وثائق المسرح الكويتي
(الحلقة الأولى)
تشكيل فرقة التمثيل العربي سنة 1961م
الأستاذ الدكتور/ سيد علي إسماعيل
ــــــــــــــ
تمهيد :
سيتبادر إلى ذهن القارئ – لأول وهلة – عندما يقرأ عنوان هذه المقالة؛ أنني سأتحدث عن المسرح في الكويت بما هو معروف عنه! أو أنني سأقتبس من كتابات السابقين عدة حلقات عن تاريخ المسرح الكويتي! وحقيقة الأمر تحتم الإجابة بـ(نعم)، وأيضاً بـ(لا)!! فنعم؛ لأنني سأتحدث عن المسرح في الكويت منذ بدايته؛ بداية علمية منهجية في ستينيات القرن الماضي. و(لا)؛ لأنني لن أتحدث عن بدايات المسرح الكويتي، تبعاً لما هو معروف بصفة عامة؛ بل سأتحدث عنه من خلال مجموعة من الوثائق (غير المنشورة)، والتي توثيق للحركة المسرحية في الكويت طوال عشر سنوات (1961-1971م). ولن أكتفي بذكر بعض نصوص الوثائق وصورها، أو فحوى البعض الآخر؛ بل سأقوم بتفسير ما بين سطورها من حقائق منسية، وأمور فنية بصورة تحليلية، تجعل القارئ يُعيد التفكير في قيمة هذه الوثائق مرة أخرى.
وربما يسأل القارئ: ما قيمة هذه الوثائق الآن، وقد مرّ على كتابتها ما يقرب من نصف قرن؟! سأجيب على ذلك: بأن قيمة هذه الوثائق في معلوماتها المجهولة لشباب الجيل الحالي، ومن المؤكد أنها معلومات مجهولة لشباب المستقبل؛ وقيمة المعرفة لا تُقدر بثمن. إذن الهدف الأول من نشر هذه الوثائق، هو هدف معرفي مطلوب للأجيال، خصوصاً إذا كانت المعلومات في هذه الوثائق سيستثمرها الباحثون في كتاباتهم. أما القيمة الثانية لهذه الوثائق، فتتمثل في أنها تخصّ القادة والمفكرين والمؤسسين للحركة المسرحية في الكويت على أساس علمي منهجي، أمثال: حمد عيسى الرجيب، وأحمد مشاري العدواني، وعبد العزيز الصرعاوي، ومحمد عبد الله الفهد، وعبد الرزاق البصير، وزكي طليمات، وغيرهم. وهذا يعني أننا سنقرأ أفكارهم وتخطيطاتهم في سبيل تكوين حركة مسرحية كويتية؛ تكون نبراساً للمسرح في دول الخليج، والدول العربية. وربما إعادة قراءة وثائقهم، يُنير لنا الطريق الآن! وربما يُستفاد مما فيها من أمور كُنّا نجهلها، ناهيك عما بها من أفكار ومشاريع وتخطيطات لم تتم في حينها، وحان الوقت لإحيائها، أو التفكير في تنفيذها! وبذلك يتضح الهدف الثاني لنشر هذه الوثائق؛ بأنه هدف مهاري، يتمثل في الاستفادة من فكر السابقين، ومن ثم تطويعه لنستخلص منه فكراً جديداً. أما الهدف الثالث والأخير، فيتمثل في الهدف الوجداني، وهو الإشادة بدور الأوائل من الرواد والعاملين في الحركة المسرحية الكويتية، وهذا أقل شيء يُقدم إليهم، لتظل أسماؤهم مضاءة في سماء تاريخ المسرح الخليجي والعربي.
والسؤال الأخير، الذي يودّ القارئ طرحه في استحياء: من أين لي بهذه الوثائق غير المنشورة؟ والإجابة تتمثل في قصة قصيرة، مفادها: أنني سافرت إلى الكويت في إعارة للعمل في المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت - أواخر عام 1997م - وبعد عدة أشهر، سلمني عميد المعهد خطاباً رسمياً، كلفني فيه بتأليف كتاب عن تاريخ المعهد – بمناسبة يوبيله الفضي – وسعدت بهذا التكليف، وبدأت في عمل الكتاب، وانتهيت منه تقريباً في صيف العام الدراسي التالي 1998/1999م. وقبل تسليمه – وقبل سفري إلى القاهرة لقضاء أجازة الصيف – تقابلت مع الأستاذ (جابر العنزي) – أحد أقطاب إدارة المسرح الثلاثة مع الأستاذين: حمد الرقعي، وفالح المطيري - بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، وكان طالباً في السنة النهائية عندما عملت في المعهد، وتوطدت الصداقة بيننا فيما بعد، وعندما قابلته سألني: هل انتهيت من تأليف كتاب المعهد؟ فقلت له : الحمد لله. فقال: ألا يمكن أن تزيد عليه صفحة أو صفحتين؟ فقلت له: لا يمكن .. فقد أنهيته. وقبل أن ينصرف، سألته: لماذا تسأل؟ قال: بالأمس نزلت إلى سرداب الإدارة؛ لإلقاء بعض الأشياء غير المهمة، فلصقت بحذائي ورقة، وعندما انتزعتها رأيت توقيع (زكي طليمات) أسفلها، وعندما رأيت تاريخها، وجدته في الستينيات!! فأوقفته عن الكلام – من شدة فرحتي - وقلت له سأكون عندك صباحاً، وسيكون معي خطاب رسمي للبحث في هذا السرداب. وفي الصباح توجهت إليه بالخطاب، الذي سلمه إلى الفنان (محمد المنصور) – مدير الإدارة وقتذاك - فرحب بالأمر، ونزلت إلى السرداب مع جابر العنزي؛ لأجد أكواماً هائلة من الأوراق المتهالكة والملفات الممزقة؛ وقرأ جابر العنزي سؤالاً لم أطرحه، فأجاب من تلقاء نفسه: إن هذا الركام من نتائج الغزو العراقي على المؤسسات الحكومية، ويجب التخلص من هذا الركام. فطلبت منه أن يبقيني في هذا السرداب ويمرّ عليّ في نهاية توقيت العمل الرسمي. فقال: كيف هذا؟! السرداب (بدروم) في باطن الأرض، ولا يوجد مكيفات ولا مراوح، ونحن في نهاية شهر يوليو!! كيف ستتحمل العمل ست ساعات، لتبحث في هذه الأكوام في هذا الجو الخانق المميت؟! قلت له: أنا أسعد الناس بهذا. فتركني مع جنوني وانصرف. وبالفعل مكثت في هذا الجو الخانق ست ساعات أبحث وأنقب عن أية وثيقة تُفيد الكتاب، والحمد لله أن تعبي لم يذهب سدى، فقد حصلت على وثائق ما كنت أحلم بوجودها، ومن ثم عكفت على دراستها أشهر الصيف، وأعدت صياغة كتاب المعهد مرة أخرى. ومع بداية الدراسة سلمت مخطوطة الكتاب إلى عميد المعهد، وأنا أُمنيّ النفس بتقدير غير مسبوق؛ ولكن للأسف الشديد لم يوافق العميد على نشره – لأسباب لا داعي لذكرها - فقمت بنشره على نفقتي الخاصة في الكويت عام 1999م.
والجدير بالذكر إن الوثائق المنشورة في كتاب المعهد، ما هي إلا نسبة ضئيلة من الوثائق الأخرى، التي مازالت معي، وكنت أعدّ العدة لنشرها في كتاب مستقل، ولكن ظروف مؤلفاتي الأخرى لم تتح لي وقتاً للشروع في نشر هذه الوثائق؛ وعندما طلبت مني إدارة مجلة (كوليس) كتابة بعض الموضوعات، طرحت عليها مشروع نشر هذه الوثائق في عدة مقالات، تُنشر في حلقات متتابعة، فوافقت الإدارة مشكورة على هذا المشروع، الذي يبدأ بهذه المقالة. وربما مرور أكثر من عشر سنوات على تعاملي مع هذه الوثائق، وقراءتها أكثر من مرة، وكتاباتي في مجال المسرح العربي، وعملي في جامعة الإمارات العربية أربع سنوات، واتصالي بالمسرحيين في الإمارات، أمثال: عمر غباش، وحبيب غلوم، ومحمود أبوالعباس، ويحيى الحاج، وعملي في جامعة قطر لمدة ثلاث سنوات، وارتباطي برموزها المسرحية والنقدية، أمثال: موسى زينل، وحمد الرميحي، وغانم السليطي، ود.حسن رشيد، وحسن حسين، واشتراكي في ندوات مهرجان الكويت المسرحي وفعالياته لأكثر من ثلاث دورات، ومهرجان مسرح دول الخليج العربي الأخير، ومهرجان دمشق المسرحي .. كل هذا – ربما - يجعلني مؤهلاً لأن أشرح الوثائق – موضوع هذه المقالات – وأحللها تحليلاً علمياً، بغية تحقيق أهدافها المتوخاة: المعرفية، والمهارية، والوجدانية.
المنهج المتبع :
قبل الولوج إلى نشر الوثائق وتحليلها، يجب الإشارة إلى المنهج المتبع، والمتمثل في: أولاً، نشر الوثيقة بنصها الأصلي، مع إرفاق صورتها؛ ولكن أية وثيقة سنعتمدها في حلقاتنا؟ الحقيقة أن الوثائق تبلغ المئات! ومن غير المعقول نشرها، مهما بغلت الحلقات في عددها؛ لذلك سنعتمد على الوثائق الشاملة، التي تؤرخ للحركة المسرحية – أو للموضوع الواحد – بصفة إجمالية. أي سنعتمد على التقرير النهائي للموضوع المعني، أو التقرير الشامل للموسم المسرحي ... وهكذا. بحيث إن كل تقرير يتم تفسيره وشرحه والتعليق عليه، بواسطة الوثائق الفرعية التي تبين بعض أجزائه، كما سنرى. وقبل الشروع في ذكر نص الوثيقة، سنمهد لموضوعها بمقدمة تبين موقعها تاريخياً من الحركة المسرحية في الكويت، من خلال الاستعانة بما نشرته الصحافة الكويتية في حينها؛ لتكون خلفية فكرية للقارئ؛ يستطيع من خلالها تتبع الموضوع، ومن ثم تتبع الحلقات القادمة، ذات الصلة بالموضوع السابق أو اللاحق. وبذلك يخرج القارئ في نهاية الحلقات بتكوين فكرة عامة وشاملة عن حركة المسرح في الكويت، ويستطيع كذلك أن يبني أفكاره ودراساته ومعارفه على ما استفاده من هذه الوثائق، وتقديره لقيمتها، وبذلك نحقق أهدافنا سالفة الذكر.
تقديم للوثيقة:
من المعروف أن دائرة الشئون الاجتماعية والعمل في الكويت استدعت (زكي طليمات) في مارس 1958م؛ لتقييم النشاط الفني بالكويت؛ فكتب تقريره الشهير - المنشور في كتاب خالد سعود الزيد (المسرح في الكويت: مقالات ووثائق) سنة 1983م - وهذا التقرير اشتمل على مظاهر النشاط الفني في الكويت في هذه الفترة، إضافة إلى مقترحات طليمات في تدعيمه، والارتقاء به. والجديد في هذا الأمر، أن زكي طليمات سجل ذكرياته على أشرطة (كاسيت) عام 1978م - مازالت محفوظة في المركز القومي للمسرح بالقاهرة، ولم تُنشر حتى الآن – قال فيها عن زيارته الأولى إلى الكويت: "لفت نظري أن الشعب الكويتي شعب نشيط، وله رغبة شديدة في التعلم، إضافة إلى إمكانياته المادية. وهذه الأمور هي الشروط الواجب توافرها في أي شعب يريد أن ينهض، ويواكب الحضارة". وفي موضع آخر قال: "أهم شيء في الشعب الكويتي أنه لا يتكلم كثيراً، بقدر ما يعمل، فهو شعب نشط؛ لأنه في أعماقه يريد أن يفعل شيئاً، يريد أن يكسر الحواجز للخروج إلى النور، لديه الرغبة في العمل الذي يؤدي إلى التطور".
وكان من أثر تقرير طليمات – إضافة إلى رأيه في الشعب الكويتي - أن التفتت وسائل الإعلام الكويتية – وبالأخص المطبوعة – إلى المسرح وأهميته. فمجلة العربي – في عددها الأول ديسمبر 1958م – نشرت مقالة بعنوان "المسرح العربي في خطر"؛ اختتمها كاتبها (أنور أحمد) بقوله : "المسرح مرآة تعكس نهضة الشعوب، وأداة ضخمة للتثقيف والترفيه وتهذيب النفوس. فمن واجبنا أن نبذل الجهود ليكون لنا مسرح جدير بوثبتنا الحاضرة، ومستقبلنا المأمول". وهذا القول يتفق مع مقترحات طليمات في تقريره، ويؤكد رأيه في الشعب الكويتي، الذي بدأ يعيّ أهمية المسرح، ويسعى في إيجاده بصورة تتناسب مع نهضة الكويت الثقافية. وفي العدد الثاني من مجلة (العربي) – يناير 1959م – يطلّ علينا زكي طليمات في مقالته (تطور رائع في التمثيل العربي)، متحدثاً عن تاريخ دخول المرأة العربية مجال التمثيل المسرحي، وفي ختامها قال : ".. هكذا تغير المفهوم القديم لفن التمثيل العربي، وصار عنوانه اليوم فن تعليم الجماهير والارتقاء بنظرتهم إلى الحياة في الحاضر وفي المستقبل ...... ولم يعد الممثل العربي رازحاً تحت أثقال المهانة والازدراء .. إنه يرفع الرأس عالياً بثقافته وبعلمه وبفنه". وكأنه بهذه الكلمات، يُمهد لمهمته المسرحية، التي ستنطلق في الكويت، وفقاً لمفهوم المسرح العلمي.
ظل المسئولون في الكويت يتدارسون مقترحات تقرير طليمات ثلاث سنوات، وفي أبريل 1961م، قرروا البدء في تنفيذها، وبدأت جريدة (الرسالة) الكويتية تتابع هذا الأمر، قائلة – في عددها الأول بتاريخ 6/4/1961 – تحت عنوان (أخبار قصيرة): "ستكون للكويت في وقت قريب فرقة فنية للتمثيل والموسيقى، استدعت دائرة الشئون الاجتماعية زكي طليمات للإشراف على تكوين الفرقة". وهذا الخبر نشرته الجريدة قبل قدوم طليمات إلى الكويت، حيث نشرت في عددها الثالث – في 20/4/1961 – خبر قدومه إلى الكويت بعد أيام. وبعد قدومه نشرت – في عددها الخامس 4/5/1961 - حواراً معه تحت عنوان (زكي طليمات يقول: الكويت مشوق إلى التعبير عن ذاتيته). وفي هذا الحوار أبان طليمات عن غرض استقدامه، المتمثل في تنفيذ توجيهات سعادة الشيخ صباح الأحمد رئيس دائرة الشئون الاجتماعية – وقتذاك - في تكوين فرقة مسرحية تُقدم مسرحيات عربية باللسان الفصيح؛ من أجل إحياء أمجاد العروبة، واستخلاص العبر منها. وهنا طرح عليه الصحفي سؤالاً مهماً، قال فيه: "ما مصير المسرح الشعبي إذا أنشأت فرقة للتمثيل العربي؟" والمقصود هنا (فرقة المسرح الشعبي) - التي كانت تعمل بقيادة (محمد النشمي) منذ عام 1956 قبل قدوم طليمات – فأجاب زكي قائلاً: "مصيره [أي المسرح الشعبي] الانتعاش ولا شك؛ لأن إنشاء فرقة المسرح العربي ستعمق من وعي الجمهور، ومتى تعمق وعي الجمهور ازداد إقباله على حفلات المسرح الشعبي وغيره من المسارح التي قد تقوم بعد ذلك. إن مهمة المسرح الشعبي هي معالجة مجريات الأحوال من الواقع في الحياة الجارية؛ ابتغاء إحياء التقاليد الكويتية العربية الأصيلة وتطويرها والتخلص من الزائف منها، لإيجاد حياة أفضل لمستقبل الأجيال القادمة. فليست مهمته والحالة هذه ما يمكن أن تقوم به فرقة التمثيل العربي". ومن خلال هذا القول، نعلم أن طليمات على وعي تام بمهمة فرقة المسرح الشعبي، وأن تكوينه للفرقة الجديدة لا يعني الاستغناء عن فرقة المسرح الشعبي، بل ستكون فرقته مكملة لها؛ تحقيقاً للنهضة المسرحية الكويتية المنشودة. هذا بالإضافة إلى توقعه بأن عدة فرق مسرحية كويتية ستتكوّن في المستقبل، وهو الأمر الذي سيتحقق بالفعل، كما سنرى.
وبدأت مهمة زكي طليمات في تكوين فرقته الجديدة، ومن الواضح أن مهمة اختيار عناصر الفرقة كانت مهمة صعبة، فجريدة الرسالة – في عددها السادس 11/5/1961 – تطالعنا بخبر يقول: إن "الممثلة المصرية زوزو حمدي الحكيم وصلت إلى الكويت بدعوة من دائرة الشئون الاجتماعية لتعمل مع فرقة المسرح الكويتي التي يشرف عليها طليمات". والمقصود بعبارة (فرقة المسرح الكويتي) أي الفرقة الكويتية المزمع تكوينها، وصفة الكويتي هنا المقصود بها انتساب الفرقة إلى الدولة، وليس المقصود بها (فرقة المسرح الكويتي)، التي تأسست فيما بعد عام 1964م. وكنا نظن أن الجريدة ستطالعنا باسم لممثلة كويتية لا مصرية. ومرّت عدة أشهر وطليمات مازال يبحث عن ممثلين، حتى صدر قرار إنشاء فرقة المسرح العربي في 10/10/1961. أي أن الفرقة تم إنشاؤها من غير وجود فعلي لها، أو لأعضائها! ورغم ذلك لم ييأس طليمات، وظل يبحث حتى أخبرتنا جريدة الرسالة – في عدد 25 بتاريخ 19/11/1961 – بأن "الأستاذ زكي طليمات اختار الآنسة أمل جعفر الطالبة بالثانوية مذيعة في التلفزيون، ومازال الأستاذ زكي يبحث عن وجوه جديدة". وهذا الخبر يؤكد أن البحث مازال مستمراً، وربما (أمل جعفر) كانت من المتقدمين للتمثيل، فوجدها طليمات أصلح للإذاعة، أو أن طليمات كان ضمن لجنة اختيار المذيعات في ذلك الوقت.
وبعد أيام قليلة؛ نجد الصحافة الكويتية تتحدث عن فرقة التمثيل العربية، وعن ممثليها، وعن نيتها في تمثيل أول عرض لها بمسرح ثانوية الشويخ، وكأن القدر استجاب لطليمات أخيراً، وأن فرقته سترى النور. وهذه الأمور معروفة تاريخياً، ولكن المجهول لنا تماماً، هو كيف اختار طليمات أعضاء فرقته؟ ومن هم الممثلون، الذين شكلوا النواة الأولى لفرقته؟ وكيف اختبرهم وانتقاهم دون سواهم؟ وما هي خطته كي يستمروا في التمثيل؟ وما هو تصوره لتطويرهم فنياً وعلمياً؟ كل هذه الأسئلة ستجيب عنها الوثيقة التالية – موضوع المقالة – وهي تقرير مرفق بخطاب من زكي طليمات إلى الأستاذ حمد عيسى الرجيب - مدير دائرة الشئون الاجتماعية والعمل – مؤرخة في 22/11/1961، ونصها يقول:
تقرير
بشأن تشكيل فرقة التمثيل العربي
فيما يلي بيان بالخطوات التي اتخذت لاختيار أعضاء التمثيل العربي، وما انتهت إليه هذه الخطوات:-
أولاً: شكلت لجنة لاختيار أعضاء الفرقة مؤلفة من الأستاذين محمد النشمي، ومحمد همام الهاشمي، وأنا.
ثانياً: عقدت اللجنة أولى جلساتها يوم الخميس 2 نوفمبر 1961م في تمام الساعة الخامسة مساء بمركز رعاية الفنون الشعبية، وقد سبق هذا الاجتماع أن أذاعت دار الإذاعة الكويتية بياناً قصيراً تدعو فيه الشباب الكويتي من هواة المسرح إلى أن يتقدموا للانخراط في الفرقة. وكان عدد المتقدمين دون الأمل المرجو، إذ لوحظ أن هذه الإذاعات لم تحقق الغرض المقصود منها، نظراً لقلة عدد مراتها واقتضاب عباراتها، فاتخذت اللجنة خطوات أخرى وذلك عن طريق الصحف الأسبوعية والإعلانات في دور السينما والتليفزيون وقد أثمرت هذه الوسائل وتوافد شباب من مختلف المستويات للمثول أمام لجنة الاختبار فبلغ عددهم حوالي 150 مائة وخمسون.
ولو أن البيانات التي أذيعت على الجمهور، تضمنت ما يشير إلى أنه سيكون للمنتظمين نهائياً بالفرقة، مكافآت مالية، لتضاعف عدد المتقدمين.
ثالثاً: وتولت اللجنة اختبار المتقدمين لمعرفة صلاحيتهم للعمل بالفرقة العربية، وذلك في جلسات عددها عشر فيما بين 2، 23 نوفمبر 1961، وكان في الإمكان أن يقل عدد هذه الجلسات وأن تنتهي اللجنة من عملها في أقصر وقت، لو أن المتقدمين في أكثريتهم تقدموا إلى الاختبار وهم يحفظون مقطوعات يؤدونها. فكان لزاماً على اللجنة أن تمنح هؤلاء المتقدمين فرصاً متعددة للاستعداد للأختبار.
رابعاً: وقد أخذت اللجنة في الحكم على المتقدمين، بأن أعلت تعمقهم في الانفعال بما يؤدونه إلقاءً وتمثيلاً، على أسلوب الأداء نفسه، من حيث جهارة الصوت وتمحيص الحروف وسلامة النطق.
وأجرت اللجنة تقسيم المتقدمين من حيث درجة الإجادة، إلى أربعة أقسام:- جيد، فوق المتوسط، ومتوسط، ثم دون المتوسط.
فإذا عدد القسم الأول 14 بينهم 8 من الكويتيين.
وعدد القسم الثاني 17 بينهم 12 من الكويتيين.
وعدد القسم الثالث 19 بينهم 8 من الكويتيين.
وبهذا بلغ مجموعهم 49
خامساً: ثم رأت اللجنة أن تجري تصفية بين من جاءت أسماؤهم في الأقسام الثلاثة الأولى، لاختيار الأجود، وذلك بالجمع بين المستويات كلها في صعيد واحد وفي وقت واحد.
وانتهت اللجنة إلى اختيار 44 شخصاً ستقدم اللجنة بياناً بأسمائهم وبالوظائف التي يشغلونها.
سادساً: إلا أن اللجنة ترى أن لا يقتصر عدد أفراد الفرقة على هذا العدد، بل يتجاوزه إلى عدد آخر يجيء ممن يليهم في المرتبة التي حصلوا عليها عن طريق الاختبار، أو ممن عسى أن ينضم إلى الفرقة من عناصر جديدة. وذلك للأسباب الآتية:-
1 - أن تتاح فرصة التعلم والتثقف بفنون التمثيل نظراً وممارساً، لأكبر عدد من هواة المسرح، باعتبار أن التدريبات على ما ستقدمه الفرقة من مسرحيات، تؤلف دراسات في فنون المسرح، وبهذا يحقق إنشاء فرقة التمثيل العربي غرضين في آن واحد: تقديم مسرحيات رفيعة تحيّ أمجاد العروبة وتعمل على إيجاد وعي فني، ثم إحياء دراسات في فنون المسرح على نطاق لا بأس به.
2 - وجود احتياطي من الممثلين ضماناً لانتظام سير العمل وحسن المواظبة على حضور جلسات التدريب.
3 - أن يكون لكل ممثل في دوره بالمسرحية (بديل) يقوم مكانه في حالة ما إذا تخلف لسبب من الأسباب.
سابعاً: وتترك اللجنة للدائرة تقدير المكافآت المالية التي تمنحها لأعضاء الفرقة، إلا إنها توصي بأن تكون هذه المكافآت مجزية، تُرغب في الاستمرار بالعمل بالفرقة، وتتفق والجهود التي يبذلها أعضاؤها.
ثامناً: وتقترح اللجنة في هذا الصدد أن يوضع حد أدنى لهذه المكافآت، وحد أقصى، وفيما بينهما تحدد مكافأة كل عضو، تبعاً لكفايته ومبلغ حرصه على الانتظام في العمل هذا، في ترقب أن تسفر عن نجاح هذه التجربة، تجربة إنشاء مسرح عربي تتوافر فيه المقومات الفنية السليمة، ويكون منبراً لما تعالجه الأقلام العربية في شئون الحياة عن طريق فن التمثيل.
فإذا نجحت هذه التجربة النجاح النسبي الذي يتفق والحقيقة، وهي أن هذه التجربة هي الأولى من نوعها في الكويت، إذا تم هذا أعيد تنظيم هذه الفرقة على وجه آخر، أهم ما فيه أن ينقطع أعضاء الفرقة للعمل بالمسرح، وأن يتوفروا عليه بكل وقتهم وهمهم، إذ لا يخفى أن الأعضاء المختارين بعد الاختبار، يشغلون وظائف في الدوائر المختلفة أو في مرافق أخرى لكسب العيش.
إذا تم هذا، أصبح فن التمثيل مرفقاً حيوياً للاحتراف، وبهذا يدخل المسرح الكويتي المرحلة الحاسمة في سبيل تأصيله وقيامه على الوجه الصحيح.
فإذا وافقتم على ما تقدم ذكره، فسنبدأ التدريبات الأولى على مسرحية (صقر قريش) بما بين أيدينا من العناصر المختارة، اعتباراً من يوم السبت الموافق 25 نوفمبر 1961، على أن تجري التدريبات يومياً ابتداء من الساعة الرابعة إلى الثامنة مساءً وذلك في المكان الذي تختارونه.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام
[توقيع]
زكي طليمات
تحليل الوثيقة:
على الرغم من أهمية هذه الوثيقة، حيث إنها تُكشف عن الجانب الإداري المجهول وراء تشكيل فرقة المسرح العربي، بوصفها أول فرقة مسرحية حكومية كويتية، إلا أن سطوراً كثيرة في هذه الوثيقة، تحتاج منا إلى شرح وتوضيح لما اشتملت عليه من معلومات، نجملها في الملاحظات الآتية:
1 – ضمّ تشكيل لجنة اختيار ممثلي الفرقة الأستاذ (محمد النشمي)، وهو المشرف على رعاية الشباب في ذلك الوقت، إضافة إلى كونه أحد الرواد الأوائل في تاريخ المسرح الكويتي، وقائد فرقة المسرح الشعبي. وهذا يعني أن طليمات استعان به لخبرته، ليؤكد – أقواله السابقة في الصحافة – أن فرقة المسرح العربي ستكون مُكملة لفرقة المسرح الشعبي؛ تحقيقاً للهدف المنشود. ومن وجهة نظري أن طليمات استعان بالنشمي في لجنة الاختيار، لأن طليمات – بعد أن يأس في إيجاد ممثلين جُدد – توقع أن أغلب ممثلي فرقة المسرح الشعبي، سيكونون ضمن المتقدمين. وهذا الأمر ربما سيُعجل بتوقف نشاط فرقة الشعبي؛ ولكن عندما يعلم الممثلون أن النشمي ضمن لجنة الاختيار، فهذا يعني موافقته الضمنية على انتسابهم إلى فرقة المسرح العربي. أما ضمّ محمد همام الهاشمي – الخبير الاجتماعي – فربما كان لثقافته الواسعة، وعمله في مجال الترجمة والنشر، حيث كان يكتب المقالات، ويترجم الروايات، وكانت جريدة (الرسالة) الكويتية، تنشر له ترجمات عديدة، منها رواية (الابتسامات الثلاث) لتولستوي. وهذا النشاط يؤهله ليكون عضواً في لجنة اختيار ممثلين سيلقون قطعاً حوارية؛ ربما تكون مترجمة.
2 – الشعب الكويتي يميل إلى الرؤية أكثر من ميله إلى الاستماع، فعندما أذاعت الإذاعة الكويتية عن اختبار المتقدمين إلى الفرقة، لم يتقدم سوى عدد قليل؛ ولكن عندما أذاعت دور السينما هذا الإعلان تقدم مائة وخمسون! وربما يظن القارئ أن الكويت ليس بها إلا القليل من دور السينما في ذلك الوقت، والحقيقة أن العكس هو الصحيح! فالكويت كان بها أكثر من ثلاث عشرة داراً للسينما في تلك الفترة - وذلك بناءً على إعلانات جريدة (الكويتي) – عدد10 في 26/8/1961 – ومنها: الأندلس، والحمراء، والفردوس، وحولي الصيفي، والفحاحيل، وسينما نادي الحبارى، وسينما نادي الاتحاد، وسينما نادي الأحمدي، والأحمدي الصيفي، وسينما ميناء الأحمدي.
3 – حددت الوثيقة أن المتقدمين إلى لجنة الاختبار، وصل عددهم إلى 150 متقدماً، من مختلف المستويات. والمقصود هنا مستويات الإجادة في التمثيل؛ ولكننا لا نعلم هل جميعهم من الكويتيين، أم أنهم من جنسيات أخرى؟ وهل نطمع في معرفة أسمائهم؛ لنعلم من هم الهواة الأوائل، الذين رغبوا في التمثيل المسرحي في الكويت عام 1961؟ لعلنا بهذه الأسئلة نطلب المستحيل! والحقيقة أن الوثائق الفرعية تأتي بهذا المستحيل، وتجيب عن أسئلتنا، وتقول: إن المتقدمين كانوا (134) متقدماً، وذلك بناء على وثيقة تحمل عنوان (جدول عام عن جميع من تقدموا إلى لجان ابتداءً من يوم 2/11/1961 حتى يوم 27/11/1961، وما يستجد عليهم حتى تكوين فرقة المسرح العربي). والمتقدمون غير الكويتيين، كانوا من: مصر، والأردن، وسورية، ولبنان، وفلسطين. أما دول الخليج العربي، فكان منهم خلفان عبد الله الشيبة من عُمان، وأحمد عبد العزيز المكنزي من السعودية. ولعل هذين الاسمين، يجب إضافتهما إلى بدايات تاريخ المسرح العماني والسعودي، بوصفهما أول هواة تقدموا لممارسة التمثيل المسرحي. أما المتقدمون من الكويت فهم: إبراهيم سليمان الصالح، أحمد جاسم الأنتيفي، أحمد حبيب، أحمد حسن الملا، أحمد خضر عباس، أحمد عبد العزيز الجار الله، أسد محمود حسين، أمين عبد الله خالد [أمين الحاج]، جاسم محمد حسن، جعفر علي مراد المؤمن [جعفر المؤمن]، جميل خضير، جواد بهبهاني، جواد حسن محمد، حسن يعقوب العلي، حسين علي الصالح [حسين الصالح]، حسين عبد الرحمن، حسين غلوم، خالد صالح إبراهيم النفيسي [خالد النفيسي]، خالد عبد اللطيف العبيد، خالد علي جابر، خليل إبراهيم حسن، داود سليمان داود، راشد صقر راشد، رشدان مرشد الرشدان، سعد سالم، سعد مبارك الفرج، سليمان يوسف سليمان، صلاح إبراهيم أحمد حسين، عباس عبد الرضا حسين، عبد الجبار مجيد، عبد الحسن خلفان، عبد الحسين عبد الرضا، عبد الرحمن الضويحي، عبد العزيز غفران، عبد الله خريبط، عبد الله سليمان عوض، عبد الله عبد الرحمن فهد، عبد الله منصور، عبد الوهاب سلطان، عثمان خالد محي، عدنان حسين خلف، علي الدبوس، علي الملا أحمد، علي عبد الله الربعي، علي ناصر محمد البريكي، علي ناصر محمد، عيسى فهد، غانم صالح الغانم، كامل محمود قحطان، محمد جاسم مصباح، محمد سعود العون، محمد عبد العزيز المنيع، محمد عبد الله رمضان ثاني، محمد عبد الله رمضان، محمد علي العليمي، محمد علي عبد العزيز، محمد عيسى الحشاش، محمد فهد الديباس، محمود قاسم زايد، مظف المظف، معتوق أحمد، ناهي عزبي عبد الله، هزاع ملا مزعل، يس محمد، يعقوب حسين البكر، يعقوب محمد، يوسف أحمد جمعة، يوسف راشد عبد الله، يوسف عبد الله الشراح.
4 – أشار طليمات في وثيقته أن اللجنة أطالت في جلسات الاختبار؛ لأن المتقدمين في أكثريتهم لم يتقدموا وهم يحفظون مقطوعاتهم، لذلك منحت اللجنة فرصاً أخرى لهم. ومن واقع الوثائق المتعلقة بهذا الأمر، نجد زكي طليمات يعطي فرصة أخرى لإعادة اختبار (عبد الله خريبط)، عندما توسم فيه الموهبة، حيث إنه [أي خريبط] لم يكن مستعداً يوم الثلاثاء الموافق 7/11/1961، وهو اليوم المحدد لاختباره؛ لذلك كتب رئيس اللجنة بجوار اسمه في خانة الملاحظات: "أعاد قطعته بناء على طلب الأستاذ زكي طليمات". وكذلك (حسين الصالح) لم يحضر يوم اختباره الموافق 14/11/1961، وقدم قطعته في اليوم التالي. وهكذا نرى مدى صبر طليمات على أبنائه من المتقدمين ممن توسم فيهم الموهبة الفنية؛ فلو كان طليمات قاسياً متعنتاً، ما كان أعاد الاختبار لخريبط، ولم يسمح لحسين الصالح بإعادة الاختبار بعد أن امتنع عن الحضور، ولو فعل طليمات هذا ما أصبح خريبط وحسين الصالح من نجوم المسرح الكويتي فيما بعد!!
5 – لوحظ أن لجنة الاختبار، حددت معايير الحكم على المتقدم بمدى انفعاله إلقاءً وتمثيلاً من حيث جهارة الصوت وتمحيص الحروف وسلامة النطق. ومثال على ذلك - من واقع الوثائق - كتب رئيس اللجنة بجوار اسم المتقدم الأردني (محمد جاد يس عبد الفتاح): "خامة جيدة تعطي الكثير إذا نُميت. أرى أن ينضم إلى الفرقة". وفي المقابل كتب بجوار اسم المتقدم الفلسطيني (عبد الرؤوف صبحي الأشقر): "لا يُحسن القراءة، ولا يُحسن شيئاً".
6 – انتهت اللجنة من تقسيم المتقدمين من حيث درجة الإجادة، إلى أربعة أقسام:- جيد، فوق المتوسط، ومتوسط، ثم دون المتوسط. وتم قبول المستويات الثلاثة الأولى، ولا يعلم أي متقدم حتى الآن، ما هي درجة نجاحه في هذه الاختبارات، وكل ما يعلمه هو أنه مقبول في الفرقة، أو مرفوض من الانتساب إليها. ولا أظن أن أعلام المسرح الكويتي ورواده الأوائل، يعلمون حتى الآن ما هي مستوياتهم الفنية وقت اختبارهم عام 1961. والوثيقة المنشورة لم تحدد أسماءً؛ بل حددت أرقاماً فقط! وهنا تأتي أهمية الوثائق الفرعية، أو كشوف لجان الاختبار، لتذكر لنا التقديرات والمستويات وأسماء أصحابها. فالوثيقة المنشورة هنا تقول: إن عدد القسم الأول من الحاصلين على تقدير (جيد) 14 بينهم 8 من الكويتيين. والعدد الصحيح قبل التصفية النهائية، يقول إنهم تسعة، هم: حسن يعقوب العلي، جعفر مراد المؤمن، علي ناصر محمد، عبد الرحمن الضويحي، عبد الله خريبط، محمد عبد العزيز المنيع، عبد الحسين عبد الرضا، عباس عبد الرضا، خالد النفيسي. وأن عدد القسم الثاني من الحاصلين على تقدير (فوق المتوسط) 17 بينهم 12 من الكويتيين، والعدد الصحيح قبل التصفية النهائية، يقول أنهم عشرة، هم: جواد بهبهاني، عبد المحسن خلفان، أحمد حبيب، علي الملا أحمد، أحمد حسن الملا، عدنان حسين خلف، أمين عبد الله خالد [أمين الحاج]، أمين عبد الله حسين، سعد مبارك الفرج، أحمد عبد العزيز الجار الله. وعدد القسم الثالث من الحاصلين على تقدير (متوسط) 19 بينهم 8 من الكويتيين؛ والعدد الصحيح قبل التصفية النهائية، يقول أنهم خمسة عشر، هم: عيسى فهد، عبد الوهاب سلطان، رشدان مرشد الرشدان، جميل خضير، أحمد جاسم الأنتيفي، أسد محمود حسين، عبد الرحمن أحمد مهنا، حسين الصالح، محمود قاسم زايد، حسين غلوم، مظف المظف، غانم صالح الغانم، يوسف عبد الله الشراح، محمد عبد الله رمضان الكويتي، شابور عبد الحسين.
7 – وقع اختيار طليمات على أكثر من أربعين عنصراً؛ لتكوين أول فرقة مسرحية كويتية تحت إشراف الحكومة؛ ولكنه يأمل في المزيد .. لماذا؟ لأنه أراد أن يُشكل فريقاً مسرحياً متدرباً على فنون المسرح نظرياً وعملياً، ليحقق بهذا الفريق هدفاً جديداً من أهدافه الفنية، وهو إنشاء دراسات مسرحية لإيجاد وعي فني في المجتمع الكويتي. وهذا هو أسلوب طليمات في تخطيط الفن المسرحي في أي دولة. فقد سبق له تطبيقه في مصر، ثم في تونس، وها هو يطبقه في الكويت، كما سنرى في الحلقات القادمة.
8 – في هذه الوثيقة، نجح طليمات في تكوين نواة الفرقة الأولى من الممثلين الكويتيين، ولكنه يخشى على تجربته من الفشل؛ لأن الممثلين موظفون في الدوائر الحكومية، وأعمالهم تُمثل عقبة أمام انتظامهم في عروض الفرقة؛ لذلك يقترح على حمد الرجيب – في حالة نجاح الفرقة في أول عرض لها – أن يتفرغ الممثلون للعمل المسرحي، بعيداً عن أعمالهم الوظيفية. وهذا الإجراء يعني (الاحتراف)، كما سنرى لاحقاً. ومن واقع الوثائق المعنية بهذا الأمر، نعلم أن حسن يعقوب العلي كان يعمل في دائرة الأشغال العامة، وجعفر المؤمن في الشئون الاجتماعية، وعبد الرحمن الضويحي في دائرة الصحة، وعبد الحسين عبد الرضا في القسم الفني للمطبوعات والنشر، وخالد النفيسي في محلات النفيسي بسوق التجار، وأمين الحاج بمحل تجارة سيد إسماعيل بسوق المباركية، وسعد الفرج بدائرة الأشغال العامة، وأحمد عبد العزيز الجار الله بإدارة الجوازات، وأسد محمود بالأشغال العامة، وحسين الصالح بدائرة العدل، وغانم صالح الغانم بمحكمة الاستئناف، ويوسف عبد الله الشراح بدائرة الأيتام ... إلخ.
وتنتهي الوثيقة المنشورة بأن الفرقة الوليدة ستبدأ تدريباتها على أول مسرحية ستعرضها، وهي مسرحية (صقر قريش)، وهي موضوع مقالتنا القادمة بمشيئة الله؛ لنعرف ظروف تقديمها، ومدى نصيبها من النجاح أو الفشل، وموقف ممثلي الفرقة من الاحتراف، وذلك من خلال وثائق جديدة لم تُنشر من قبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق