تاريخ الرقابة المسرحية وتطورها
د. سيد علي إسماعيل
ظهر المسرح بصورته الحديثة في العالم العربي، مع قدوم نابليون بونابرت إلى مصر - مع حملته الشهيرة إلى الشرق - حيث أنشأ مسرحاً في منطقة الأزبكية عام 1800م ([1]). كما شكلت الحملة الفرنسية لجنة لجمع الوثائق والمعلومات عن مصر – من أجل تأليف كتاب وصف مصر - تلك اللجنة التي وضعت أول نظام للرقابة على الآداب في الألعاب والاحتفالات والأعياد والمسارح الدينية والمدنية في مصر ([2]). ثم تطور أمر الرقابة المسرحية في عهد محمد علي باشا، الذي كلّف كلوت بك بتوجيه رسالة إلى القنصليات الأجنبية وفرقها التمثيلية، من أجل تنظيم العلاقة بين الممثلين والجمهور. واشتملت هذه الرسالة على تحديد آداب الأداء التمثيلي، وآداب حضور الجمهور: فمثلاً لا يجوز للمتفرجين أن يسبوا الممثلين، وفي حالة خروج المتفرج على أدب الحضور أكثر من مرة، يُحرم من دخول التياترات ([3]).
وفي عامي 1868-1869 أتمّ الخديوي إسماعيل باشا، إنشاء وافتتاح مسرح الكوميدي الفرنسي ودار الأوبرا الخديوية بمنطقة الأزبكية. وبذلك كثرت العروض المسرحية، مما ترتب على ذلك وجوب وجود الرقابة المسرحية. وكان أول رقيب مسرحي هو باولينو درانيت باشا مدير التياترات. وعن هذا الأمر قالت مجلة (وادي النيل) بتاريخ 30/4/1869: ’’إن وظيفة تفتيش التياترات (أي الملاعب) هي من أهم الوظائف الملحقة بديوان وزارة الدولة ببلاد فرنسة. وكم من مواد دقيقة مما يتعلق بفنون الأدب ومكارم الأخلاق ترجع في الحقيقة لأصل هذه الوظيفة الدقيقة. فلذلك حصل لنا غاية السرور بما بلغنا من أن الجناب الخديوي العالي، ألفت نظره المتعالي لهذه المادة، حسبما هو عنه على الدوام معهود من التشبث لترتيبات الدولة الفرنساوية بالتقليد، حيث أناط هذه الوظيفة بالديار المصرية لجناب درانيت بك أفندي. وما أحسن ما وقع انتخابه عليه، وما أجدره بحسن الالتفات له من حيث زيادة انجذاب سائر الناس إليه‘‘.
وظلت مصر تحتضن العروض المسرحية الأجنبية، محرومة في الوقت نفسه من العروض العربية، حتى جاءت أول فرقة مسرحية عربية إليها من لبنان، وهي فرقة سليم خليل النقاش، التي عرضت في الاسكندرية أول مسرحيات عربية حديثة في تاريخ مصر المسرحي عام 1876. وبذلك يكون سليم خليل النقاش هو رائد المسرح العربي في مصر، وليس يعقوب صنوع ([4]). ومن ثم توالى ظهور الفرق المسرحية الشامية في مصر، أمثال: فرقة يوسف الخياط، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة القباني، بالإضافة إلى الجوق التركي، والجوق العثماني.
وبسبب كثرة الفرق المسرحية، قام الخديوي محمد توفيق بتشكيل نظام الرقابة المسرحية عام 1879، تحت اسم (حفظ التياترات وتشغيلها)، وجعله يتبع قلم المطبوعات بنظارة الأشغال العمومية ([5]). وعندما أصدر الخديوي قانون المطبوعات عام 1881، وضع ضمن مواده الهيكل القانوني للرقابة المسرحية، وبالأخص في مادته العاشرة التي نصت على أن: ’’يجوز للحكومة في كل الأحوال، حجز وضبط جميع الرسومات والنقوشات، مهما كان نوعها أو جنسها. وسواء كانت معلنة أو معرضة لنظر العامة أو للمبيع، وذلك متى تراءى لها أن الرسومات والنقوشات المذكورة، مغايرة للنظام العمومي وللآداب أو الدين. ويُجازي من نشرها أو حملها أو عرضها بغرامة من مائتين إلى ألفين قرش‘‘ ([6]). وكان بعض الأجانب يُطبقون هذا النظام الرقابي في مصر، أمثال جول باروا، وجران بك ([7]).
ومن أوائل المسرحيات المطبوعة، التي تمّ تطبيق هذا النظام عليها، مسرحية (عنوان التوفيق في قصة يوسف الصديق) عام 1885، تأليف تادرس بك وهبي. فقد جاء على غلافها هذه العبارة: ’’الطبعة الأولى: برخصة من قلم المطبوعات بنظارة الداخلية‘‘. أي أن المسرحية خضعت للرقابة الدينية، حيث إنها تتعرض إلى قصة النبي يوسف عليه السلام، وسوف تُعرض أمام الجمهور. وأقدم خبر منشور في الصحف عن عمل الرقابة المسرحية، نجده في جريدة (القاهرة) بتاريخ 13/3/1886 تحت عنوان (شركة التياترو الوطنية). وجاء فيه الآتي: ’’هذه هي أسماء الروايات التي سيشخصها جوق سليمان أفندي قرداحي في الأوبرا، وذلك بموجب الكشف الذي قدمته الشركة إلى نظارة الأشغال العمومية الجليلة وصدق عليه: تليماك، بجماليون، على الباغي تدور الدوائر، يوسف الحسن، نكث العهود، استير، هارون الرشيد أو غرام الملوك، زنوبيا أو ملكة تدمر، الجاهل المتطبب، محاسن الصدف، سليم وأسما أو حفظ الوداد، المروءة والوفاء، أندروماك، ذات الخدر، استاكيوس، عنترة العبسي، الباريسية الحسناء‘‘.
وبمرور الوقت انتشرت الفرق المسرحية انتشاراً كبيراً، بالإضافة إلى وجود الفرق الأجنبية، وظهور الجمعيات التمثيلية، مما ترتب على ذلك التوسع في سن القوانين واللوائح ([8]) المنظمة لها، لما تعرضه من موضوعات مسرحية على الجمهور. ففي منتصف عام 1891 أصدر ناظر الداخلية لائحة بشأن المحلات العمومية، ومنها التياترات والمسارح. فألزمت أصحابها باستخراج التصاريح اللازمة لتشغيلها، كما حددت لهم مواعيد العمل، وأخيراً أجازت دخول ضابطين وبعض الجنود، من قبل حكمدار البوليس إلى هذه المسارح والتياترات لحفظ النظام والأمن فيها ([9]).
وتعتبر هذه اللائحة قوة ثانية للرقابة وُلدت من قبل نظارة أخرى غير نظارة الأشغال. فإذا كانت الرقابة بقوانينها السابقة تتبع نظارة الأشغال، الممثلة للسلطة التشريعية للرقابة، فإن نظارة الداخلية، هي السلطة التنفيذية لها. وتبدأ الرقابة عملها بهاتين القوتين، تحت سيطرة الأجانب. ففي عام 1889 كانت مصلحة الضبط والربط بنظارة الداخلية تتكون من: شارل باكر باشا مديراً، وفنك باشا وكيلاً، والكولونال بايلي بك مفتشاً. وكانت مصلحة قلم البوليس بنظارة الداخلية تتكون من: كوليس باشا وباترسون مفتشا عموم إقليم بوليس وجه بحري، وموكلن بك قومنداناً لعموم بوليس إقليم القاهرة، ومونتجوف وكيلاً، وبلونج مندوباً، وهارفي بك قومنداناً لعموم بوليس إقليم الإسكندرية، ومارك وكيلاً لعموم القومندانية. أما نظارة الأشغال فكانت تتكون من: سكوت مونكريف وكيلاً، وباروا بك كاتماً لأسرار النظارة ([10]).
وأول إشارة مُعلنة في الصحف عن نظام الرقابة في رفض المسرحيات، كانت لمسرحية دينية بعنوان (يوسف) عام 1893. وقد أخبرتنا بذلك جريدة المقطم، قائلة: ’’بعث البعض من أهالي دمياط رسالة برقية إلى الجناب العالي، ورسالة أخرى إلى دولتلو رياض باشا رئيس النظار. وقد شكوا فيهما من أن معاون البوليس هنالك، حضر مع جماعة من رجال البوليس إلى التياترو ليلاً، وكانوا مجتمعين فيه لحضور تمثيل رواية يوسف. وقال إنه مندوب من قبل سعادة المحافظ، ليمنع تمثيل الرواية المذكورة عنوة إجابة لرغبة العلماء، لئلا تقع مذبحة. ثم أقفل التياترو على أثر ذلك. وقد قالوا في هاتين الرسالتين إن هذا التهويل من معاون البوليس كان له سوء الوقع في نفس الجمهور، على ما فيه من إقلاق الأفكار‘‘ ([11]).
وإذا كان الرفض في هذه الإشارة جاء أثناء تمثيل المسرحية، فإن أول إشارة مُعلنة أيضاً عن منع عرض مسرحية قبل تمثيلها جاءت في 9/4/1896 من قبل جريدة (لسان العرب) عندما قالت: ’’علمنا أن الحكومة قد أصدرت أمرها إلى محافظة الاسكندرية، بأن تراقب كل رواية جديدة يُراد تمثيلها، وتراجع قراءتها على يد أحد الموظفين. وقد بلغنا أن ذلك التشديد منها، كان مصدره عن رواية متعصبة شنعاء، نوى بعض الموظفين الوطنيين تمثيلها في أحد مراسح الثغر، فردتهم عنها وحالت دون هذه الحماقة منهم‘‘.
ولم تتوقف دكتاتورية الرقابة على منع المسرحيات سواء أثناء أو قبل التمثيل، بل وصلت إلى حد منع المسرح نفسه عن بعض الجمعيات المسرحية. فجريدة الأخبار نشرت خبراً في 14/5/1897، قالت فيه: ’’منعت نظارة الأشغال الأوبرا الخديوية عن بعض الجمعيات التي تألفت لتشخيص الروايات، وتخصيص دخلها للإعانة العسكرية. وقد بلغنا أن بعض أصحاب هذه الجمعيات رفعوا قضية على الحكومة، أمام المحاكم المختلطة. يطالبونها بالعطل والضرر الذي لحق بهم بسبب هذا المنع‘‘.
كما أن تحكم العناصر الأجنبية والتركية ([12]) في الرقابة، أدى إلى منع مسرحيات سياسية عديدة. ففي يوم 18/1/1898 قالت جريدة المقطم: ’’كانت جمعية السراج المنير قد عزمت على تمثيل رواية (أدهم باشا) في المرسح العباسي مساء أمس. ولما كانت تلك الرواية تشتمل على أمور ليس من الحكمة إظهارها، في مثل هذا الحين. بعد أن انتهت الحرب وأوشكت العلائق السياسية أن تعود إلى مجراها الأول. فقد أرتأى سعادة محافظنا الفاضل وجناب حكمدارنا النشيط أن يعترضا على تمثيلها. فدعا سعادة المحافظ أعضاء جمعية السراج المنير وأبان لهم أن الحكومة لا تبيح لهم تمثيل الرواية المذكورة‘‘.
وإذا كانت الرقابة قد رفضت فيما سبق، مسرحية يوسف كمثال للمسرحية الدينية، ومسرحية أدهم باشا كمثال للمسرحية السياسية، نجدها في الخبر التالي ترفض مسرحية (قطب العاشقين) كمثال للتعريض برجال الدولة. ففي يوم 10/4/1901 قالت جريدة الإخلاص تحت عنوان (همة وغيرة): ’’انتشر منذ مدة إعلان في العاصمة، يفيد عزم بعض القوم على تمثيل رواية تُدعى قطب العاشقين. يقصد بها أصحاب الحظ من مقام كبير من كبراء رجال الدولة وأئمة المسلمين. فلما علم حضرة الفاضل صاحب العزة نصري بك كرم بالإعلان المذكور، رفع عريضة لسعادة محافظ مصر، سأله فيها منع هذه الرواية، فأصدر سعادته للحال أمره بمنعها. فنشكر صاحب السعادة على غيرته على الأدب، والبك على همته وإخلاصه‘‘.
واستمرت الرقابة حتى عام 1919 تحت إدارة إنجليزية فرنسية، بمساعدة وزارة الداخلية المصرية. فقد كانت المسرحيات المُرخص بها تُختم بخاتمين، أحدهما باللغة الإنجليزية والآخر باللغة الفرنسية، وعليهما هذه العبارات الدالة على وظيفة صاحب التوقيع وتأشيرة الترخيص والجهة المرخصة:
PASSED
PRESIDENT OF THE THEATER COMMISSION
COMMISSION DES THEATER
وباعتلاء رجال إنجلترا وفرنسا قمة نظام الرقابة المسرحية، بدأ الصراع بينهما وبين الفنانين المسرحيين. فبدأت الرقابة تصادر وتمنع أية مسرحية تمس الحياة السياسية أو تلهب شعور المصريين ضد الاستعمار. ومن غير المعقول أن يوافق الاحتلال الإنجليزي على تمثيل مسرحية (دنشواي)، ولم يمضِ سوى أقل من عامين على فضيحته في هذه الجريمة البشعة، التي تمت في يونية 1906. فجريدة الأخبار قالت في 8/7/1908: ’’طلب بعضهم من نظارة الداخلية تمثيل رواية دنشواي. فكتبت نظارة الداخلية أمس إلى الحكمدارية تستطلع رأيها في هذا الشأن، فرفضت الحكمدارية رفضاً باتاً قبول تمثيل هذه الرواية‘‘.
ومنذ ذلك التاريخ قررت الحكومة مراقبة التياترات العربية، وأخذت المحافظة ترسل عدداً من رجال البوليس إلى كل تياترو عربي وقت التمثيل، لمنع المسرحيات ([14])، التي تناهض الاستعمار. فمنعت حفلة تمثيلية للطلاب في 10/8/1910. وفي اليوم التالي منعت مسرحية (ضحايا المجد) المخصصة لجمعية إعانة البؤساء ([15]). وبناءً على ذلك انتهجت الرقابة أسلوباً جديداً في المنع، فأصدرت قائمة شاملة بالمسرحيات الممنوعة. ففي يوم 12/4/1911 قالت جريدة الأخبار: ’’أصدرت المحافظة منشوراً بمنع تمثيل خمس روايات وهي رواية إسرائيل، والوقائع المدهشة، ونابليون، والأزهر، ودنشواي. وشددت على المأمورين بملاحظة ذلك‘‘.
وأمام هذا النشاط البوليسي، من قبل الرقابة والحكومة والمحافظة. كان لابد من وضع تقنين لأسلوب التعامل مع المسرحيات السياسية أو الدينية، أو كل ما يثير حماس الشعب ضد الحكومة أو الاحتلال. ففي 17/7/1911 نشرت جريدة الوقائع المصرية، الأحكام القانونية للائحة التياترات: ومن أهم ما جاء فيها، فيما يخص نظام الرقابة:
1 - عند ظهور مضار خطيرة تتعلق بالأمن العام، فعلى أصحاب التياترات والقائمين بتشيغلها تنفيذ الاحتياطات التي يقررها المحافظ أو المدير، بناء على التقرير المقدم من قومسيون التياترات. فإذا لم يتموا هذه الاحتياطات في الميعاد الذي يتحدد لذلك، فللسلطة المحلية إصدار الأمر بإقفال التياترو مؤقتاً. وفي حالة وجود خطر مداهم فللسلطة المحلية إصدار الأمر بتعطيل التشخيص.
2 - ممنوع ما كان من المناظر أو التشخيص أو الاجتماعات، مخالفاً للنظام العام والآداب. وللبوليس الحق في منع ما كان من هذا القبيل، وإقفال التياترو عند الاقتضاء.
3 - يخصص مكان موافق لضابط البوليس المنوط بالمراقبة وقت التمثيل.
ومنذ صدور هذه المواد بدأ بالفعل البوليس المصري في تنفيذها. ومن طرائف هذا التنفيذ ما ذكرته جريدة (الأخبار)، عندما قالت في يوم 15/12/1915: ’’عهد إلى أحد ضباط البوليس في تنفيذ قرار القائد العام بإقفال المحلات العمومية والملاهي في الساعة الثانية عشرة مساء. وكان جوق أخوان عكاشة يمثل ليلة تنفيذ الأمر رواية (اليتيمتين)، وهي رواية ذات خمسة فصول. وكانوا قد وصلوا في الساعة الثانية عشرة إلى أول الفصل الرابع منها، فأمر الضابط بإنزال الستار وصرف الحاضرين، فكان له ما أراد‘‘.
ويلاحظ القاريء على لائحة التياترات، أنها نصت فقط على خطورة ما يُعرض من تمثيليات تشخيصية بالنسبة للأمن العام والآداب، دون تحديد هذه الخطورة، أو ضرب أمثلة لها. وهذا بدوره أعطى الحق للرقابة في منع ما تراه، سواء بالحق أو بالباطل. هذا إذا علمنا أن الرقابة منذ عام 1920 أصبحت إنجليزية وتحت سيطرة الاستعمار، بمساعدة رجال الداخلية من المصريين. فالتراخيص ما بين عامي (1920-1924) أصبحت تُوقع من قبل مدير الرقابة الإنجليزي، وتُختم بخاتم إنجليزي يحمل هذه العبارة:
وسيطرة الاستعمار الإنجليزي على الرقابة، وتقنين التعامل مع المسرح، خدع بعض المثقفين ممن توهموا أن الحكومة أصدرت لائحة التياترات حفاظاً على الآداب. ومن هؤلاء علي فكري - أمين دار الكتب المصرية - عندما قال في مايو 1923: ’’نحن نشكر للحكومة عنايتها بدور التمثيل الصامت (السينما). ونرجو إلفات نظرها إلى دور التمثيل الهزلي، فلا تسمح بتمثيل رواية إلا بعد نظرها بقلم مراقبة المطبوعات بوزارة الداخلية، وإقرار تمثيلها أمام الجمهور حفظاً لآدابه‘‘ ([17]). ويؤكد هذا المعنى أيضاً محمود مراد، عندما قال عن قلم مراجعة الروايات - أي الرقابة - عام 1924: ’’لا يمكن أن تمثل الروايات إلا بعد أن يُصدق عليها ذلك القلم، وذلك محافظة على الآداب العامة، مما قد يكون في بعض الروايات من مفسدة للأخلاق، كقبيح العبارات أو إغراء على رذيلة‘‘ ([18]).
والحقيقة أن لائحة التياترات صدرت من أجل المحافظة على الآداب في الظاهر - وهذا ما توهمه البعض في باديء الأمر - و لكنها في الباطن كانت صادرة خدمة لأهواء السياسة المصرية ([19])، ولصالح الاستعمار ([20])، والجاليات الأجنبية ورجال الحكم ([21]). ومنذ عام 1925 بدأت الرقابة عهداً جديداً في الإدارة، حيث قام بإدارتها المصريون. وكان أول مدير مصري لها هو محمد مسعود ([22])، الذي كان يتلقى تعليمات الرقابة من الإنجليز، بل وكان يوقع على التراخيص باسمه باللغة الإنجليزية ([23]). وكانت وظيفته تقع تحت رئاسة حكمدار العاصمة بوزارة الداخلية رسل باشا.
وفي هذه الفترة كانت الرقابة، لا تهتم بالشعور الوطني للشعب المصري، بل كانت تحارب كل فكر مسرحي وطني أو سياسي. ومن هنا تهكم الناقد محمد عبد المجيد حلمي قائلاً في مجلة المسرح بتاريخ 30/8/1926: ’’وبقيت بعد ذلك مشكلة الوطنية! هل إذا وضع كاتب رواية محلية تمثل مجد مصر وعظمتها، يصرح قلم المطبوعات ([24]) بتمثيلها وهو الذي يحاسب على الكلمة والحرف؟! لا أظن ذلك مطلقاً، فإن التعليمات شديدة في هذا الموضوع‘‘.
ومما يؤكد هذا المعنى أيضاً ما كتبته مجلة (الممثل) في 4/11/1926 تحت عنوان (مدير قلم المطبوعات) عندما قالت: ’’نكتب هذه الكلمة بمناسبة الشكاوى، التي تتصاعد يوماً فيوماً من مديري الفرق التمثيلية والمؤلفين، من مدير قلم المطبوعات. ناسبين إليه تدخله الشديد الذي يؤدي غالباً إلى تشويه رواياتهم. وذلك بحذف جمل هامة أو مشاهد تؤثر في مغزى تلك الروايات. فمديرو المسارح التمثيلية يتهمون مدير قلم المطبوعات، بقضائه على كل مشهد حماسي أو عظة وطنية وبثورته المستمرة ضد الروايات السياسية. هذه هي تهمة مديري الفرق لمدير قلم المطبوعات، وهي تهمة خطيرة في مثل هذا العصر، عصر الحرية والتفكير الحر. ونحن لا نريد أن نسترسل في هذا الموضوع، ونرجو أن يكون هذا أول وآخر ما يُكتب في هذا الشأن، منبهين حضرة مدير قلم المطبوعات أن اليوم غير الأمس والسلام‘‘.
ومن هذا المقال يتضح لنا أن نظم الرقابة أخذت في التشدد، وتخطي حدود الموافقة أو المنع إلى حدود التدخل في النص، سواء بتغيير الكلمات ([25])، أو بشطب الجمل أو بحذف بعض المشاهد. هذا بالإضافة إلى إخماد الروح الوطنية عند المصريين وعدم التعرض للموضوعات السياسية. وهذا بالقطع في صالح الاستعمار الأجنبي ورجال الحكم في ذلك الوقت، مما أدى إلى المناداة بإلغاء قلم المطبوعات أي الرقابة ([26])، ولكن دون جدوى.
و أهم نقد لاذع وُجه إلى قلم المطبوعات أي الرقابة، في تلك الفترة كان في 30/4/1928 عندما تحدث الناقد محمد علي حماد، في مجلة الناقد، عن رواية رفضتها الرقابة، لأن بها أشياء لا يجوز إخراجها أمام النظارة على المسرح. حيث إنها تمس ولو من بعيد الحالة السياسية في البلد. ويتهكم الناقد من أن الرواية خالية تماماً من هذه الأشياء، ولكنه تعسف قلم المطبوعات، الذي يجهل عمله تماماً. لأن العاملين به من غير المتخصصين في هذا المجال. وأخيراً يقترح الناقد اختيار نخبة من المثقفين المتخصصين في مجال المسرح، ليقوموا بالعمل في هذا القلم ([27]).
وفي عام 1928 توحدت الرقابة السينمائية ([28]) مع الرقابة المسرحية تحت قواعد عامة، تمثلت في فحص الأعمال الفنية حفاظاً على الأخلاق، ومنع ما قد يبث روح الإجرام وارتكاب الرذائل أو ما يمس شعور الجمهور أو عقائده ([29]). ولكن بعد فترة زمنية قليلة انفصلت الرقابة المسرحية عن السينمائية. فالتوحد بينهما كان في غير محله، خصوصاً مع انتشار المسرح بصورة أكبر من السينما التي كانت صامتة في ذلك الوقت. وكفى أن نعلم أن مصر في هذه الفترة كانت بها أكثر الفرق المسرحية عدداً وشهرة ([30]).
وأمام هذا التطور في الفن المسرحي، وكثرة الفرق المسرحية، كان لابد من وضع قواعد ولوائح رقابية جديدة. فقد قالت جريدة مصر في 18/7/1929 تحت عنوان (حول مراقبة التمثيل والملاهي): ’’يذكر القراء ما كان من اهتمام حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد العزيز البشري وكيل إدارة المطبوعات، حيال ما سرى في البلاد من مخاطر التمثيل المضر بالأخلاق، ومحال الملاهي الأخرى كالسينما وغيرها. وقد أشرنا إلى اجتماعه بأصحاب المسارح والملاهي، وقلنا إنه أخذ منهم قراراً بعدم عودتهم إلى تمثيل ما يخالف الآداب، وأنذرهم أن كل من يجرؤ على مخالفة التعليمات الأخيرة يعاقب بأشد عقاب. وهذا حسن، وإذا كنا جاهرنا بارتياحنا لمجهود الأستاذ، إلا أننا نرجو من جهة أخرى تخصيص مندوب لكل مسرح ولكل رواية، توافق عليها إدارة المطبوعات. ليتسنى لهذا المندوب إبداء ما يراه من الملاحظات لولاة الأمور في نهاية كل حفلة. حتى إذا انحرف بعض أصحاب التمثيل والملاهي عن مراعاة الكرامة المصرية والأخلاق والآداب، يتسنى معاقبته. وأن تدون الملاحظات على نفس الأصل المحتفظ به في المطبوعات في نهاية صحائف الرواية. وأن يخصص دوسيه خاص بإدارة المطبوعات، لأعمال كل مسرح وملهى للرجوع إليه. حتى تستطيع إدارة المطبوعات والأمن العام إحصاء الروايات التمثيلية لكل منها في العام، والوقوف على البيانات الوافية من جهة الروايات التمثيلية الأخلاقية والعلمية والأدبية والوعظية والاجتماعية والتاريخية منها، سواء أكانت عربية أم أجنبية. كما هو المعول به في البلدان الأخرى‘‘.
وفي 21/9/1930 نشر أحد النقاد مقالة بجريدة مصر، نادى فيها بضرورة تغيير لائحة التياترات القديمة لتتناسب مع متطلبات العصر. قائلاً تحت عنوان (لائحة المسارح والملاهي) : ’’في مصر لائحة للمحال العامة التي يغشاها الجمهور، وضعتها وزارة الداخلية ويشرف على تنفيذها رجال البوليس. وهي نفسها التي تطبقها على المسارح والملاهي ومحال الرقص. ولكن هل يجد ولاة الأمور فيها الكفاية لتطبيقها على المسارح وتنظم أعمالها؟ إن هذه اللائحة قديمة، فلم يحاول ولاة الأمور أن يدخلوا عليها من التعديل، ما يتفق مع نظام المسارح المتجدد، بالرغم من أنها وُضعت أيام كانت لا توجد في مصر إلا الفرق المتنقلة. واكتفت الحكومة بأن يصدر مدير الأمن العام بين وقت وآخر قرارات وقتية، إما بناءً على اقتراحات مدير قلم المطبوعات أو رجال الضبطية العامة. وهذه القرارات ليست لها صفة القانون، بالرغم من أنها كل يوم تتجدد وينسخ بعضها بعضاً. ففرضت وزارة الداخلية على كل فرقة من الفرق أن ترسل إلى قلم المطبوعات الرواية التي تريد تمثيلها وإخراجها، سواء أكانت معربة أو كانت موضوعة. ويعهد قلم المطبوعات إلى بعض موظفيه في قراءة هذه الرواية، ومراعاة تطبيقها على الآداب العامة ومواقفها على قوانين الدولة. حتى إذا لم يجد هذا الموظف فيها شيئاً ممنوعاً، أجاز تمثيلها وإخراجها ورفعها إلى مدير المطبوعات، مشفوعة برأيه. وبعد ذلك تُختم بخاتم الإدارة ثم تُرسل إلى الفرقة مع قرار السماح بتمثيلها. وبعد ذلك يُعهد إلى بعض هؤلاء الموظفين بحضور البروفات والليالي الأولى من تمثيلها. حتى إذا عنّ لهؤلاء شيء من الملاحظات، أفضوا به لولاة الأمور، وطلبوا إلى الفرقة إصلاحه. وهذا عمل إداري محض، فلا يتعرض هؤلاء الموظفون لنوع الرواية الفني ولا لمغزاها ولا لشيء من ذلك. ولكن هذا النظام قد أثبتت التجارب فساده فإن الحكم فيه موكول إلى موظف واحد، قد لا يكون ناضج الرأس، أو بعيد النظر، وقد يكون مغرضاً في قراره وحكمه، والعصمة لا تكون إلا للأنبياء، وعند ذلك تتعرض مصلحة الفرقة للضياع‘‘.
واستمر الصراع بين الرقابة والفن المسرحي، أو بين رجال الحكم ورجال الفن، حول أحقية الفن المسرحي في التعبير عن حياته وحياة شعبه، سواء بالتعرض إلى أحواله الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، وبين تعنت وديكتاتورية رجال الرقابة - أي رجال الحكومة - في منع وصول هذا التعبير بكل صورة ممكنة إلى الجمهور. وأصبح ’’الفنان يرسم جوانب الحياة ويستعرضها من الزاوية التي يحسها هو. ولكن الرقيب يحدد الجانب الذي يصوره الفنان ويضع أمام الفن حدوداً ونهايات. والفن لا يعرف القيود ولا يؤمن بالحدود لأن الفن ليست له نهاية، ومن هنا يصطدم الفن مع الرقابة. وطبيعة الفن نفسها تحتم هذا التصادم‘‘ ([31]).
و استمر هذا التصادم أو هذا الصراع بين الفنان والرقيب حتى عام 1955، عندما صدر قانون الرقابة المعمول به إلى الآن في مصر. ففي 3/9/1955 صدر القانون رقم (430) لتنظيم الرقابة المسرحية، من أجل المحافظة على الأمن والنظام العام وحماية الآداب ومصالح الدولة العليا، فيما يتعلق بمصلحتها السياسية في علاقاتها مع غيرها من الدول. ومن أهم مواد وبنود هذا القانون:
1 - لا يجوز للمرخص له إجراء أي تعديل أو تحريف أو إضافة أو حذف بالمسرحية المرخص بها.
2 - يجوز للسلطة القائمة على الرقابة أن تسحب بقرار مسبب الترخيص السابق إصداره في أي وقت إذا طرأت ظروف جديدة تستدعي ذلك.
وفي 27/5/1976 أصدرت وزارة الثقافة القرار رقم (220)، بهدف الارتقاء بالمستوى الفني، وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية، والمحافظة على الآداب العامة والنظام العام وحماية النشىء من الانحراف. ومن أهم مواد وبنود هذا القرار: عدم الترخيص بعرض أو إنتاج أو إعلان عن أي مسرحية، إذا تضمنت أمراً من الأمور الآتية:
1 - الدعوات الإلحادية والتعرض بالأديان السماوية والعقائد الدينية وتحبيذ أعمال الشعوذة.
2 - إظهار صورة الرسول صراحة أو رمزاً، أو صور أحد من الخلفاء الراشدين وأهل البيت والعشرة المبشرين بالجنة أو سماع أصواتهم وكذلك إظهار صورة السيد المسيح أو صور الأنبياء عموماً، على أن يراعى الرجوع في كل ذلك إلى الجهات الدينية المختصة.
3 - المشاهد الجنسية المثيرة أو مشاهد الشذوذ الجنسي والحركات المادية والعبارات التي توحي بما تقدم.
4 - المناظر الخليعة ومشاهد الرقص بطريقة تؤدي إلى الإثارة أو الخروج عن اللياقة والحشمة في حركات الراقصين والراقصات والممثلين والممثلات.
5 - استخدام عبارات أو إشارات أو معانٍ بذيئة أو تنبو عن الذوق العام أو تتسم بالسوقية وعدم مراعاة الحصافة والذوق عند استخدام الألفاظ المقترنة اقتراناً وثيقاً بالحياة الجنسية أو الخطيئة الجنسية.
6 - عرض الحقائق التاريخية وخاصة ما يتعلق منها بالشخصيات الوطنية بطريقة مزيفة أو مشوهة.
7 - التعريض بدولة أجنبية أو بشعب تربطه علاقات صداقة بجمهورية مصر العربية وبالشعب المصرى، ما لم يكن ذلك ضرورياً لتقديم تحليل تاريخي يقتضيه سياق الموضوع.
8 - عرض المشكلات الاجتماعية بطريقة تدعو إلى إشاعة اليأس والقنوط وإثارة الخواطر أو خلق ثغرات طبقية أو طائفية أو الإخلال بالوحدة الوطنية.
وهكذا كانت مسيرة الرقابة المسرحية من خلال قوانينها ولوائحها، استطعنا تتبعها بصورة زمنية منذ النشأة حتى صدور قانون عام 1955. وبعد هذه الإطلالة النظرية على تاريخ الرقابة، بقى لنا أن نتحدث عن الجانب العملي، أو التطبيقي للرقابة، في تقييمها للنصوص المسرحية، لنتعرف على خطوات تطورها من جهة، ومن جهة أخرى نتلمس الإجراءات العملية للرقيب، تلك الإجراءات التي ظلت سرية سنوات طويلة.
ففي عام 1914 كتب محمد عبد الرحيم - رئيس جمعية أنصار التمثيل - مسرحية (الممثل)، ومثلها بواسطة جمعيته في ديسمبر من العام نفسه ([33])، بعد أن حصل على الترخيص اللازم من الرقابة. وبعد أكثر من عشرة أعوام على هذا الترخيص – وتحديداً في عام 1925 - أراد منسى حسني تمثيل المسرحية نفسها على مسرح الهمبرا بالاسكندرية، فكتب الرقيب ناصيف مفتاح تقريراً بالموافقة على عرض المسرحية قال فيه: ’’ليس في هذه الرواية إشارة ما إلى أمر سياسي، بل تدور حول رجل ضحى بماله وبسمعته عمداً ليخلص فتاة يحبها. والرواية تفيض بعبارات الحث على الوفاء والعمل والابتعاد عن الخمر إلخ. ولا أرى مانعاً مطلقاً من التصريح بتمثيلها‘‘.
ورغم هذا التقرير الإيجابي، إلا أن المسرحية مُنعت من التمثيل عن طريق قنصل جنرال فرنسا!! ففي يوليو 1925، كتب محافظ الاسكندرية خطاباً إلى مدير عموم الأمن العام بوزارة الداخلية، قال فيه: ’’المدعو منسى حسني قدم لنا رواية الممثل والتمس الترخيص له بتمثيلها بمسرح الهمبرا، وهذه الرواية هي من الروايات المرخص بها من وزارة الداخلية بتاريخ 4 سبتمبر سنة 1915. وقد حضر جناب قنصل جنرال دولة فرنسا للمحافظة، وأعلمنا أن هذه الرواية ستمثل لإعانة جرحى ومنكوبي الريفيين بالمغرب الأقصى، وأنه ستُلقى فيها خطب، واحتج على تمثيل هذه الرواية للغرض المذكور، طالباً عدم السماح بتمثيلها. والمحافظة بناء على ذلك ترى رفض السماح بتمثيل الرواية المذكورة‘‘. وهكذا يتضح لنا أن الرقابة لم تكن دائماً الأداة المنفذة في منح أو منع تمثيل المسرحيات، بل الأحوال السياسية، وأصحاب المقامات الرفيعة كانت لهم اليد الطولى في هذا الأمر. بل أن الرقابة كانت تخضع لمطالبهم، أكثر من إخضاعها للقانون، الذي هو سيد الجميع!!
أما مسرحية (الشرف والوطن) من تعريب جورج مطران، فقد مثلتها فرقة القباني وكذلك فرقة إسكندر فرح عام 1906 ([34]). وعندما أراد جورج أبيض تمثيلها عام 1924 حصل على الترخيص اللازم بتمثيلها من قبل الرقابة، وبعد أيام قليلة ألغت الرقابة تصريحها هذا!! فأعاد أبيض الكرة مرة أخرى عام 1929، فكتب الرقيب عبد الحميد خضر خطاباً إلى رئيس لجنة الرقابة الأدبية، قال فيه: ’’أتشرف بإخبار عزتكم أنني قرأت رواية الشرف والوطن التي كان قد رخصت لفرقة جورج أبيض بتمثيلها، ثم ألغى هذا الترخيص بتاريخ 2 ديسمبر 1924. والآن يطلب إعادة نظرها. الرواية مأساة حماسية تتلخص في أن .... والرواية قوية الموضوع حسنة اللغة صحيحة العبارة مغذية للروح الوطنية، كثر فيها ذكر البلاد والتضحية في سبيلها والاستهانة بالموت في خدمتها وتخليصها. ومن أجل هذا أترك الكلمة النهائية في إعادة الترخيص بها للجنة المحترمة‘‘. فقام رئيس اللجنة بكتابة تأشيرة أسفل هذا الخطاب، قال فيها: ’’رأت اللجنة إرجاءها الآن لأن الظروف الحالية لا تسمح بالترخيص بها‘‘!
ومن المعروف أن مصر في تلك الفترة كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني، الذي كان يسيطر على كافة الأمور في الحكومة. ومن الطبيعي أن تلغي الرقابة عرض أية مسرحية تلهب حماس الشعب ضد الاحتلال. وكفى بنا أن نعيد ذكر رأي الرقيب في المسرحية، عندما قال إنها: ’’ مغذية للروح الوطنية، كثر فيها ذكر البلاد والتضحية في سبيلها والاستهانة بالموت في خدمتها وتخليصها‘‘. فهذه الأمور كلها كفيلة برفضها، وعدم عرضها أمام الجمهور، إرضاءً للمستعمر.
وكمثال للتناقض بين الرقباء، نجد تقريراً كتبه الرقيب فرنسيس عام 1929 عن مسرحية (شايب وعايب) لأحمد المسيري، قال في نهايته: ’’ليس فيها ما يمنع من التمثيل‘‘. فيأتي المراجع – أو الرقيب الأول – فيؤشر على التقرير بقوله: ’’قرأت هذه الرواية وأرى عدم الترخيص بتمثيلها لما اشتملت عليه من الألفاظ السمجة والمعنى الساقط وعدم احترام البنت لأبيها وتهزيئه والسخرية به‘‘. وأمام هذا التناقض بين الرقيب والمراجع، يتحول الأمر إلى مدير القسم الجنائي، ليتقدم بمذكرة فاصلة للأمر، قال فيها: ’’لحضرة المراجع العذر في عدم الموافقة على التصريح بتمثيل هذه الرواية، إذا اعتقد بأن الفتاة تزوجت بخطيبها رغم إرادة والدها، مما لا يتفق مع سمو الأخلاق والعادات المألوفة ... إلا أنه قد يمكن اعتبار تصرف الفتاة في هذه الرواية، ضرباً من ضروب الحيل للوصول إلى بغيتها (الزواج). وهو في ذاته حق شرعي ... لذلك لا أرى مانعاً من التصريح بتمثيلها. أما عن ضعف الرواية فالخطأ يرجع إلى مؤلفي مثل هذه الروايات، ولابد من أن يمضي وقت طويل حتى نصل إلى الحالة التي تنشدها اللجنة‘‘. وبالفعل يتم التصريح بالمسرحية.
ومن الملاحظ أن تصرف الرقباء حيال هذه المسرحية، يُعد تطوراً في نظم الرقابة. حيث طبق الرقيب قوانينه بالترخيص للمسرحية لخلوها من الموانع الرقابية المنصوص عليها في القانون. أما المراجع فمنعها بحسه النقدي - لا بناء على القانون – لأنه رأي فيها ألفاظاً سمجة ومعنىً ساقطاً وهدماً للتقاليد الاجتماعية. ورغم وجاهة هذه الأمور في المنع، إلا أن مدير القسم الجنائي وفّق بين الرأيين، حيث طبق القانون الرقابي في منح الترخيص لخلو المسرحية من الموانع المنصوص عليها قانونياً، وأيضاً فسر سلبيات المسرحية – كما جاءت من قبل المراجع – تفسيراً اجتماعياً منطقياً، وأرجع الخطأ في ضعف المسرحيات المقدمة، إلى المؤلفين وطريقتهم في التأليف في هذا الوقت، وهذا الأمر لا دخل للرقابة فيه.
ومن الجدير بالذكر، إن الفنان يوسف وهبي أُجبر في عام 1936 على حذف وتغيير وتعديل أحد فصول مسرحيته (بنات الريف)، بضغط شديد من السلطة الرقابية. فقد أعلن يوسف وهبي في الصحف اليومية، على تمثيل مسرحيته (بنات الريف) - من تأليف يوسف وهبي وعبد العزيز أحمد - يوم 20 يناير 1936، ثم تمّ إرجاء هذا الموعد إلى يوم 23، ثم إلى يوم 27 يناير ([35]). والسبب في هذا الإرجاء كان الرقابة، التي لم تمنحه الترخيص اللازم لتمثيلها في الوقت المحدد. وعندما ذهب إلى الجهات المسئولة، فوجيء بقرار لجنة الرقابة الذي نص على: ’’قررت اللجنة الموافقة على الرواية مع حذف ما يأتي: أولاً، كل المنظر الخاص بمطالبة أهل (ستيتة) بالانتقام لشرفهم واعتدائهم عليها بالقتل أو أي منظر أو أي حديث يُستفاد منه ولو ضمناً أنهم قد وصلوا لغرضهم بقتلها. ثانياً، منظر دخول أحد اللصوص في المنزل في الفصل الرابع وقتل إحدى البغايا وسرقة مصاغها. وهذا التصريح على شرط أن تسحب الرواية بأكملها إذا ثبت للجنة أن صاحب الرواية خالف هذا القرار‘‘. ولم يجد يوسف وهبي مفراً من كتابة الآتي: ’’علمت بهذا القرار وأتعهد بتنفيذه‘‘.
ولكن في اليوم التالي، كتب يوسف وهبي تظلماً من قرار اللجنة، رفعه إلى رئيس لجنة مراقبة الروايات التمثيلية، قال فيه: لقد صرحتم بتمثيل رواية (بنات الريف) بعد أن ارتأت اللجنة الموقرة حذف بعض مواقف من الفصل الرابع من الرواية المذكورة. وقد أدى هذا إلى كثير من الاضطراب في مغزى الرواية ومعناها ومقصدها. وإني قصدت بهذه الرواية الدفاع عن العرض والفضيلة ومحاربة الرذيلة، كما جرت العادة في كل رواياتي. وقد أسفت جد الأسف على ما لحقني من الظلم الفاحش بلا مبرر. فقد ألفت الرواية لأحارب الإجرام، لا لأن انتصر لعادات القتل والذبح كما توهمت اللجنة. وإني رغم خضوعي لأمركم وإخراج الرواية مبتورة، أتقدم إليكم راجياً رجاءاً حاراً، أن تعيدوا النظر بأسرع وقت ممكن في دراسة المشاهد المحذوفة، وإصدار أمركم الكريم بالسماح بإخراجها كما هي، مع إلفات نظركم أن هذا المنظر الذي حُذف والذي قصدت كمؤلف استهجانه. قد سبق وظهر في أكثر من خمسين رواية تمثيلية أفرنكية وعربية وسينمائية – كما أننا نقرأ يومياً أمثال هذه الحوادث في الصحف المنتشرة، التي تطبع آلاف الأعداد ويقرأها الجمهور في كل بلدان القطر – كما أن الأفلام السينمائية تفيض بوصف أمثال هذه الحوادث من قتل وسلب. ولست أدري العلة في استثناء روايتي مع أن تأليفها جرى على قاعدة الروايات الأخرى. لذا جئت بهذا معتمداً على عطفكم وتشجيعكم لمجهودي الشاق المضني، أن تضحوا ساعة من وقتكم للاهتمام بموقفي الحرج أمام الجمهور. مع الاعتذار الكافي لما يحدث مني أحياناً من تقديم الرواية في وقت قصير، وسبب هذا في الحقيقة قلة رواد المسارح واضطرارنا إلى إخراج رواية في كل أسبوع. وإن عدالتكم لكفيلة بوضع الحق في نصابه‘‘.
فقام رئيس اللجنة بكتابة تأشيرة على هذا التظلم، قال فيها: ’’رُفض التظلم وإبقاء الرواية بالشكل الذي ورد في تقرير حضرة عضو اللجنة‘‘. وهكذا أُجبر يوسف وهبي على تغيير وحذف بعض المناظر، نزولاً على قرار لجنة المراقبة. وبعد انتهاء ليلة أول عرض لهذه المسرحية، قام الرقيب إسماعيل مهنا بكتابة تقرير عنها، رفعه إلى رئيس لجنة الرقابة الأدبية، قال فيه: ’’أتشرف بإبلاغ عزتكم بأنني شاهدت مساء الأمس تمثيل رواية بنات الريف (فرقة الأستاذ يوسف وهبي) بناءً على أمر عزتكم. فوجدت أن الفرقة قد قامت بتنفيذ قرار اللجنة الخاص بهذه الرواية بكل دقة. وقرار اللجنة يمسّ الفصل الرابع من هذه الرواية، ويقضي باستبعاد كل ما أُريد تصويره من سعي أهل الفتاة ستيتة، وراء الانتقام منها وقتلها جزاء تفريطها في عرضها. وقد تمّ تعديل الفصل الرابع كالآتي: يرى المشاهد في أول هذا الفصل منظر حي من أحياء الدعارة، ويأتي بطل الرواية إلى هذا الحي باحثاً عن ستيتة، فيقابلها ويستعطفها حتى تصفح عنه، وتقبل العيش معه كزوجة له، وتواعده على اللقاء بميدان الخازندار بعد قليل. ويتلو ذلك حضور والد الفتاة وابن عمها وخطيبها السابق، باحثين عنها كذلك. فإذا ما قابلوها دار بينهم وبينها حديث لوم وعتاب، ينتهي بالاتفاق على عودتها معهم إلى البلدة في الريف. وبينما هم في انتظارها للعودة معهم، إذ يحضر بطل الرواية ثانية للسؤال عن ستيتة، نظراً لتأخرها عن اللحاق به. وهناك يقابل أهل الفتاة، فيوضح لهم أنه هو الذي اعتدى على عفافها، وأنه سبب شقائها، وأنه قد وطد العزم على التكفير عن ذنبه بالعيش معها، واتخاذها زوجة له. وبينما هم كذلك إذ يسمعون صراخ ستيتة، فيسارعون إليها، ويتبين أنها قد تناولت سماً بقصد الانتحار، ثم تموت بعد قليل‘‘.
وبهذا التعديل حصلت المسرحية على الترخيص، وتمّ تمثيلها على مسرح برنتانيا، وكانت من تمثيل: يوسف وهبي، أمينة رزق، علوية جميل، ماري منيب، مختار عثمان، بشارة واكيم، أستفان روسني ([36]). وبعد أكثر من شهرين على هذه الواقعة الرقابية، ذكر يوسف وهبي رأيه في الرقابة، قائلاً في مجلة المصور بتاريخ 6/3/1936: ’’أنا لا أشك في حُسن نية مراقبي المؤلفات المسرحية بوزارة الداخلية، إلا أنى أرى أن الطريقة التي تتبعها هذه اللجنة في رقابتها ليست عملية إذ أن الرواية تنتقل من يد إدارة المطبوعات إلى لجنة وزارة الداخلية مع تقرير يرفعه بها موظف مسئول معبراً عن رأيه الخاص في موضوع الرواية، ومما لا شك فيه أن إلقاء المسئولية على موظف واحد يزيد في شكوكه وتردده فيضطر إزاء ذلك إلى تدوين كل فكرة طارئة أو تعبير أثار شكه في تقريره الذي يرفعه إلى زملائه الآخرين من أعضاء اللجنة. وكثيراً ما يحول ضيق الوقت دون مناقشة هذه الملاحظات أو الرجوع إلى مناسبتها في موضوع الرواية فيصدر قرار اللجنة دون تمحيص فني شامل. ومن العجيب أن اللجنة لا تأخذ بالفكرة التي يرمي إليها المؤلف في روايته! وهي إظهار الداء ووصف الدواء. إذ أنه يقدم للمتفرج في أول الرواية مشاهد وعادات يريد نقدها واستنكارها، ثم يصف لها العلاج في آخر فصول الرواية، فإذا عرضت الرواية على اللجنة رفضتها على أنها تنافي الآداب العامة وبذلك يقف المسرح أمام نقائص المجتمع مكتوف الأيدي ولا يُباح له ما يُباح للصحافة. ومن المسلم به أن المسرح والصحافة مهمتها واحدة وأذكر على سبيل المثال ما حدث في رواية (بنات الريف) التي نقدت فيها العادة المتأصلة في أخلاق أبناء الأقاليم عادة الانتقام ممن سلك سبيل الغواية. فقد رأت اللجنة مخالفتي في فكرة روايتي التي أقصد بها نقد هذه العادة على خشبة المسرح. رغم أني جئت في آخرها بحل يوفق بين الكرامة والشرف وقدمت للجنة نسخة من صحيفة يومية كبرى نشرت بالتفصيل وقائع حادثة تماثل وقائع روايتي (بنات الريف) وطالبت بمنح المؤلف المسرحي ما مُنح للصحافي من حرية النقد، فضرب بطلبي عرض الحائط، واضطرت لإجراء تعديل كبير في وقائع الرواية حتى صرح لي بإخراجها، ولكن على غير ما كنت أريد ومن رأيي لإصلاح هذه الحالة أن يستدعى المؤلف أمام أعضاء اللجنة لقراءة روايته ومناقشته في موضوعها، حتى يمكنه الدفاع عن وجهة نظره‘‘.
وإذا كانت الرقابة تدخلت في حذف وتغيير أحد فصول مسرحية بنات الريف، فإنها في عام 1938 تدخلت في تغيير اسم مسرحية (الانتقام)!! ومن الجدير بالذكر إن هناك مسرحية تراثية باسم (الانتقام) لنجيب الحداد، مثلتها فرقتا القباني وإسكندر فرح عام 1897 ([37]). ولكن في عام 1938 الأمر اختلف!! وسبب هذا الاختلاف، يتضح من نص خطاب محافظ السويس إلى مدير إدارة عموم الأمن العام في 1/11/1938، تحت عنوان (سري أمن عام)، قال فيه: ’’أتشرف بإحاطة عزتكم بأن البوليس الملكي قام بضبط منشورات طبعت ووزعت بالمدينة، ومرسل صورة منها طي هذا. ولما كان الإعلان بحالته هذه مثيراً للشعور، أخطرت النيابة التي قامت بعمل التحقيق، وتبين منه أن الذي قام بطبعه ونشره المدعو محمد أفندي ناجي ناظر مدرسة فؤاد الأولية بالسويس، ومكاتب جريدة الوفد المصري. وقد اعترف في التحقيق بأنه هو الذي قام بطبعه وتوزيعه، وأنه لا يقصد من وراء ذلك خلاف الترويج لرواية الانتقام، التي أزمع على تمثيلها في يوم 12 نوفمبر سنة 1938 بسينما أوبلسك (هذه الرواية مصدق عليها من وزارة الداخلية .. .. والمؤلف السيد جمال الدين سكرتير مدرسة فؤاد الأول الابتدائية). ولما نوقش في سبب تدوينه الآية الشريفة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) فأوضح بأنه يقصد من ذلك العظة والعبرة. وقد حفظت النيابة القضية لعدم وجود جريمة في الموضوع. غير أن البوليس يشك في توزيع هذا الإعلان في هذا الظرف، خصوصاً على أثر ورود كتاب الوزارة سري سياسي .. .. المرفق به المنشور الثوري المعروف. ونظراً لما هو معروف عن صاحب الإعلان من النزعة الوفدية، نرى أن تأمر الوزارة بتكليف المؤلف بتغيير عنوانها، وإلا نأمر برفض الترخيص بتمثيلها. ونحن من جانبنا سوف نرفض الترخيص بتمثيلها إذا ما طلب منا ذلك، ما دامت معنونة بهذا العنوان‘‘.
د. سيد علي إسماعيل
الهوامش
([4]) - من الجدير بالذكر، إن يعقوب صنوع لم يكن له أي نشاط مسرحي في مصر. وقد أثبت ذلك في كتابي (محاكمة مسرح يعقوب صنوع) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2001. وكذلك في ملحق كتابي (مسيرة المسرح في مصر 1900-1935: الجزء الأول: فرق المسرح الغنائي) الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2003.
([8]) -ومنها قانون لجنة التياترات الخديوية التي أصدرته نظارة الأشغال العمومية في 28/5/1887، وقد نص على: ’’تختص لجنة التياترات الخديوية بما هو آت: (أولاً): بالنظر في جميع الطلبات المتعلقة باستعمال أي مبلغ من المبالغ المقررة في ميزانية مصلحة التياترات. (ثانياً): بالنظر في جميع الطلبات المتعلقة بتعيين ورفت خدمة التياترات وملاحظتهم. (ثالثاً): بسن وتنفيذ لائحة إدارة التياترات الداخلية. (رابعاً): بالنظر في جميع الطلبات المتعلقة باستعمال التياترات وتحرير شروط الالتزام وعرضها على ناظر الأشغال العمومية للتصديق عليها. (خامساً): بالنظر في جميع الطلبات التي تقدم لاستعمال التياترات مؤقتاً لاحتفالات خيرية أو خلاف ذلك. (سادساً): بتنفيذ جميع شروط الالتزام أو الانتفاع باستعمال التياترو مؤقتاً واتخاذ جميع الطرق اللازمة لانتظام إدارة التياترات سواء كان مدة تشخيص الروايات أو في ليالي الاحتفالات التي يطلب إجراؤها فيها‘‘. فيليب جلاد - قاموس الإدارة والقضاء - السابق - ص (527).
([12]) -والدليل على ذلك وجود أقدم نص مسرحي عليه تأشيرة مدير الرقابة بالترخيص وهو نص مسرحية (الأفريقية) وكان الترخيص في عام 1897 لفرقة إسكندر فرح. والتأشيرة مكتوبة باللغة التركية - وهذه المسرحية محفوظة بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح و الموسيقى، وهي مطبوعة عام 1897 من تأليف يوسف يعقوب حبيش وداود بركات. وأخبار الصحف تؤكد أن فرقة إسكندر فرح مثلت هذه المسرحية، بعد الترخيص بها في 16/3/1897.
([13]) - انظر هذه الأختام والتأشيرات على الصفحة الأولى من مخطوطة مسرحية (هناء المحبين) المرخص بها لفرقة سلامة حجازي، والمحفوظة بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح و الموسيقى. وهذا الأسلوب في الترخيص استمر حتى تراخيص عام 1919: انظر على سبيل المثال الصفحات الأولى من مخطوطات المسرحيات الآتية المحفوظة بالمركز القومي للمسرح والموسيقى: العفو القاتل، بنت الإخشيد،سجين الباستيل، خير الدين، مصارع الشهوات.
([19]) -والدليل على ذلك أن محمود مراد المدرس بالمدرسة الخديوية رفع إلى وزير المعارف في 20/9/1924 تقريراً عن التمثيل والموسيقى لإدخالهما في المدارس الأميرية بمصر، وفيه قال عن قلم مراجعة الروايات - أي الرقابة - هذه العبارة: (.... كما أقترح أن لا يلغى هذا القلم مهما اختلفت الأحوال السياسية في مصر )، و هي عبارة تدل على أن الرقابة في تلك الفترة كانت لخدمة وحماية الاستعمار ورجال الملك - راجع: محمود مراد - السابق - ص (8).
([20]) -والدليل على ذلك وجود وثيقة مهمة بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح و الموسيقى، وهي عبارة عن خطاب من طالب أزهري إلى مدير الأمن العام يخبره في يوم 4/2/1923 بالآتي: (سعادة مدير إدارة الأمن العام، تمثل اليومين دول بتياترو ماجستيك بشارع عماد الدين رواية اسمها زباين جهنم وقد حضرت بروفتها العمومية التي تعمل عادة قبل تمثيلها بيوم واحد وبعد يومين حضرت تلك الرواية فوجدت بها ألفاظاً لا يمكن السماح بها إذ بها مساس بالحكومة وبجلالة ملك البلاد وبالدولة المحتلة أعني الإنجليز ولكنها ليست ضد الأدب في شيء....) - وهذه الوثيقة محفوظة بمخطوطة مسرحية (زباين جهنم). ومن الملاحظ أن الطالب الأزهري أراد أن يشي بمؤلف المسرحية (أمين صدقي) لدى مدير الأمن لأنه تطاول على الملك وعلى الاستعمار، بدلاً من تشجيعه على إلهاب حماس الشعب ضد المستعمر، وهو الطالب الأزهري!!
([21]) -والأدلة على ذلك كثيرة، منها رواية (بنت الشبندر) لأمين صدقي التي مثلها بتياترو دار التمثيل العربي في 28/1/1926. فقد جاء بتقرير الرقيب (حسن حافظ) أن المسرحية تتضمن المؤامرات وبها ذكر العرش والخلع والملكة والحرس وما شابه ذلك ..... ومهما كانت وقائع الرواية بعيدة عن مصر، فقد يحملها الجمهور على غير محملها وقد يظن بها غير ما أريد. لهذا رأى الرقيب حذف هذه الأشياء. وبالفعل تم الترخيص بتمثيل المسرحية بعد حذف المواضع السابقة. ولكن أمين صدقي قام بتمثيل ما هو محذوف فقام (عبد الرحمن الجميعي) مدير المطبوعات بإبلاغ البوليس ليتخذ إجراءاته، و لكن أمين صدقي استمر في تمثيل المحذوف حتى حررت له مخالفة من قبل مأمور قسم الأزبكية (الصاغ مدبولي أفندي)، وأخيراً امتثل الفنان للأمر - راجع هذه الوثائق بإدارة التراث بالمركز القومي للمسرح والموسيقى.
([22]) -ومحمد مسعود (1872-1941) أديب وناقد ومترجم وصحافي قدير، ومن آثاره الأدبية المطبوعة: (المنحة الدهرية في تخطيط مدينة الاسكندرية) و(تقويم مسعود) و(آداب اللياقة) و(لباب الآداب) و(مجموعة أعمال مصطفى كامل) و(البحث عن ينابيع النيل الأبيض) و(المرأة في أدوارها الثلاثة) و(وسائل النجاح) و(الرحلة السلطانية). كما ترجم (الجاهل الطبيب) و(الوردة) و(زهرة الشاي)، وشارك في وضع (تقويم المؤيد). وللمزيد عنه، انظر: أحمد حسين الطماوي - محمد مسعود وحضارة الإسلام - جريدة الأخبار - 8/10/1993.
([24]) -و(قلم المطبوعات) هو الجهة الرسمية والمباشرة بوزارة الداخلية للقيام بمراقبة المسرحيات قبل وبعد تمثيلها، وإصدار التراخيص اللازمة، وكذلك بالنسبة للأغاني والصحف. وفي هذه الفترة (1925-1927) كان مدير قلم المطبوعات هو محمد مسعود، ثم عبد الرحمن بك الجميعي، وقد كتب جورج طنوس مقالاً عنه وعن دوره في مجال الرقابة في مجلة (المسرح) - عدد (43) - 18/10/1926. وللمزيد عن عمل هذا القلم، انظر: مجلة (الستار) - عدد (17) - بتاريخ 1/2/1928.
([25]) -ومن طرائف تغيير الكلمات ما جاء بمجلة (الستار) بتاريخ 26/12/1927 - ص (6) بتوقيع (صاحي): بأن عبد الرحمن بك الجميعي مدير قلم المطبوعات يقوم بتطوير في التعبير لبعض الروايات التمثيلية، فكلمة (بوسه) تبدل بكلمة (قبلة)، ولا يقال الآن (سقطت) الوزارة، بل (استقالت) الوزارة. وجملة (نأخذ حقوقنا) حلت محلها جملة (نطلب حقوقنا) ... و هكذا.
([28]) -ففي عام 1914 شبت نار الحرب العالمية الأولى، ولم تسلم مصر منها، لذلك تنبه القائمون على شئون السلطة العسكرية في مصر إلى ضرورة وضع رقابة على الأفلام قبل عرضها على الجمهور خوفاً من أن يدس الأعداء بينها ما يعتبر دعاية لهم أو خدمة لأغراضهم. ومن هنا تكون بوزارة الداخلية قسم لهذه الرقابة ملحقاً بإدارة الأمن العام، ولم ينته عمل هذا القسم بانتهاء الحرب، بل اتسعت اختصاصاته فشمل غير النواحي السياسية النواحي الخلقية. راجع: الدليل الفني - الجزء الأول - 1945 - ص (52).
([32]) -ورغم أن القانون صدر في عام 1955 إلا أن هذه المادة لم تنفذ، أو على وجه التحديد لم يتقدم أي شخص بأي تظلم في ظل هذا القانون إلا (مصطفى بركة) مدير المسرح الجديد في 25/10/1978 أي بعد ما يقرب من (23) سنة من إصدار القانون عندما تظلم من منع الرقابة لمسرحية (بكالوريوس في حكم الشعوب) من تأليف علي سالم. وتكونت لجنة فحص هذا التظلم من سعد الدين وهبه وكيل أول الوزارة رئيساً، ومحمد عبد الغني مندوب مجلس الدولة عضواً، والسعيد صادق نائباً عن نقيب السينمائيين عضواً، وحمدي غيث الخبير المنتدب. وبدأ محضر الاجتماع بهذه العبارة: (استهل السيد الأستاذ رئيس اللجنة مناقشة التظلم بأن هذه هي المرة الأولى التي يبحث فيها تظلم من رفض نص مسرحي) - راجع ما سبق في ملف التفتيش الفني بالإدارة العامة للرقابة على المصنفات الفنية - لجنة التظلمات - مستند تحت رقم صادر [2961] في 30/10/1978.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق