الجمعة، 2 سبتمبر 2011

وثائق المسرح الكويتي 3


وثائق المسرح الكويتي
(الحلقة الثالثة)
الشروط الخاصة باستقدام الفرق
الأستاذ الدكتور/ سيد علي إسماعيل
ــــــــــــــ
تمهيد :
في عام 1961 زار خبراء البنك الدولي دولة الكويت، ولفت نظرهم عدم وجود مؤسسات تُمكّن المواطن الكويتي من التمتع والاستفادة بأوقات فراغه إلا من خلال دور السينما فقط. هذه الملاحظة تلقفتها جريدة (الرسالة) الكويتية، ونسجت حولها موضوعاً نشرته تحت عنوان (من أجل موسم فني في الكويت) – في عددها السادس، مايو 1961 – مستغلة الانتهاء من تجهيز مسرح سينما الأندلس كصالة عرض فنية متطورة في الكويت، ومن ثم طرحت على دائرة الشئون الاجتماعية والعمل اقتراحاً مفاده: دعوة بعض الفرق الفنية الناجحة إلى دولة الكويت مثل: الفرق المسرحية المصرية، وفرقة الأنوار اللبنانية للرقص الشعبي، وفرقة مهرجانات بعلبك الدولية اللبنانية، وفرقة رضا للفنون الشعبية المصرية، وفرقة رقص السماح. وتحديد هذه الفرق بالاسم راجع – من وجهة نظر الجريدة – إلى أنها تقدّم فناً راقياً بعيداً عن الإثارة والرخص. وتؤكد الجريدة في نهاية اقتراحها أن دعوة مثل هذه الفرق، يضمن للكويت موسماً فنياً ناجحاً.
هذا الاقتراح تمّ تنفيذه بصورة محدودة؛ حيث دعت الكويت الفرقة القومية المسرحية؛ ولكنها لم تلقَ النحاج المرجو. وهذه المعلومة ذكرها محمد النشمي في حوار معه نشرته جريدة الرسالة في 21/1/1962، ومن الواضح أن الفرقة المقصودة في هذا الخبر، هي الفرقة القومية المصرية على الرغم من عدم ذكر مصريتها بصورة صريحة. أما تنفيذ الاقتراح بصورة موسعة فكان في احتفال الكويت بعيد استقلالها الأول (العيد الوطني) في 19/6/1962؛ حيث دعت الدولة فرقة أضواء المدينة من مصر، وفرقة الأنوار اللبنانية للغناء والرقص الشعبي، وقدمت الأخيرة برنامجاً فنياً مشتركاً مع فرقة المسرح العربي الكويتية على مسرح سينما الأندلس في الفترة من 19 إلى 24 يونية 1962، فقدمت فرقة الأنوار عرضاً بعنوان (حكايات لبنان)، وقدمت فرقة المسرح العربي مسرحيتين من تأليف توفيق الحكيم وإخراج زكي طليمات، الأولى (فاتها القطار) بطولة: خالد النفيسي، وعبد الرحمن الضويحي، وجيهان رمزي، وزوزو حمدي الحكيم. والأخرى مسرحية (عمارة المعلم كندوز) بطولة: عبد الله خريبط، ومريم الغضبان، وأحمد الملا، وجيهان رمزي، وعبد الوهاب سلطان، وسناء عفيف، وعلي الملا أحمد، ويوسف الخطيب، وأسد حسين، وعيسى فهد الغانم. وقد نقل تليفزيون الكويت هذه العروض في بث مباشر. وفي احتفالات العيد الوطني أيضاً شاركت الفرقة الشعبية للفنون البحرينية بمجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية.
وبسبب نجاح هذه الاحتفالات الفنية، رسخ في وجدان مسئولي وزارة الشئون الاجتماعية أن الأمل في نهضة المسرح الكويتي سيكون من خلال دعوة الفرق المسرحية العالمية، وهذا الرأي عبر عنه وكيل الوزارة حمد الرجيب – في حوار نشرته جريدة (صوت الخليج) في 1/11/1962 – متحدثاً عن مشاريعه في إرساء قواعد الفن المسرحي في الكويت، ومنها: "دعوة الفرق المسرحية العالمية لتؤدي نشاطها على مسارح الكويت لإثارة الوعي الفني واطلاع الفنانين الناشئين على ما يقدمه من سبقوا في هذا الفن ليأخذوا عنهم الخبرة وليوازنوا بين ما يقدمونه كفنانين ناشئين وبين ما يقدمه من سبقهم في هذا المضمار". وهذا القول يعكس لنا مدى اهتمام المسئولين في الكويت – خصوصاً حمد الرجيب – بالارتقاء بمستوى المسرح المحلي من خلال احتكاكه بالمسرح العالمي؛ وذلك من أجل نقل الخبرة من الخارج إلى الداخل في جميع مفردات العملية المسرحية.
وأول تطبيق لهذا المشروع – أو لهذه الفكرة - كان دعوة فرقة المسرح القومي المصرية في يناير 1963؛ حيث قدمت على مسرح ثانوية الشويخ مسرحيتي (القضية) تأليف لطفي الخولي، و(بداية ونهاية) عن قصة نجيب محفوظ في ثوب مسرحي، بطولة: أمينة رزق، ونجمة إبراهيم، وروحية خالد، وملك الجمل، وشفيق نور الدين، وتوفيق الدقن، وعبد المنعم إبراهيم، وسعيد أبو بكر، وعبد السلام محمد، وغيرهم. وقد لاقت الفرقة نجاحاً كبيراً، وكرمها رجال الدولة لا سيما معالي الشيخ عبد الله الجابر وزير التربية والتعليم، الذي أقام حفلة تكريم لأعضاء الفرقة. وقد أسهبت الصحف الكويتية في إظهار نجاح عروض الفرقة في الكويت، ومنها مجلة (دنيا العروبة) في عددها الأول بتاريخ 19/1/1963، وجريدة (الرأي العام) في 21/1/1963.
وبجانب هذه الفرق التي دعتها الدولة، وقدمت عروضها تحت إشراف الحكومة، نجد فرقاً أخرى قدمت فنوناً مختلفة، مثل الحفلة السنوية الراقصة التي أقامتها الفرقة التمثيلية العربية في يونية 1962 بقاعة الخدمات الاجتماعية بالأحمدي؛ كما ذكرت ذلك جريدة (الكويتي) في عدديها 47 و50 يونية 1962. وهذه الحفلة، ربما كانت ممجوجة من قبل المجتمع الكويتي، حيث استهجنتها جريدة (صوت الخليج) الكويتية في تغطيتها، قائلة في عددها الثامن بتاريخ 28/6/1962: "أقامت شركة النفط في الأحمدي حفلها السنوي الراقص تحت إشراف الفرقة العربية وقد اكتظت حلبة الرقص في قاعة الخدمات الاجتماعية بالراقصين والراقصات يتمايلون على نغمات الموسيقى الحالمة". وبعد ثلاثة أشهر ذكرت جريدة (الكويتي) في عددها 60 بتاريخ 8/9/1962، أن هذه الفرقة قدمت حفلة أخرى بها موسيقى، ورقص، وغناء، وتمثيل، وتومبولا، وفكاهة، وألعاب. كما أخبرتنا الجريدة نفسها في عددها 65 في أكتوبر 1962 بوصول بعض قطع الأسطول البريطاني في ميناء الأحمدي؛ حيث قدّم بحاراتها عدة أنشطة رياضية واجتماعية ومسرحية في مدينة الأحمدي، ومنها قيام بحارة سفينة (بولورك) بتقديم مسرحية كوميدية بعنوان (أكثر من نكتة) أمام جمهور كبير من الكويتيين.
نص الوثيقة:
يتضح مما سبق أن استقدام الفرق الفنية إلى الكويت – قبل عام 1963م – كان يتم دون قواعد أو لوائح منظمة له، وبالتالي اختلطت الفنون المستحبة بالفنون المستهجنة؛ لذلك قرر المسئولون وضع ضوابط صارمة لهذا الاستقدام، وهذه الضوابط هي وثيقة هذه الحلقة المؤرخة في 3/4/1963، ونصها يقول:
( اجتماع )
المكان: مكتب السيد الوكيل المساعد
الموضوع: الشروط الخاصة باستقدام الفرق الأجنبية
مكافأة المؤلفين المسرحيين الذين عملت فرقة (المسرح العربي) في مسرحيات لهم
ــــــــــــــــــــــــــــــ
اجتمعت لجنة برئاسة الأستاذ عبد العزيز الصرعاوي، وكيل الوزارة المساعد وعضوية كل من الأستاذين زكي طليمات المشرف المسرحي العام، ومحمد همام الهاشمي الخبير الاجتماعي يوم 3/4/1963 وتناولت بالبحث والمعالجة تخطيط القواعد والشروط التي يلتزم بها كل من يرغب في استقدام الفرق الأجنبية من القطاع الخاص، لتعمل خلال الموسم.
وانتهى تخطيطها إلى ما يلي :-
أولاً - تعلن وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بوصفها المشرفة على شئون العرض التمثيلي، وعلى دور التمثيل، تعلن في شهر مايو من كل عام عن مواصفات الموسم الفني الذي يبدأ من أول نوفمبر وينتهي في شهر إبريل.
والمقصود بمواصفات الموسم، العناصر الفنية التي يتألف منها، وذلك من حيث أنواع الفرق التمثيلية (فرق جدية - فكاهية - غنائية - باليه - فلكلور إلخ ..) وبالطبع سيراعى في اختيار أنواع هذه الفرق أن يجئ ما تقدمه بحيث يحيي المتع الذهنية والسماعية والبصرية لدى الجمهور كما يزوده بشحنات من التجارب التي تعمل على تثقيفه وتهذيبه ورفع مستواه الذوقي.
ثانياً - تضع الوزارة الالتزامات التي يتقيد بها الذين يتعهدون باستقدام الفرق الأجنبية.
وتتلخص التزامات المتعهدين فيما يأتي:-
1 - أن يتقيد بالمستوى الفني الذي تحدده له الوزارة من حيث الممثلين والممثلات، وما يقدمونه من مسرحيات وخلافه.
2 - أن يحيي حفلاته في الموعد الذي يحدده مع الوزارة.
3 - أن يدفع تأميناً قدره (1000) دينار، إذا كانت الفرقة التي يستقدمها غير تابعة لإشراف مباشر من جانب الدولة التي تنتمي إليها، ويخفض التأمين إلى النصف، إذا كانت الفرقة المستقدمة تتبع إشراف الدولة القادمة منها.
ويفقد المتعهد هذا التأمين إذا لم يف بما تعهد به وتستثنى بالطبع الحالات الحتمية الطارئة، التي تقدر الوزارة وحدها مشروعيتها.
4 - لا يجوز لأي متعهد أن يستقدم أكثر من فرقة واحدة في الموسم الواحد إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك.
وواضح أنه روعي في وضع هذه الالتزامات تحقيق ما يأتي:-
1 - أن يكون ما تقدمه الفرق الأجنبية على مستوى جيد من الأدب والفن، يعمل على التوعية الفنية والخلقية، ولا يسف إلى تعليق النواحي الهابطة في الجمهور، كما يكون بعيداً عن الفنون السياسية والمنازعات المذهبية.
2 - ألا يقع ما من شأنه أن يخل بالتخطيط المرسوم لعمل الفرق المستقدمة، أو يفتح ثغرة فيه تفقده وحدة من وحداته العاملة.
3 - أن تكون هناك فرص متقاربة لمن يريدون استقدام هذه الفرق من الخارج، وألا تقع الوزارة تحت تأثير متعهد واحد، بعد أن يستأثر وحده بأمر الفرق الأجنبية ويكون محتكراً لها.
ثالثاً: وأمام هذا تلتزم الوزارة أمام المتعهد بما يأتي:-
1 - أن تقدم له مجاناً دار التمثيل التي تعمل فيه الفرقة التي يستقدمها وذلك في حدود إمكانيات الوزارة.
2 - أن تزوده بالعناصر الفنية القائمة وذلك من حيث المناظر وأدوات الإضاءة والمهمات المسرحية، فيما عدا الملابس المسرحية.
3 - أن تقدم له أسباب الدعاية في الإذاعة وفي التلفزيون وفي اللوحات والملصقات والإعلانات اليدوية.
4 - تيسير المراسم الجمركية وشئون نقل مهماته المسرحية من الجمرك إلى دار التمثيل وبالعكس.
وقد لوحظ في وضع هذه التعهدات تشجيع المتعهدين ومدّ يد المعونة إليهم، باعتبار أنهم يعملون في حقل جديد يصعب إقامة مستويات فيه للكسب والخسارة.
هذا ومن المعلوم - وهو مما يحمل الإشارة إليه في هذا الصدد - أن الجمهورية العربية المتحدة [مصر] - وذلك أيام كانت تأخذ بمبدأ استقدام الفرق الأجنبية عن طريق المتعهدين كانت تصرف إعانة مالية لهؤلاء المتعهدين إذا استوثقت من أحدهم أنه تكبد خسارة كبيرة.
رابعاً: تؤلف لجنة مشتركة من وزارتي الشئون الاجتماعية والإرشاد للإشراف على ما تقدم وتولي تنفيذه.
خامساً: وانتقلت اللجنة بعد ذلك إلى بحث تقدير مكافآت للكُتّاب العرب الذين قدمت لهم فرقة (المسرح العربي) مسرحيات خلال الموسم الماضي وفي هذا الموسم، وكان قد انتهت إلى الوزارة برقية من الأستاذ محمود تيمور يرجو فيها تقرير مكافأة لمسرحياته، وبيع ما لم يقدم في القاهرة، ويدعو دولة الكويت إلى أن تكون من جانبها التفاتة إلى تشجيع التأليف المسرحي العربي عامة.
وترى اللجنة أنه أمر مشروع أن تكافئ الوزارة الكُتّاب المسرحيين الذين تعمل (فرقة المسرح العربي) في مسرحياتهم، ولا سيما أن الوزارة قررت مبدأ تشجيع كتاب المسرحية الكويتية بصرف مكافأة مالية لمن يجيد الكتابة في المسرح، وفوق كل هذا فإن رعاية دولة الكويت للتأليف المسرحي العربي في أقطار الشرق العربي، أمر له دلالة على رغبة الكويت الصاعد في أن تكون له مشاركة إيجابية في الارتقاء بمرافق الأدب والفن في أرض العروبة.
وقررت اللجنة رسم المكافآت الآتية:-
500 دينار للمسرحية الكبيرة التي لم يسبق تقديمها في مسارح القاهرة
250 دينار للمسرحية الكبيرة التي سبق أن قدمت في القاهرة
150 دينار للمسرحية ذات الفصل الواحد التي لم يسبق تقديمها في القاهرة
75 دينار للمسرحية ذات الفصل الواحد التي سبق أن قدمت بالقاهرة
وبناء على هذا التقدير ترجو اللجنة أن يجري صرف المبالغ الآتية إلى الأستاذين محمود تيمور، وتوفيق الحكيم.
الأستاذ محمود تيمور (900 دينار) مسرحية صقر قريش 500 دينار
                                       مسرحية ابن جلا 250 دينار
                                        مسرحية المنقذة 150 دينار
الأستاذ توفيق الحكيم (150 دينار)  مسرحية أريد أن أقتل 75 دينار
                                   مسرحية المعلم كندوز 75 دينار
هذا مع العلم بأن الفرقة تعمل الآن في مسرحيتين جديدتين للأستاذ توفيق الحكيم هنا (أريد هذ الرجل) و(الكنز) وستقدمها في شهر مايو بافتتاح مسرح كيفان.
أثر الوثيقة:
مما لا شك فيه أن هذه الوثيقة لها أهميتها في وقتنا الراهن – رغم صدورها عام 1963م – لأنها توضح لنا أول شروط لاستقدام الفرق الفنية إلى الكويت، ويُمكن للمسئولين حالياً مقارنتها بالشروط المعمول بها في وقتنا الراهن، ومن خلال المقارنة يُمكنهم الحذف أو الإضافة أو التعديل بما يتناسب مع الأهداف الموضوعة لاستقدام الفرق من أجل الارتقاء بالمسرح الكويتي.
وقارئ هذه الوثيقة سيلاحظ أنها تهتم – في المقام الأول – بالجمهور الكويتي من مشاهدي المسرح؛ حيث إن الشروط الواردة في الوثيقة تتعلق (فقط) بالفرق الفنية الخاصة، التي تأتي إلى الكويت وتُقدم فنها إلى جمهوره! وهذا الأمر يخالف تماماً الهدف الأساسي لاستقدام الفرق الفنية – كما عبر عنه حمد الرجيب في حديثه سابق الذكر - حيث إن الهدف كان الارتقاء بمستوى الفرق المسرحية في الكويت؛ وذلك باحتكاكها بالفرق الوافدة، ورؤيتها لأساليب تطورها الفني في مفردات عروضها.
ومن وجهة نظري، أرى أن الشروط الواردة في هذه الوثيقة لاستقدام الفرق الفنية، هي شروط مجحفة في هذا الزمن (عام 1963م) .. ومن الصعب تطبيقها في بلد – مثل الكويت – بدأ للتو يخطو خطواته الأولى في مجال الفن. والدليل على ذلك أن الفرق كانت تفد إلى الكويت بكثرة قبل صدور هذه الوثيقة؛ ولكن بعد صدور الوثيقة بشروطها هذه، توقف استقدام الفرق المسرحية تماماً طوال أربع سنوات ونصف!! ولعل هذا التوقف كان بسبب آخر، هو استكمال إشهار الفرق المسرحية الكويتية الأهلية الأربعة، مما جعل الجمهور يشعر بالإشباع الفني المسرحي المحلي، مكتفياً به عن المسرح الوافد غير المحلي.
وعلى الرغم من صدور وثيقة شروط استقدام الفرق إلى الكويت في عام 1963م، إلا أن أول فرقة خاصة جاءت إلى الكويت بعد الوثيقة – وبدعوة من فرقة المسرح العربي الكويتية - كانت (فرقة نجيب الريحاني) المصرية في نوفمبر 1967م، وقدمت ثلاث مسرحيات على مسرح سينما الأندلس، هي : (سلفني حماتك)، و(حكاية كل يوم)، و(عريس في أجازة)، بطولة: ماري منيب، وفريد شوقي، ونيللي، وعدلي كاسب، ومحمد شوقي، وسعاد حسين. وهذه العروض لم تلق النجاح المرجو؛ تبعاً لمعايير النجاح المسرحي في ذلك الوقت؛ لذلك كتب الناقد المخضرم القدير (محبوب العبد الله) – الشاب حينها – هجوماً قاسياً محقاً ضد هذه العروض في جريدة (اليقظة) بتاريخ 11/12/1967 تحت عنوان (مسرح الريحاني .. بالميني جوب)، حيث قارن بين أدوار الريحاني الأساسية، وأدوار فريد شوقي المُقلدة، وبالطبع كانت المقارنة في غير صالح فريد شوقي، كما استهجن حركات الفنانة نيللي وملابسها على خشبة المسرح، ولم يمدح سوى ماري منيب الثابتة في أدائها، كما أشار إلى أن التطوير الوحيد الذي لاحظه في العروض كان التطوير في الملابس المخالفة للتقاليد الاجتماعية!! وهذا النقد وغيره صعّد الأمور لزروتها؛ فانهالت الصحف الكويتية والمصرية بالنقد والتجريح الموضوعيين على عروض فرقة الريحاني في الكويت لدرجة أن السفير المصري في الكويت أرسل رسالة إلى جريدة اليقظة - نُشرت بتاريخ 5/2/1968 – أبان فيها أسفه من تصرفات ممثلي الفرقة أثناء التمثيل، حيث تخلل المشاهد بعض الشتائم غير اللائقة، والحوار المكشوف، واعتبر السفير أن فرقة الريحاني كانت أسوأ دعاية للفن المصري، بعكس فرقة رضا الاستعراضية، التي كانت نموذجاً مشرفاً للفن الشعبي المصري.
وفي يناير 1968 جاءت إلى الكويت – لأول مرة - فرقة المسرح القومي السورية، وقدمت على مسرح كيفان مسرحيتين من المسرح العالمي، هما: (العنب الحامض) و(عرس الدم). والأولى من ترجمة فيصل الياسري وإخراج علي عقلة عرسان، ومن تمثيل: هالة شوكت، ولينا باتع، ويعقوب أبو غزالة، وعصام عبهجي، وشريف السيد، ومحمود جركس. أما المسرحية الأخرى فهي من تأليف لوركا، ومن إخراج أسعد فضة، ومن تمثيل: ثناء دبسي، وسليم صبري، وبهاء سمعان، وهيلدا زخم، ولينا باتع، وأسعد فضة، وفايزة شاويش، وهالة شوكت، ومحمد خير حلواني، ومها صالح، ونهلة سباهي، وإسكندر عزيز، وإسماعيل نصر، وبشار نصري، ويعقوب أبو غزالة، ومحمود جركس، وعصام عبهجي، ويوسف حنا، وأحمد عداس.
والجدير بالذكر إن الفرقة قدمت المسرحيتين باللغة الفصحى مما أثر ذلك على إقبال الجمهور الذي كان ضعيفاً، وأكدت الصحف – ومنها جريدة (صوت الخليج) في 18/1/1968 - أن الجمهور الكويتي لا يقبل بكثرة على أي عمل مسرحي يُقدم بالفصحى، كما أشارت الجريدة إلى ضعف التمثيل في العملين. أما جريدة اليقظة بتاريخ 22/1/1968 فقد كتبت بإيجابية عن التمثيل في مسرحية (عرس الدم)، التي فضلتها عن سابقتها من حيث التمثيل وقدرة الممثلين على التقمص والأداء التمثيلي الجيد.
وفي نوفمبر 1968 قدمت جمعية المسرح العربي الفلسطيني - التابعة لحركة التحرير الفلسطيني (فتح) – مسرحيتين على مسرح كيفان، الأولى (الطريق) تأليف وإخراج نصر الدين فؤاد، والأخرى (شعب لن يموت) تأليف فتى الثورة، وإخراج نصر الدين فؤاد. وقد كتب حسن يعقوب العلي مقالة حول المسرحيتين - في جريدة (الرسالة) الكويتية بتاريخ 10/11/1968 – تحت عنوان (المسرح الفلسطيني .. هذه التجربة الأصيلة)، أوضح فيها أن المسرحيتين يدور موضوعهما حول القضية الفلسطينية.
وفي مايو 1969 زارت الكويت فرقة مسرح الحكيم المصرية، وقدمت مسرحية (زهرة من دم) للكاتب اللبناني الدكتور سهيل إدريس، ومن إخراج كمال ياسين، وبطولة: أمينة رزق، وعبد الله غيث، وسهير البابلي، وأنور إسماعيل، وقدرية قدري، وحمدي حامد، وخُصص إيرادها لصالح العمل الفدائي. وقد أشاد بهذا العرض الناقد حلمي الأدهمي في مقالته بجريدة (أضواء الكويت) في 12/5/1969.
ومن ثم توالى توافد الفرق الخاصة إلى الكويت، ومنها فرقة (تحية كاريوكا) المصرية – وزوجها الكاتب السياسي الساخر فايز حلاوة – حيث عرضت على مسرح الشامية عام 1974 مجموعة من المسرحيات السياسية منها: (نيام نيام)، و(البغل في الأبريق)، و(الثعلب فات)، و(القنطرة)، و(ياسين ولدي). وعلى مسرح الشامية أيضاً عرضت فرقة مسرح الناس المغربية – بدعوة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - مسرحيتي (مقامات بديع الزمان الهمذاني) و(ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب) في يناير 1976م. وفي أكتوبر من العام نفسه قدمت فرقة الفنانين المتحدين المصرية مسرحية (شاهد ماشافش حاجة) لعادل إمام على مسرح الشامية، وقد هاجمها نقدياً الناقد نواف أبو الهيجاء في جريدة السياسية الكويتية بتاريخ 8/10/1976. وأخيراً نجد مسرحية (الغرباء) من تأليف وإخراج علي عقلة عرسان، تعرضها فرقة المسرح القومي السورية في الكويت عام 1977، وكانت من تمثيل: أحمد عداس، ويوسف حنا، وعدنان بركات، وعبد المولى غميض. وقد كتب الناقد محمود الريماوي مقالة عنها في جريدة (الوطن) الكويتية بتاريخ 13/4/1977 بدأها بقوله: "يُحار المرء كيف يبدأ الكتابة عن مسرحية مثل (الغرباء) حملها إلينا المسرح القومي السوري، باعتبار أنها تمثل تطور الحركة المسرحية في سورية الشقيقة. فهذه المسرحية تجمع وبصورة فريدة بين الضعف الدرامي وهزاله، وبين جمود الإخراج وحرفيته، وبين التشويه التاريخي والسياسي للقضية الفلسطينية".
هذه الإطلالة السريعة على الفرق المسرحية الوافدة إلى الكويت منذ عام 1963م - بعد صدور شروط الاستقدام، وفقاً للوثيقة المنشورة في هذه الحلقة – تفتح المجال أمام الباحثين في مسيرة المسرح الكويتي لكتابة بحوث؛ تدور حول أثر العروض المسرحية الوافدة في عروض الفرق المسرحية الأهلية في الكويت. فمن المؤكد أن العروض الوافدة بإيجابياتها وسلبياتها أثرت إيجاباً وسلباً على الفرق المسرحية الكويتية، ومن خلال هذه البحوث نستطيع أن نضع أيدينا على العروض المسرحية الوافدة المطلوبة لجمهور الكويت، والمفيدة للفرق الكويتية؛ كما أننا نستطيع أن نضع الشروط المناسبة لهذه الفرق الوافدة؛ بما يحقق الهدف من استقدامها.
وفي عام 1977م لاحظ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت أن العروض التي تُقدم من قبل الفرق الوافدة لم تكن على المستوى المطلوب؛ لذلك أوصى المجلس – في دورته الثامنة في مايو من العام نفسه – في بنوده الخامس والسادس والسابع " بأن تراعى توافر الجودة الفنية عند السماح بتقديم العروض التي تؤديها الفرق المدعوة من أية جهة كانت للعرض في الكويت"، وكذلك مراعاة المستوى الفني لهذه العروض، وتكليف "الأمانة العامة للمجلس بأن تتولى الدعوات المنتظمة للفرق العربية والأجنبية المسرحية والفنية التي تُقدم نماذج رفيعة ومتطورة من الفنون".
ملاحظات:
بالعودة إلى نص الوثيقة المنشور في هذه الحلقة سنلاحظ أموراً لا علاقة لها بشروط استقدام الفرق الفنية الخاصة، وهي أمور جاءت وفق جدول أعمال هذا الاجتماع، وتتعلق بفرقة المسرح العربي. وتعليقاتي على بعض هذه الأمور ربما تكون مفيدة للقراء والباحثين، وربما تضيف توثيقاً جديداً إلى تاريخ المسرح في الكويت، ومنها:
1 – الوثيقة المنشورة مؤرخة في يوم 3/4/1963، وفي اليوم التالي انعقدت لجنة اختبار المتقدمين للانضمام إلى فرقة المسرح العربي في مسرح كيفان، واللجنة تكونت من: زكي طليمات، ومحمد النشمي، ومحمد همام الهاشمي. وكان المتقدمون من: مصر، والأردن، وفلسطين، والعراق. أما الكويتيون فهم: أحمد مشاري عبد الله، خالد عبد العزيز الصقعبي، عبد المحسن خلف أيوب السبعان، علي محمد الخرس، يوسف خميس.
2 – في البند الخامس – من الوثيقة - جاء الآتي: " وترى اللجنة أنه أمر مشروع أن تكافئ الوزارة الكُتّاب المسرحيين الذين تعمل (فرقة المسرح العربي) في مسرحياتهم، ولا سيما أن الوزارة قررت مبدأ تشجيع كُتّاب المسرحية الكويتية بصرف مكافأة مالية لمن يجيد الكتابة في المسرح". وحول هذا الأمر كتب طليمات خطاباً إلى وكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل، في 7/4/1963، قال فيه: "يسعدني أن أحيطك بأن فرقة (المسرح العربي) قدمت مسرحية كويتية الموضوع (استأرثوني وأنا حي) بقلم السيد سعد مبارك الفرج أحد أعضاء الفرقة، وهو أديب كويتي يحاول أن يكون للمسرح. وقد سبق حينما عرضت هذا الأمر على سيادتكم، وذلك في صدد تشجيع الأقلام الكويتية على الكتابة للمسرح، أن تفضلتم فوعدتم بمكافأة الكاتب السابق الذكر. ولهذا أقترح أن تتفضلوا بصرف مبلغ خمسين ديناراً بوصفه مكافأة تشجيعية تستحثه على أن يتابع الكتابة للمسرح. ويقوم هذا الاقتراح على أن التليفزيون يدفع ما يقرب من المبلغ المقترح للمسرحية التي يتجاوز مدى تمثيلها أكثر من نصف ساعة، هذا مع العلم بأن سيادته يقوم بكتابة مسرحية جديدة نقدمها في البرنامج الثالث للفرقة الذي سيطالعه الجمهور في الشهر القادم". وهذا الموقف من طليمات تجاه كُتّاب المسرح الكويتيين سأخصص له حلقة أو حلقتين - مستقبلاً – للحديث عن وثائق المسابقات الأولى للتأليف المسرحي في الكويت.
3 – في ختام الوثيقة جاء الآتي: " إن الفرقة تعمل الآن في مسرحيتين جديدتين للأستاذ توفيق الحكيم هنا (أريد هذ الرجل) و(الكنز) وستقدمها في شهر مايو بافتتاح مسرح كيفان". والجدير ذكره إن مسرحية (الكنز) لتوفيق الحكيم، مثلتها فرقة المسرح العربي في برنامجها الثاني لموسمها الثالث ابتداءً من يوم 4/4/1964، بمقر المسرح العربي بكيفان، وكانت من إخراج زكي طليمات، وتمثيل: حسين الصالح، كاظم حمد علي، مريم الغضبان، سناء عفيف، خالد النفيسي، ليلى حقي. ومن طرائف تدريبات هذه المسرحية وجود وثيقة، عبارة عن خطاب رسمي من زكي طليمات إلى مريم الغضبان - بتاريخ 1/3/1964 - قال فيه: "الآنسة مريم الغضبان .. تحية طيبة وبعد، رجاء الإفادة كتابياً عن سبب تغيبكم عن التدريبات يوم السبت 29/2/1964، بما أن تغيبكم هذا كان السبب في تعطيل تدريبات مسرحية (الكنز) والمشتركة في أحد أدوارها التمثيلية. فنرجو عدم تكرار هذا وإلا نضطر آسفين لاتخاذ اللازم قانوناً مع كل من يتأخر حيث إن التدريبات تعتبر كدوام رسمي ولا بد من المواظبة عليها. وتفضلوا بقبول الشكر". فكتبت مريم الغضبان - أسفل الخطاب - رداً، قالت فيه: "إلى حضرة المشرف الفني .. أمي كانت مريضة وأخبرت المسرح بذلك تليفونياً. واليوم عُلم لي الحضور الساعة 5، وشكراً". فكتب طليمات تأشيرة، قال فيها: "لم يتلق أحد بالمسرح هذه المكالمة التليفونية، وكان واجباً أن تؤكدها في المساء نظراً إلى أن العمل يجري لإخراج الحفلة الثانية". وهذه الوثيقة – رغم طرافتها – إلا أنها تعكس صرامة طليمات مع ممثليه، خصوصاً وأن مريم الغضبان – رحمة الله عليها – كانت عنصراً نسائياً نادراً في ذلك الوقت، وهذا يدل على أن تطبيق القواعد والقوانين في هذا الزمن كان لا يفرق بين ممثل وممثلة، ولا يفرق بين النجم وصاحب الأدوار الثانوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق