة، قائلة: " أصل جين فوندا لا تفهم في قضية المرأة، أصل حركات تحرير المرأة الأميركية أنواع، فيه نوع بتاع جين فوندا ... أنا جاية من أميركا ولابد أن نعلم ذلك فيعني كون جين فوندا بتقول الكلام ده ليس معنى ذلك أن الحركات النسائية غلط".
وفي الحقلة الاجتماعية (الشارع العربي)، جاء ياسر الزعاترة - المتحدث بالفصحى - بحجج منطقية تبين فعالية الشارع العربي في دعم القضية الفلسطينية، مثل الدعم المعنوي المُقدم إلى الفلسطينيين من أجل استمرار صمودهم وإصرارهم. كذلك ضغط الشارع العربي على أعصاب الشارع الإسرائيلي، و"أن الخطاب الذي يقدمه بعض الزعماء العرب عن الجهاد والمقاومة جزء من الضغط الذي أحدثه الشارع العربي .... والضغط على الولايات المتحدة، الآن الأميركان يعلنون قلقهم الحقيقي من حركة الشارع العربي ... كل هذا يؤكد أن هذا الشارع له فاعليته ... الآن ثبت أن هذا الشارع ليس أكذوبة وإنما حقيقة فاعلة تحركت".
في المقابل، نجد مجدي خليل - المتحدث بالعامية - يشعر بالإحراج المنطقي، فيكابر ويلتف حول الأمور والحقائق، حتى يزيل تأثير قوة منطق مناظره بالنسبة للمشاهد، فيقوم بسرد وقائع هامشية مثل المظاهرات التي أندلعت بسبب رواية (وليمة لأعشاب البحر)، رغم أن المتظاهر لم يقرأ الرواية، وضرب أمثلة بأوصاف المقريزي والجبرتي لمظاهرات زمانهما وما حدث فيها من تخريب. وهذا الالتفاف قصد من ورائه أن يبين أن الشارع العربي يخرج متحمساً في مظاهرات لا يعرف أسبابها، وأكثر هذه المظاهرات " تكون أحداث شغب أو مسيرات مفتعلة أو مدبرة ".
وأمام وصف الشارع العربي - من قبل العامي - بهذه الأوصاف غير الحقيقية، طُرح عليه سؤال مفاده: لو خرج الشارع العربي في مظاهرات من أجل السلام مع إسرائيل، هل كنت تحدثت عنه بهذه الطريقة؟ فخرجت الإجابة عفوية منه، قائلاً: "أتمنى إنه يخرج من أجل السلام مع إسرائيل". هنا فاجأه مقدم البرنامج - د.فيصل القاسم - متعجباً: (تتمنى)! فكانت سقطة من الصعب الرجوع عنها، فما كان من مجدي خليل إلا أن توارى وراء الكلمات، واضطربت عباراته، والتف حول الأمر بكلمات مرتعشة قائلاً: " لا .. ليه ؟ يعني .. وفي نفس الوقت يؤكد حقوقه مش سلام مجرد سلام، أتمنى أن يكون فيه حركة وحركة مضادة، أتمنى يكون فيه حيوية في الشارع العربي مش مجرد انفعال لاتجاه واحد، وأنا .. أنا مسألة التطبيع لم أعرفها، يعني ليس لي علاقة ولا زرت إسرائيل لا أعرفها .. يعني بعيدة تماماً عني ولا أهتم بها، قضية لا أكترث بها، لأن أنا ..".
ومن الجدير بالذكر أن المتحدث بالعامية كان أحياناً يتهرب أمام حقائق الفصيح الدامغة، فعلى سبيل المثال احتدم النقاش بين المناظرين حول الأسلوب الأمثل لقيام الشارع العربي بدعم المقاومة الفلسطينية، فقال الزعاترة - الفصيح - " بإسناد الخيار الفلسطيني بالمقاومة"، فرد عليه مجدي خليل - العامي - متهكماً: "How إزاي؟ إزاي؟"، فأجاب الزعاترة: "من خلال المال، من خلال تهريب السلاح، من خلال الإسناد المعنوي، من خلال ..."، هنا قاطعه العامي متهكماً أيضاً: "هل هذا هيحرر فلسطين؟"، فأجاب الزعاترة: " آه طبعاً، المقاومة تستطيع هناك نصر في لبنان، النخب من أمثالك يا سيدي كانوا يعتبرون أن ما تحقق في لبنان هذا مجرد وهم ومن الأساطير ولن يحدث، في لبنان حصل انتصار حقيقي وفي فلسطين". فقاطعه العامي قائلاً في استخفاف: "وفيه مبالغة كبيرة جداً للي حصل في لبنان، فيه مبالغة". والإجابة الأخيرة توضح إلى أي مدى المتحدث بالعامية يتهرب من مواجهة الحقائق الدامغة؛ لأنه مقتنع تماماً بأن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بسبب مقاومة حزب الله حقيقة ثابتة، وإعجاز كبير يُحسب للمقاومة، التي ساندها الشارع العربي، والاعتراف بذلك يطيح بأقواله وأفكاره، فما كان منه إلا الهروب من المواجهة واصفاً الانتصار بالمبالغة.
2 - الحُجج الثقافية:
كما ذكرنا من قبل، إن حلقة (الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية على مصر) - تعدّ معكوسة في طبيعة تناولها؛ لذلك لم نجد فيها حججاً منطقية لا من الفصيح ولا من العامي!! وهذا الاضطراب في تمثيل الأدوار أدى بالدكتورة ليلى عنان - المتحدثة بالعامية - أن تشعر بالخجل والاضطراب؛ لأن ثقافتها ودراستها عكس ما نادت به في المناظرة، وعكس ما تتبناه داخلياً من موقف! فموقفها الوطني ضد ثقافتها الفرنسية لذلك قالت: " .. منطق ما أقدرش أفهمه وقد يكون قلة معرفتي باللغة العربية هي اللي بتخليني مش فاهمه". وفي ختام الموضع نفسه، قالت: "... أنا كل ما أعرفه أدينه للفرنساويين أنا لا أنكر هذا، أنا من سن أربع سنين لغاية النهارده أساتذتي وقراءاتي كلها فرنساوي وكل مراجعي فرنسية".
أما الحلقة الثقافية الأخرى (اللغة العربية)، فالدكتور نصر الدين البحرة - المتحدث بالفصحى - لم يأتِ بأية حجة منطقية لإثبات وجهة نظره بأفضلية الفصحى على العامية، لأن الأمر لا يحتاج إلى منطق في إثباته. لذلك اقتصر دوره في هذا المحور على تفنيد حجج خصمه العامي الدكتور رفيق روحانة. فالدكتور روحانة ذكر أن الفصحى لا تستحق أن يتحدث بها، لأنها لغة بائدة، وفي موضع آخر قال إنها متطورة، وهذه الأمور فندها الدكتور البحرة، قائلاً: " هو حر بالطبع ... لكنه قال: إن اللغة العربية تطورت وهي الآن متطورة، وأرى فيه شيئاً من التناقض في كلامه، يقول: متطورة وفي الوقت نفسه لغة بائدة وهو يعتذر عن أنه يتكلم بها، كيف يمكن هذا وذاك؟ كيف يمكن أن يجمعهما معاً؟ وكيف يمكن لنا أن نعتبر – كما تفضل - أن اللهجات العامية هي لغة؟ اللهجة العامية ليست لغة ولا يمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال لغة من اللغات، لأنها تفتقر إلى مقومات أساسية ينبغي أن تكون موجودة في اللغة".
وعندما شكك روحانة في قداسة اللغة العربية، وارتباطها بالقرآن، وبالقومية العربية، فندّ البحرة فكرته هذه مستشهداً بقول أمين نخلة الشاعر المسيحي: " لا حرج في التمسك بالقومية والكلف باللغة، كما أنه لا حرج في الدين، لأن الدين ملة القرآن وملة الإنجيل، وهاتان الملتان تتلاقيان حتى كأن الإسلام إسلامان، واحد بالديانة وواحد بالقومية واللغة، أو كأنما العرب جميعاً مسلمون حين يكون الإسلام اهتداءً بمحمد، وتمسكاً بقوميته، وكلفاً بلغته".
ومقابل هذا التفنيد، وجدنا الدكتور روحانة - المتحدث بالعامية - يُكابر، فيذكر الحق قاصداً الباطل من ورائه، عندما قال: "لا نقول: اللغة العربية ماتت، اللغة العربية لم تمت، تطورت وأصبحت اليوم في أرقى حالة مما كانت في الماضي، ومن يريد الترقي فليأخذها في حالتها المترقية". ويقصد بذلك التمسك بالعامية وترك الفصحى، لأن العامية هي الصورة المتطورة من الفصحى! كذلك قوله الغريب: " الله هو رب العالمين، إذن هو رب الكون، رب كل الناس، رب العالمين هذا ألا تريد أن يصل إلى كل العالمين؟! في الصين ربع سكان الأرض أأحرمهم من الإسلام لأنهم لا يعرفون العربية؟ أنا أقترح على أئمة المسلمين، وأنا لست مسلماً، ولكنني أحب كل مسلم في الكون وكل كافر في الكون لأني أحب الإنسان!! أقول لهم: اجتهدوا والاجتهاد موجود منذ الإسلام، اجتهدوا في أمر يجعل اللغة لا تقف حاجزاً في سبيل انتشار الإسلام إذا كنتم تريدون له الانتشار، أنا لو كنت مسلماً وأريد انتشار ديني كنت وجدت اجتهاداً يصل به إلى حد ترك الصيني والياباني والأميركي والفرنسي يُصلّون بلغتهم والله يفهم كل اللغات، لماذا أتصور الله لا يريد أن يتقرب إليه أحدٌ إلا بواسطة اللغة العربية". وهذا القول - الذي ينتشر الباطل بين سطوره - المقصود به تلاوة القرآن بجميع اللغات، وعدم تلاوته بالفصحى في جميع أنحاء العالم!
كذلك قوله: " كلمة (فصحى) غلط، تعرف ما معنى (فصحى)؟ معناها الواضحة، فعندما تقول العربية هي التي نقصد بها اللغة، أما الفصحى هي صفة للغة .. انتبه! مش هي اللغة". وهذا يعني أن اللغة العربية الفصيحة لا تتصف بالوضوح! وعندما واجهه فيصل القاسم بأنه ضد كل المسلمين المتمسكين بالفصحى، قال: "عارف حالي إني ضده كله، بس أنا بدي أرقيه". وكأنه بطل مغوار يقف ضد التيار من أجل ترقية اللغة في صورتها العامية، ويضرب مثلاً على ذلك بقوله: "الله سيفهم عليّ إن قلت له: يا رب، وإن قلت له: يا بيي اللي بالسما".
كذلك استخدم الدكتور روحانة أسلوب المناورة أو الالتفاف حول الأمور عندما يشعر بالإحراج المنطقي. فعندما بدأ حديثه قال لمقدم البرنامج (د.فيصل القاسم): " بدي أعتذر من نفسي ... إني أنا هلا بدي أهاجم لغة وبدي أحكيها، هايدي كرمة لك أن المنطق كان لازم إني أنا أحكي اللغة يا اللي بدي أدافع عنها، مش أحكي حتى أهاجم لغة فيها، بس كرمة لك راح نحكي بالفصحى". وهذا يعني أنه على يقين بأن الفصحى هي الأفضل في المناظرة لإثبات وجهة النظر! وكأنه أراد إقناع الآخرين بأنه قادر على التحدث بالفصحى بطلاقة. الغريب أنه لم يستطع الصمود متحدثاً بالفصحى سوى دقائق معدودة، ومن ثم قال لمقدم البرنامج: " خلي نحكي باللبناني ماشي الحال عم تفهموني"! فردها عليه فيصل القاسم متهكماً: "لا .. احكي باللغة البائدة" أي بالفصحى!! هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن روحانة يهاجم الفصحى لأنه لا يستطيع التحدث بها، فالعيب فيه وليس في اللغة.
3 - الحُجج السياسية:
في الحلقة السياسية (حزب الله.. فدائيون أم عملاء؟)، قدم زاهر الخطيب - المتحدث بالفصحى - حججاً منطقية عديدة، تؤيد وجهة نظره، لا سيما إبعاد صفة الإرهاب عن حزب الله، قائلاً: " إنها حركة مقاومة جهادية وهي ليست حركة إرهابية، دلوني على مجزرة وقع فيها أطفال صهاينة بفعل المقاومة الإسلامية وحزب الله. هذه المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق أطفالنا والمدنيين، وهذه مجزرة قانا وسواها، فليدلني أحد أن حزب الله قام بعملية ذهب ضحيتها أطفال أو نساء أو شيوخ". كما استخدم المنطق في إقناع المشاهدين، عندما أوضح أنه يدافع عن حركة إسلامية شيعية، وهو سُني.
أما الدكتورة فاطمة سيد أحمد - المتحدثة بالعامية - فقد كابرت، ونطقت بالحق الذي يراد به الباطل! عندما أبانت عن حجم حزب الله، وتجهيزاته، والخدمات التي يقدمها لأهالي لبنان، وهذا الأمر سيقوي مركزه، ويجعل الشعب اللبناني ينتمي إليه أكثر من انتمائه إلى الدولة. كذلك قولها: "في فلسطين أطفال الحجارة حققوا إنجاز لم يحققه حزب الله لغاية دلوقت!! رغم إن الأداة اللي استخدمها هو شوية حجارة في إيدين أطفال بطريقة ارتجالية".
كما قامت الدكتورة بلَيِّ عنق الحقيقية، والالتفاف حول الأمور! فعندما اتجه الحوار نحو اتهامها بترويج الخطاب الصهيوني، وجدناها تتهم مناظرها - مؤيد حزب الله - بالعمالة الصهيونية! كما نجدها ترحب بمعونة إيران لبعض الدول، ولا ترحب بمعونتها لحزب الله، بحجة أنها معونة غير نظيفة، وعندما فند مناظرها هذا الأمر، اتهمته بالعمالة لصالح إيران! وعندما تحدث زاهر الخطيب مستشهداً بأقوال قوية لحسن نصر الله، أطاحت بأفكارها، لم تجد الدكتورة سنداً يقوي مركزها المهتز سوى قولها: "أنا عايزة أسأل الأستاذ زاهر هو بيشتغل المتحدث الرسمي باسم الأمين العام ولا إيه؟! أنت بتشتغل إيه؟.. أنا مش فاهمة.. أنت بتشتغل إيه المتحدث الرسمي لحسن نصر الله؟ إنت إنسان غريب جداً!".
وفي الحلقة السياسية الأخرى (حركات المقاومة الإسلامية)، جاء أسامة حمدان - المتحدث بالفصحى - بحجج منطقية متنوعة، أفحم بها مناظره جبران تويني - المتحدث بالعامية - الذي أدعى أن حركات المقاومة الإسلامية، تساعد إسرائيل على الاستمرار في خلق وضع عدم الاستقرار. وهذا الادعاء، أطاح به أسامة حمدان منطقياً، عندما أوضح أن المنطقة العربية كانت مستقرة قبل الاحتلال الإسرائيلي، وإسرائيل ليست بحاجة إلى مبرر لخلق عدم الاستقرار، أو لشن الحرب. لذلك فالمقاومة مشروعة، وهي جزء من الشعب الفلسطيني، ذلك الشعب الذي جرّب خيار التسوية عدة سنوات، ثم "جاء المجتمع الصهيوني ليختار رجل الحرب الأول فيه أرييل شارون رئيساً للوزراء، مما يعني أن هذا المجتمع قراره أن يحارب، قراره أن يقاتل، قراره أن لا يوجد حالة استقرار في المنطقة". أما جبران تويني فلم يأتِ بأية حجة، تستحق الذكر!!
4 - الحُجج القومية:
في الحلقة القومية (الصراع العربي الصهيوني)، لم يكن ممثل الفصحى - زياد أبو غنيمة - في حاجة إلى استخدام المنطق في أقواله؛ لإثبات أحقية العرب في صراعهم مع الاحتلال الصهيوني. وهذا الأمر كان معكوساً عند ممثل العامية - علي سالم - الذي تبنى خيار السلام مع إسرائيلي، وانتهج في حديثه أسلوب التطبيع مع العدو. ولأن علي سالم حاول في مناظرته أن يصطدم مع الحق، ويثبت الباطل، فلم يكن أمامه سوى ذكر الحق الذي يراد من ورائه الباطل، عندما اتهم حركة حماس بأنها إرهابية، مستنداً إلى قول أيمن الظواهري في فيلم (سيف الإسلام): "الإسلام شجرة لا ترتوي إلا بالدماء"، وهذه المقولة فسرها علي سالم بأن الدماء المقصودة هي دماء الأعداء، ولم يضع في حسبانه أن الدماء المقصودة، ربما تكون دماء الشهداء والمجاهدين.
ولأن علي سالم لا يستطيع مواصلة الحوار بالمنطق - لالتزامه العامية، وانتهاجه منطق التطبيع المرفوض - وجدناه يناور، ويلوي عنق الحقيقة، عندما اصطدم بحقيقة أن اليهود قتلة الأنبياء، فردّ على مناظره قائلاً: "اللي بيقتل الأنبياء حسابه عند الله". كذلك عندما شعر بقوة الحقائق التاريخية أمام عباراته المضطربة الواهية، التف على الأمر، وشكك في التاريخ نفسه، وفي كُتّابه، مُدعياً أن التاريخ مزيف، وكُتّابه مزورون للحقائق!
وفي الحلقة القومية الأخرى (التطبيع مع إسرائيل)، أثبت د.علي عقلة عرسان بالمنطق أن الشعوب العربية لها موقف مضاد من التطبيع مخالف لموقف حكوماتها الموقعة على معاهدات سلام مع إسرائيل. كما أبان بالمنطق أيضاً أن الدعوة إلى التطبيع من منطلق أننا نملك ثقافة وحضارة عريقة جدًّا، يخشاها الإسرائيلي، ولا يستطيع التغلب عليها، فهذه الدعوة لا تجوز لأن "التطبيع نتيجة من نتائج الاعتراف، والاعتراف يعني أنني أعترف بالكيان الصهيوني دولة في أرض فلسطين، ومقابل هذا أسحب الاعتراف من الشعب العربي الفلسطيني بحقه في فلسطين، وعندما أطبع أطبق الاعتراف".
كذلك كان د.علي عقلة عرسان يفند حجج خصمه المهترئة، فعندما حاول علي سالم الإيحاء بأن أصدقاءه في إسرائيل هم من يريدون السلام، رد عليه عرسان بقول أحدهم وهو (شلومو رايخ): "ستبقى إسرائيل تركض من نصرٍ إلى نصرٍ نحو هزيمتها، لأن المستقبل لا مجال للتفاوض معه أو تطبيعه مادامت الأجيال تتناسل، والذاكرة تتوارث، وكذلك أطلال القرى، ونحن حراس الذاكرة، وحراس الوجدان ... وسنذكّر الأمة العربية من أقصى الوطن إلى أدناه بأن مئات القرى قد مُحيت، وأن عشرات المذابح قد ارتكبت، وأن العدو الصهيوني عنصري، ومشروعه يستهدف الأمة العربية".
وعندما أراد علي سالم وضع قضية التطبيع في أيدي شباب المستقبل من العرب والإسرائيليين، كي يقولوا كلمتهم، بوصفه أدى رسالته التطبيعية الآن، رد عليه علي عقلة عرسان مفجراً مفاجأة كبرى، بأن هذا الفكر ما تسعى إليه الصهيونية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية الآن، في تربية أجيال المستقبل، حيث أخذت خيرة الشباب في معسكرات، كان آخرها معسكر في ولاية (ميين) تحت اسم (بذور السلام)، والمشرفون على هذا البرنامج هم: (بريديت كاتس- آدم شابيرو- مركي براون كونت- شارون سبيلبرج). هؤلاء الذين يربون أطفالاً من: فلسطين، ومصر، والأردن، والمغرب، وإسرائيل، واليمن على قيادة الوطن العربي في المستقبل؛ ليكونوا منذ اللحظة التي ينتسبون فيها إلى هذه المنظمة في رعاية الصهيونية؛ لتكوين جيل المستقبل. إنهم يريدون تغيير المناهج التربوية والتعليمية، لاسيما ما يتعلق بالتربية الدينية، والتربية القومية والوطنية، والتاريخ، والجغرافيا؛ لكي تكون للكيان الصهيوني حقائق تاريخية، تكتب في عقول شباب وأطفال صغار.
وفي مقابل هذه الحُجج الدامغة، وجدنا علي سالم يقوم بمناورة أخرى، كي يتملص من موقفه الحرج، فنادى في مناظرته باستخدام عبارة (علاقات سلام طبيعية)، المستخدمة من قبل المفاوضين، بدلاً من استخدام مصطلح (التطبيع)، الذي يتأفف منه البعض!!
5 - الحُجج التاريخية:
الموضوعات التاريخية تُعد إشكالية في مناقشتها عن طريق المناظرة الشفاهية، لأن التاريخ يُكتب بوجهات نظر متباينة وفق غرض الكاتب، وزمن التسجيل التاريخي. والفيصل في إقامة الحجة عليه، هو الاعتماد على الوثائق، وما أكثر ضياع وثائق التاريخ. لذلك يلجأ المناظر في مناظرته الشفاهية إلى الأقوال، والاستنتاجات، والتفسير والتأويل .. إلخ. وهذا الأمر كان واضحاً في الحلقة التاريخية (الخلافة العثمانية .. نعمة أم نقمة؟)، التي اعتمد فيها الدكتور أحمد أفكندوز على بعض الوثائق، بعكس مناظره العامي النشاشيبي، لذلك لاحظنا أن أفكندوز كان يهاجم مناظره كثيراً، ويعيب عليه اعتماده على اللسان والأقوال من غير الاعتماد على الوثائق، وهذا الأمر كثيراً ما حدث، فظهر الفصيح بمظهر المتحدث المنطقي في حججه بعكس موقف مناظره العامي، الذي كان يهرب أمام وثائق خصمه فيدلي بعبارات دالة على موقفه الضعيف المتخاذل، مثل قوله: " إذن خلاص أُكتب التاريخ كما تشاء!!"، عندما طلب منه مناظره إبراز وثائق تدل على كلامه. وكذلك قوله: " تعطينا محاضرة في الدفاع عن المجرمين ". عندما أسهب أفكندوز في دفاعه عن سلاطين العثمانيين.
وفي الحلقة التاريخية (تقييم ثورة يوليو)، أوضح أحمد الجمال - المتحدث بالفصحى - بصورة منطقية أن ثورة يوليو كانت ثورة لا انقلاباً وفق تعريف القواميس السياسية، لأن الانقلاب "هو تغيير السلطة الحاكمة دون مساس بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية القائمة، وأن الثورة هي تغيير السلطة وتغيير الأوضاع تغييراً أساسياً". وبناء على هذا المفهوم اعتبر الجمال أن ثورة يوليو ثورة، غيرت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وجاء بصور للفلاح المصري تبين وضعه الاجتماعي والاقتصادي قبل وبعد الثورة، وأيضاً استشهد بصور أخرى خاصة بالتعليم. وأمام هذا المنطق في إقامة الحجة وجدنا د.محمود جامع - المتحدث بالعامية - يشعر بالحرج فيلتف على الأمر، ويتناقض في موقفه، ويقرّ بإيجابيات للثورة رفضها من قبل، وبدأ يتلعثم في عباراته، ويتذبذب في أقواله، ومثال على ذلك قوله:
"إحنا دلوقتي لا ننكر أن الثورة عندما ثورت ما كانتش بتاعة جمال عبد الناصر لوحده، بتاعة كل القوى الوطنية وزملائه كلهم من كافة الاتجاهات، إنما هو استغل الظروف بعد كدة إن هو يربط بها زعامته وحكم الفرد بطريقة خاصة وظروف خاصة كثيرة، كويس، التطور .. إحنا ما بنقولش إن الثورة ما لهاش إيجابيات، لا لها .. لها إيجابيات ولها سلبيات، إيجابيات التعليم أنا موافق إن التعليم انتشر وكل حاجة، الفلاح خد حقوقه، المجتمع، الإنشاءات، المدارس، المستشفيات، ما حدش يقول في دي حاجة، إنما في .. في المقابل من الناحية السياسية أما أبص ألاقي بقى عشان تقول لي وحدّ الأمة العربية .. أنا أقول لك لأ، كانت كوارث".
وعندما تحدث الفصيح بالحقائق التاريخية والسياسية القوية، وأثبت مخالفات في كتاب ألفه مناظره العامي عن السادات وعن علاقته به، وجدنا محمود جامع - العامي - يهرب من المواجهة قائلاً: "يا سيدي، لا أنا مؤرخ، ولا أنا سياسي، وكتابي كلام فارغ، وعلاقتي بالسادات مش موجودة ".
ج - صفات المناظرَين
1 - الصفات الاجتماعية:
اتصف الشيخ يوسف البدري - الفصيح - في حلقة (قضية المرأة في الوطن العربي) بكظم الغيظ، عندما أهانته نوال السعداوي واصفة علو صوته (بالجعير)، فرد عليها قائلاً: "كوني في حدودك.. كوني في حدودك". وعندما احتدم الحوار بينهما، اتهمته نوال بعدم معرفته بإدارة الحوار، فرد عليها قائلاً: " لا تعلمينا أدب الحوار، لم نأتِ هنا لنأخذ منكِ درساً في أدب الحوار.. لا تعطينا محاضرة، نحن نعلمك أدب الحوار ". وكظم الغيظ لم يدم طويلاً، فقد تطور الأمر إلى الحدة في الحوار، حيث عيّر الشيخ - بصورة غير مقبولة دينياً واجتماعياً - مناظرته بعدم الإنجاب، وشكك في كونها زوجة قائلاً: "الدكتورة نوال ليست أُما بالمناسبة ليوضح هذا للناس ولا زوجة وهي لا تعرف معنى الزوجية ولا الأمومة، لم تجرب لا الأمومة ولا الزوجية". كما استغل الشيخ قلة الثقافة الإسلامية عند مناظرته، فعزف بشدة على هذا الوتر، قائلاً في حدة: "أجيبيني كم كتاباً قرأته عن القرآن؟ طيب فيه كم آية؟ فيه كم سورة؟ فيه كم ربع؟ فيه كم جزء؟".
أما الصفات المقابلة للمتحدثة بالعامية - الدكتورة نوال السعداوي - فكانت السباب أو التلفظ بما لا يليق. فالشيخ يوسف البدري كان عالي الصوت، فعندما نهرته على ذلك، قال لها: "هذه طبيعة رجل"، فردت عليه قائلة: "كده يجعَّر يعني؟"، وكلمة (يجعر) غير لائقة لأنها تتعلق باسم الضبع وصوته، وهي من معاني الغائط!! كذلك الطعن في العادات والتقاليد العربية والإسلامية - ولو بصورة خفية - كان من نصيب نوال السعداوي. ومثال على ذلك قولها: "الرجل لما بيلاقي امرأة في العمل مستقيمة وشخصية ومسؤولة وبتحارب وبتشتغل وبتعمل كل حاجة بيحترمها، لما بيلاقي واحدة خليعة حتى وهي لابسة الحجاب لا يحترمها". ويُلاحظ هنا أن الخلاعة ألصقتها بالمرأة المحجبة، وألصقت الاستقامة، والعمل، والاحترام بالمرأة غير المحجبة!
كذلك حديثها عن القرآن باستهانة، مدعية بأن تفسيره قام به البشر، وبالتالي يحق للبشر الآخرين التفكير فيه بوجهات نظر مختلفة، وذلك في قولها: " لما نيجي لهذا الكتاب .. هذا الكتاب له مدارس تفسير كثيرة جداً جداً، كتاب الله بيفسره البشر .. دخل البشر في التفسير، حينما يدخل البشر في التفسير لنا حق التفكير". وأسوأ مثال لتهكمها على الإسلام ونقاب المرأة المسلمة، قولها: "أنا روحت على البلاج اليوم على البحر هذا البحر الجميل في الدوحة لاقيت المستمتع بالبحر الأجنبيات ... بيلعبوا رياضة في البحر وبعدين أروح ألاقي النساء العربيات وراء الحجاب منقبات وماشيين في الشوارع يا دوب عينهم اللي باينة .. ما هذا السجن؟ ويقولوا باسم الإسلام ده .. هذا تشويه للإسلام".
وعندما شعرت الدكتورة نوال بأن أقوالها تُعد طعناً في الإسلام، حاولت بعبارات غير مقنعة، تتمسح في الإسلام، حفاظاً على ماء الوجه - باعتبارها مسلمة - قائلة: "أنا والدي تخرج من الأزهر وعلمني الدين الإسلامي تعليم صحيح وعشان كده أنا قدرت يعني أشق طريقي وأحس بمسؤولية تجاه العمل". وفي موضوع آخر قالت: "أنا بأتكلم كلام أبويا علمه لي وأبويا خرج من الأزهر ومن دار العلوم وكان رجل عظيم وفقيه".
وآخر الصفات التي ظهرت على نوال السعداوي، محاولاتها الصمود الظاهري أمام مناظرها، وذلك بذكرها عبارات لا تتناسب مع موقف ضعفها الحواري، ومنطقها الضعيف. ومن هذه الأقوال: " أنا هادئة في المناقشة لأن حجتي قوية"، وقولها: "أنا عندي حرية فكر"، وأخيراً قولها: "إحنا نحتاج إلى برنامج آخر نتحدث فيه بهدوء إن شاء الله بحيث إن الحقيقة تبان".
وفي حلقة (الشارع العربي)، لم نلحظ صفة لافتة للنظر في حوار ياسر الزعاترة - الفصيح - بقدر ما لاحظنا في العامي - مجدي خليل - ميله إلى التطبيع، حيث إنه تمنى أن تخرج الشعوب العربية مطالبة بالسلام مع إسرائيل! كما لاحظنا أنه انهزامي، حيث سخر من الشعوب العربية، التي أعطت للزعيم جمال عبد الناصر بطولات مجانية لا يستحقها! كما سخر من شباب الجيل الحالي، الذي لا يعرف الحرب وإمكانياتها، لا سيما شباب الجامعات العربية، قائلاً: "يؤسفني الشباب بتاع الجامعة ده، مجرد بيقضي أول أسبوع في الجيش بيحاول يتهرب، يعني بيدور على كل الوسائط علشان يقعد في بيته". كما أنه اعتبر هزيمة العرب لإسرائيل مجرد أمنيات! كما سخر من انتصارات العرب السابقة، وشكك في انتصاراته الحالية، قائلاً: "الخطابة ديه بتحول انتصارات صغيرة إلى أمجاد، من سنة 56 عبد الناصر في سنة 56 كان مهزوم قال لك انتصر عبد الناصر، صدام سنة 90، الوضع الحالي بتتصور إنه للأسف زي ما بتقول الصحافة الأميركية العرب بيتصوروا أنهم منتصرين في الوضع الحالي رغم الكوارث اللي بيحصلها .. اللي بيعملها جيش الاحتلال الإسرائيلي". كذلك اتخذ من قضية فلسطين - على المستوى الشعبي - مادة للسخرية، عندما بين أن الأنظمة العربية تركت هذه القضية بين يدي الشعوب من أجل اللهو بها في شكل مظاهرات وتجمعات من أجل الإلهاء والبعد عن الشئون الداخلية لهذه الأنظمة.
2 - الصفات الثقافية:
لم نلحظ - في حلقة (الاحتفال بذكرى الحملة الفرنسية على مصر) - شيئاً مُميزاً في حوار الدكتور عبد المنعم تليمة - المتحدث بالفصحى - نستنتج منه صفات تتطابق مع صفات نظرائه السابقين من متحدثي الفصحى، وربما مرجع ذلك هو تبنيه موقفاً ليس له، كما أوضحنا من قبل. أما الدكتورة ليلى عنان - المتحدثة بالعامية - فلوحظ أنها تطعن طعناً خفياً في المقدسات، عندما اعتبرت مجازاً - وعلى سبيل المثال - أن كتاب (وصف مصر) للحملة الفرنسية، يفوق القرآن والإنجيل، في قولها: " حأصدق إنه كتاب يفوق القرآن والإنجيل"!. كذلك وصفها - على سبيل المثال - أن طه حسين من الأنبياء، في قولها ساخرة: " مع شديد احترامي لطه حسين ثقافتي الفرنسية تخليني أنظر له نظرة نقدية ونظراً لأنه لم يصلني حتى الآن إنه من الأنبياء فكلامه مش معناه إنه غير معصوم".
وفي حلقة (اللغة العربية)، لاحظنا أن العامي الدكتور رفيق روحانة يُشيد بإسرائيل بأنها أفضل من العرب في لغتها العبرية؛ لأنها تكتب مثلما تتحدث، أما العرب فيتحدثون خلافاً لما يكتبون. كما أنه عدّ إسرائيل دولة من دول المنطقة، مما يُشتم منه ميله إلى التطبيع. كما اتصف بالسخرية المرفوضة، عندما سخر من قدسية اللغة العربية الفصيحة، في قوله: "موضوع قدسية اللغة بيضحكني اللي بيحكي بها الموضوع". كذلك نجده يطعن في لغة القرآن بصورة خفية، عندما جعل العامية حالياً أفضل في تطورها من لغة القرآن وقت نزوله، وذلك في قوله:" نحن باللغة اللي عم نحكيها اليوم متطورين أكتر من اللغة المكتوبة، بده يرجعني 1500 سنة لورا حتى أرجع أحكي مثل ما كنت أكتب هايدا تأخر". كذلك رفضه أن تكون لغة القرآن هي الرابط الوحيد بين العرب، والحافظة للدين الإسلامي. وأخيراً نجده يشعر بالحرج من موقفه، فنجده يحاول الثبات ظاهرياً أمام مناظره فيعترف اعترافاً غريباً قائلاً: " لا بأزور إسرائيل، ولا بأحب إسرائيل ولا بأحب صهيوني بها الكون، مع إني قلت بأحب الكفار"!
3 - الصفات السياسية:
من صفات زاهر الخطيب - الفصيح - في الحلقة السياسية (حزب الله.. فدائيون أم عملاء؟) أنه ضد التطبيع - وضد العدو الصهيوني - كما أنه حاد في إظهار الحق، ووصف مناظره بالمضلل، والانهزامي، والخائن. وفي مقابل ذلك نجد ممثلة العامية الدكتورة فاطمة سيد أحمد، تُظهر انهزاميتها، عندما شككت في قدرة حزب الله العسكرية في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائلية، وعندما نفت عن الحزب معرفته بأسلوب حرب العصابات، وليس لديه الكفاءة في خوضها، وعندما وصفت الحركة بأنها متشددة مما يجعلها حركة إرهابية. كذلك استخدمت الأسلوب الساخر المرفوض عندما قالت: "الشهيد ابن حسن نصر الله .. هل ابن حسن نصر الله على راسه ريشة .... ما هواش على راسه ريشة، وما هواش مواطن بشرطة يعني!!". كذلك أسلوبها المبتذل في إهانة مناظرها بقولها: " أنت اللي مضلل وأنت اللي مدفوع الأجر من حزب الله ..... أنت محامي مدفوع الأجر من حزب الله".
وفي حلقة (حركات المقاومة الإسلامية)، وجدنا العامي جبران تويني يدعو إلى التطبيع، والسلام مع إسرائيل في قوله: "أي خيار يريده الشعب الفلسطيني لفلسطين، هل هم مع تسوية مع إسرائيل؟ هل هم مع رفض كل مقررات وقرارات الأمم المتحدة؟ هل هم مع رفض الـ (242)، (338)؟ هل هم مع رفض أوسلو؟ أو هم بالنهاية مع نوع من التسوية الجديدة على أسس جديدة؟". كذلك اتصف بالانهزامية في قوله: " الحروب العربية، يعني الجيوش العربية طوال نصف قرن من تاريخ العالم العربي وقت ما بالنهاية صار في الاحتلال الإسرائيلي".
4 - الصفات القومية:
في الحلقة القومية (الصراع العربي الصهيوني)، وجدنا علي سالم - العامي - يدعو إلى التطبيع في قوله: "اللي عايز أقوله إن صراع الوجود هنا، هؤلاء موجودون، ونحن موجودون ولا يمكن ولن يسمح مخلوق على الأرض إن حد يُزيل الحد التاني مش هيحصل .... لا أحد سيسمح للعرب بتدمير إسرائيل وقتل إسرائيل، ولا أحد سيسمح لإسرائيل بقتل العرب، يبقى إحنا قدامنا موقف واقعي". وعندما أراد تعضيد دعوته إلى التطبيع، ذكر المثال المصري قائلاً: " مصر استفادت من السلام جداً جداً وتمكنت من أنها تمشى في خطة التنمية بتاعتها، وتمكنت إنها تمضي خطوات على طريق الحرية الاقتصادية والسياسية، ماكانش ممكن نحقق كل اللي حققناه من غير الوصول إلى سلام ". وبناءً على دعوته التطبيعية مع إسرائيل، كان لابد أن يتحدث بأسلوب انهزامي، عندما حقّر فكرة الحرب ضد إسرائيل، وأنها أقوى من العرب، وأن الحروب السابقة ضد إسرائيل، كانت فاشلة عربياً، ولابد لنا من السلام مع الأقوى. وقد اتضحت صفة السخرية في حديثه، عندما سخر من فكرة الجهاد في الإسلام في قوله: "إحنا نفهم في الجهاد بمعناه التدبيحي، وعلى حجج دينية!!". كذلك سخريته المرفوضة في قوله: "العاهرات اليهود بينزلوا ينقلوا الإيدز!! أنا عاوز أفهم هيموتوا كام شاب مصري؟!".
هذه الصفات وجدناها عند علي سالم مرة أخرى في حلقة (التطبيع مع إسرائيل)، حيث استمر في دعوته إلى التطبيع في قوله: " العلاقات هي علاقة مصلحة، بين الشعوب هي علاقات مصلحة، فإذا الناس لقت مصلحتها في التعاون مع إسرائيل حتتعاون". وقوله: "عدو سابق أصبح جار، وحارتبط معاه باتفاقيات حتوقع عليها قيادة سياسية". أما انهزاميته، فاتضحت في قوله:" الصراع المسلح لم يعد مطروحًا في المنطقة لأنه مكلف تمامًا".
5 - الصفات التاريخية:
في الموضوعات التاريخية لم نجد في المتحدث الفصيح غير الحدة أمام مناظره العامي. ففي حلقة (تقييم ثورة يوليو) وجدنا أحمد الجمال يقول في حدة: "سوف أعلمك كيف تتحدث في التاريخ". ثم يتشدد في الحدة قائلاً: "أنت نموذج للاهتراء الفكري". مقابل ذلك وجدنا العامي في حلقة (الخلافة العثمانية .. نعمة أم نقمة؟) يسخر من مناظره الفصيح قائلاً: "نضرب لك سلام .. نعملك تمثال".
ثالثاً : تحليل البيانات وتفسيرها
حديثنا السابق عن استشهادات وحُجج وصفات المناظرين، لم يكن حديثاً شاملاً عن جميع ما ورد في الحلقات العشر من هذه الاستشهادات، أو الحُجج، أو الصفات؛ بل ما ورد منها كان على سبيل المثال لا الحصر. والجدول التالي يُبين الحصر الدقيق لجميع هذه المواضع في الحلقات العشر بوصفها عينة الدراسة. ومن خلال بيانات هذا الجدول، والنماذج المختارة منها في حديثنا السابق، نستطيع أن نُجمل تحليل هذه البيانات، وتفسيرها في الملاحظات الآتية:
المتحدث بالفصحى | عدد | المتحدث بالعامية | عدد |
( الاستشهادات ) | المواضع | ( الاستشهادات ) | المواضع |
القرآن والحديث الشعر العربي التاريخ العربي والإسلامي ذكر الأعلام إحصاءيات وأرقام وأقوال | 25 4 8 13 9 | إسرائيل وأمريكا نماذج غربية الأمثال عامية تمثيل مضطرب أو هابط أو مبتذل تمثيل غير منطقي | 5 5 2 11 7 |
( الحُجج والأسانيد ) | ( الحُجج والأسانيد ) | ||
منطقية تفنيد حجج الخصم | 16 11 | (المكابرة): حق يُراد به باطل (المناورة): التفاف الأمر عند الإحراج الهروب أمام الحقاق | 13 15 6 |
( صفات المتحدث ) | ( صفات المتحدث ) | ||
ضد التطبيع يكظم غيظه الحدة أمام الخصم | 4 1 12 | مُطبع انهمزامي سخرية مرفوضة السباب الطعن في الإسلام والعادات والتقاليد التمسح في الإسلام عند الضرورة الثبات الظاهري | 10 14 7 2 15 2 7 |
( مشاركات الجمهور المؤيدة ) | ( مشاركات الجمهور المؤيدة ) | ||
العدد 41 | العدد 13 |
أ - تحليل الاستشهادات وتفسيرها
1 - لُوحظ أن المتحدث بالفصحى كثير الاستشهاد بآيات القرآن الكريم - 22 موضعاً - وبالحديث الشريف - 3 مواضع - مما يدل أن حفظه للقرآن، أسهم في سلامة نطقه الصحيح، والتزامه الفصحى. ومن الجدير بالذكر أن الآيات المذكورة، كانت مناسبة للموضوعات المطروحة، فأكثر مواضع الاستشهاد بالقرآن، كانت في موضوعات تتعلق بقضايا المرأة، وحركات المقاومة الإسلامية، والصراع العربي الصهيوني، والخلافة العثمانية .. إلخ، مما يدل على أن المتحدث بالفصحى - أثناء المناظرة الشفاهية - يمتلك القدرة على استحضار الآية المناسبة للموضوع المطروح. وفي مقابل ذلك لم نجد متحدثاً بالعامية يستشهد بالقرآن، مما يدل على عدم حفظه لبعض آياته، وبالتالي عدم سلامة لغته، ولهذا السبب يلجأ إلى العامية هرباً من إظهار عدم قدرته على النطق السليم.
2 - يمتلك المتحدث بالفصحى مخزوناً ثقافياً كبيراً من أحداث التاريخ العربي والإسلامي وأعلامهما. ففي الحلقات العشر وجدناه يستشهد - شفاهة - بوقائع تاريخية وإسلامية، مع ذكر أعلامهما - 21 موضعاً - مما يدل على سعة الاطلاع والقراءة. وفي مقابل ذلك لم نجد متحدثاً بالعامية استشهد بالتاريخ العربي والإسلامي، بل استشهد بإسرائيل وأمريكا والعالم الغربي - 10 مواضع - مما يدل على ضحالة ثقافته العربية الإسلامية، أو عدم رغبته في معرفتهما، لإيمانه الهش بالغرب.
3 - يستشهد المتحدث بالفصحى بالشعر العربي في مواضع قليلة، لأن استشهاده بالآيات القرآنية يأتي في المقام الأول، ولا ضرر من ذكر الشعر في المقام الثاني. وفي مقابل ذلك وجدنا بعض المتحدثين بالعامية يستشهدون بالأمثال العامية، لأنها تتفق مع لهجاتهم المستخدمة.
4 - لُوحظ أن المتحدث بالعامية يأتي في استشهاده بنماذج وأمثلة غير منطقية، أو مضطربة، أو هابطة المستوى، أو مبتذلة - 18 موضعاً - تتناسب مع لهجته العامية، وتعكس ثقافته الهشة، لأنها نماذج ارتجالية، يعتقد صاحبها أنها تستطيع الصمود أمام استشهاد الفصيح بآيات القرآن، أو السُنة، أو الشعر العربي، أو التاريخ العربي والإسلامي وأعلامهما.
ب - تحليل الحُجج وتفسيرها
5 - تميزت حُجج المتحدث بالفصحى بالمنطقية - 16 موضعاً - لاعتمادها معطيات: قرآنية، وشعرية، وتاريخية .. إلخ. وفي المقابل وجدنا حُجج العامي مُغلفة بالمكابرة، حيث يُشتم من ظاهرها الحق، وينضح الباطل من باطنها - 13 موضعاً - لاعتمادها معطيات: إسرائيلية، وأمريكية، وغربية .. إلخ.
6 - يلتزم المتحدث بالعامية أسلوب المناورة - 15 موضعاً - منهجاً في مناظرته الشفاهية أمام الفصيح، حيث يلتف العامي كثيراً حول الأمر، عندما يشعر بالإحراج أمام حُجج مناظره القوية، أو يتخذ الهرب - بعبارات مقتضبة سريعة - وسيلة أمام منافسه - 6 مواضع - عندما يشعر بتأزم الموقف. وفي مقابل ذلك يمتاز المتحدث بالفصحى بقدرته على تفنيد حُجج خصمه العامي - 11 موضعاً - تفنيداً مقنعاً، مستنداً على شواهد قوية.
ج - تحليل الصفات وتفسيرها
7 - يمتاز المتحدث بالفصحى بمواقفه الوطنية ضد التطبيع، وضد العدو الصهيوني بناءً على ثقافته العربية الإسلامية التاريخية. وفي مقابل ذلك نجد المتحدث بالعامية ميالاً إلى التطبيع تصريحاً أو تلميحاً - 10 مواضع - بناء على أسانيده واستشهاداته المعتمدة إسرائيل وأمريكا والغرب نماذج أصيلة في مناظراته.
8 - يتصف المتحدث بالفصحى بالحدة في القول - 12 موضعاً - أمام العامي، بناءً على قوة الحجة والسند، ومقابل ذلك نجد العامي يسخر ويتهكم - 7 مواضع - من منافسه الفصيح، عندما يشعر بالعجز أمامه، بل ويصل الأمر إلى السباب - موضعان - في حالات نادرة.
9 - كثيراً ما يتحدث العامي بروح انهزامية في مناظرته - 14 موضعاً - وهذا الأمر مرجعه شواهده المستندة على النماذج الإسرائيلية والأمريكية والغربية.
10 - لُوحظ أن المتحدث بالعامية كثيراً ما يطعن - صراحة أو تضميناً - في المقدسات والعادات والتقاليد العربية الإسلامية - 15 موضعاً - وهذا راجع إلى عدة عوامل، منها: عدم حفظه لآيات من القرآن، وعدم ثقافته الدينية، أو التاريخية العربية، ونظرته إلى الغرب بوصفه النموذج الأمثل. والطريف أنه يلجأ إلى التمسح بالإسلام، عندما يشعر بأن هذا الطعن سيؤخذ عليه، أثناء المناظرة.
11 – كثيراً ما يُطبق المتحدث بالعامية مقولة (خالف تُعرف)! فإذا كان العرب والمسلمون أجمعوا على أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها، وهو أمر أقرّه المتحدث بالفصحى، نجد العامي يخالف هذا الإجماع! وإذا كان الفصيح - مُمثلاً لآراء الكثرة - عدّ (حزب الله) من الفدائيين، فالعامي خالف ذلك وعدّه عمالة! وإذا كان الإجماع – مُمثلاً في المتحدث بالفصحى – أقرّ بأحقية العرب في صراعهم مع العدو الصهيوني، فإن العامي خالف هذا الأمر! وإذا كانت الشعوب العربية – ممثلة في الفصيح – لا ترضى بالتطبيع، فإن العامي يروج له بقوة! وهكذا يتضح أن المتحدث بالعامية، هو نموذج للخروج على الإجماع.
12 - كان تأثير المتحدث بالفصحى في المشاهدين، أكثر وقعاً وإقناعاً - 41 مؤيداً - من تأثير المتحدث بالعامية - 13 مؤيداً - مما يدل على أن الفصحى هي أفضل وسيلة في الإقناع عن طريق المناظرة الشفاهية.
رابعاً : النتائج
يجب الإشارة إلى أن النتائج الآتية، هي نتائج خاصة بالمناظرة الشفاهية بين متحدثين: أحدهما بالفصحى، والآخر بالعامية. وبناءً على ذلك لا يصح تطبيق هذه النتائج على مناظرة بين فصيحين، أو عاميين. كما لا يصح اعتبارها نتائج نهائية، تُطبق على المتحدث وحده. وبمعنى آخر لا يُشترط أن تُطبق هذه النتائج على أي متحدث بالعامية من المذكورين في حلقات عينة الدراسة بصورة مطلقة منفردة؛ لأن هذا المتحدث من الممكن أن يتحدث بالفصحى في ندوة مستقلة، أو في مؤتمر، أو في حديث تلفزيوني .. إلخ، شريطة أن يكون هو المتحدث الأوحد، أو المتحدث المنفرد. ففي هذه الحالة لا يصح تطبيق نتائج هذه الدراسة عليه؛ ولكن يصح تطبيقها في حالة وضع هذا المتحدث في مناظرة شفاهية أمام متحدث بالفصحى. فمن المؤكد أن المتحدث بالعامية، عندما يدخل في مناظرة كتابية - معركة أدبية أو ثقافية مكتوبة - سيكتب بالفصحى، لا سيما أن أكثر المتحدثين بالعامية - في عينة الدراسة - أساتذة في الجامعات، وكُتّاب، وأدباء أغلب إنتاجهم العلمي والإبداعي والأدبي، والثقافي مكتوب بالفصحى!!
وبناءً على ما سبق، توصلت دراسة حلقات برنامج (الاتجاه المعاكس) - وفق العينة المحددة - من خلال أسلوب المناظرة الشفاهية، بين متحدثين: أحدهما بالفصحى، والآخر بالعامية .. توصلت الدراسة إلى النتائج الآتية:
1 - المتحدث بالفصحى يستشهد في مناظرته الشفاهية - أمام نظيره العامي - بالقرآن، والسُنة، والشعر العربي، والتاريخ الإسلامي والعربي، وأعلام العرب والمسلمين.
2 - المتحدث بالعامية يستشهد في مناظرته الشفاهية - أمام نظيره الفصيح - بإسرائيل، وأمريكا، والعالم الغربي، وبالأمثال العامية، ويأتي بأمثلة غير منطقية، أو مضطربة، أو هابطة المستوى، أو مبتذلة.
3 - المتحدث بالفصحى يأتي بحجج منطقية قوية الأسانيد، بينما يأتي المتحدث بالعامية بحجج باطلة، يُكابر في إثباتها، لاوياً عنق الحقيقة في أكثرها، ينجح الفصيح في تفنيدها بسهولة ومنطق مقبولين.
4 - المتحدث بالفصحى ضد التطبيع، بينما العامي يروج له تصريحاً أو تلميحاً.
5 - المتحدث بالفصحى يلتزم الحدة في الحوار، بينما العامي يلجأ إلى السخرية والسباب.
6 - المتحدث بالعامية يكون انهزامياً في أقواله، طاعناً - صراحة أو تلميحاً - في المقدسات الدينية، ساخراً متهكماً من العادات العربية الأصيلة وتقاليدها، متمسحاً بالإسلام عند الضرورة.
7 – المتحدث بالفصحى دائماً يتحدث بلسان الجميع، مُعبراً عن وجدانه، بينما المتحدث بالعامية يكون مخالفاً للإجماع، مُطبقاً مقولة (خالف تُعرف).
8 - المشاهد عادة ما يقتنع بأقوال المتحدث بالفصحى فيؤيده، أكثر من تأييده للمتحدث بالعامية، رافضاً أقواله وحججه الضعيفة.
خامساً : التوصيات
من خلال ما تكشف لنا من دراسة هذا الموضوع، نوصي بإجراء دراسات أخرى، أو مساندة، تتمثل في الآتي:
1 – دراسة عينة من حلقات برنامج (الاتجاه المعاكس)، بحيث يكون المناظران يتحدثان بالفصحى؛ للوقوف على نوعية استشهادهما، وحججهما، وصفاتهما أثناء المناظرة الشفاهية. وهل نتائج دراستنا، ستتوافق مع نتائج الدراسة الجديدة، فيما يتعلق بالمتحدث بالفصحى؟!
2 – دراسة عينة من حلقات برنامج (الاتجاه المعاكس)، بحيث يكون المناظران يتحدثان بالعامية؛ للوقوف على نوعية استشهادهما، وحججهما، وصفاتهما أثناء المناظرة الشفاهية. وهل نتائج دراستنا، ستتوافق مع نتائج الدراسة الجديدة، فيما يتعلق بالمتحدث بالعامية؟!
3 – دراسة مستقلة عن دور مُقدم البرنامج – د.فيصل القاسم – في إثارة المواقف بين المناظرَين، وهل تدخله يؤثر في أسلوب المتحدث – في استشهاده أو حججه – وفي إظهار صفاته الخفية؟!
4 – دراسة مشابهة، تستكمل حلقات السنوات الخمس الأخرى (2003-2008م)، ومقارنة نتائجها بنتائج الدراسة الحالية.
5 – دراسات موسعة، تشمل جميع حلقات الموضوع الواحد. فعلى سبيل المثال سنجد عشرات – وربما المئات – من الحلقات السياسية، فإذا دُرست هذه الحلقات على حدة، هل ستختلف نتائجها عن نتائج دراستنا؟!
5 – دراسة ميدانية، تتبع الحلقات القادمة، وتتحقق من صحة نتائج الدراسة.
6 – سؤال يُطرح على الدكتور فيصل القاسم مُقدم البرنامج: هل سيستفيد من نتائج هذه الدراسة في اختيار ضيوف حلقاته القادمة؟
الهوامش
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=126166
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=125259
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=90603
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89859
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89769
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89835
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89856
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89136
http://www.aljazeera.net/channel/archive/archive?ArchiveId=89985
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق