القضية الفلسطينية في المسرح المصري
د. سيد علي إسماعيل
تمهيد
علاقة المسرح المصري بفلسطين علاقة وطيدة ومديدة. فقد عرفت فلسطين عروض المسرح من خلال الفرق المصرية منذ عام 1913م، عندما زارت فرقة جورج أبيض وسلامة حجازي مدينتي (يافا) و(القدس) ومثلت فيهما ثلاث مسرحيات، هي: لويس الحادي عشر، وأوديب، وصلاح الدين الأيوبي ([1]). وهذه العروض تُعد أول عروض مسرحية عربية في المدن الفلسطينية. ومسرحية (صلاح الدين الأيوبي) لها دلالتها عندما عُرضت في القدس، حيث إنها تُذكر الأهالي بأمجاد بطولة صلاح الدين في استرداده لمدينة القدس.
وفي عام 1920م زارت فرقة فوزي منيب فلسطين وعرضت في مدنها عدة مسرحيات، منها مسرحية (اسم الله عليه)، وكانت الفرقة معروفة باسم (كشكش بك البربري)، أي أن فوزي منيب انتحل اسم الشهرة لنجيب الريحاني (كشكش بك)، وأضاف إليه كلمة (البربري) نسبة إليه؛ حيث إنه أسمر البشرة ([2]).
بعد هاتين الرحلتين واظبت أغلب الفرق المسرحية المصرية على زيارة فلسطين وعرض مسرحياتها على مسارح مدنها ([3])، ضمن رحلات فنية سنوية إلى الأقطار الشامية. ومن هذه الفرق: فرقة رمسيس - لصاحبها يوسف وهبي – التي زارت فلسطين في أعوام 1925، و1927، و1930، و1934، و1936، وقدمت مجموعة من المسرحيات، منها: غادة الكاميليا، والبؤساء، ونوتردام دي باري، وتوسكا، وكونت دي مونت كريستو ([4]). كما فاوضت أول محطة إذاعية فلسطينية – المعروفة بـ " هنا القدس " بعد أيام من بداية عملها - يوسف وهبي على نقل مسرحياته، التي يمثلها في فلسطين إلى جمهور القدس ([5]).
أما فرقة (بربري مصر الوحيد) لعلي الكسار؛ فقد زارت المدن الفلسطينية في أعوام 1926، و1933، و1934، و1944م. والجدير بالذكر أن الفرقة في رحلتها الثانية عام 1933، عرضت مسرحياتها في مدن: يافا، وحيفا، والقدس، ونابلس. كما أن رحلتها الأخيرة عام 1944م كانت تضم مجموعة كبيرة من الفنانين، أمثال: إسماعيل ياسين، ومحمود شكوكو، وإبراهيم حمودة، وسعاد حسين، وفايزة رشدي، وبديعة صادق، ولطيفة نظمي، وسونيا رشدي، ورجاء محمد، وعبد العزيز أحمد، وفهمي أمان، وعبد الحليم القلعاوي، والدكتور سعيد ([6]).
كذلك زارت فلسطين فرقة (سلطانة الطرب) منيرة المهدية في عامي 1926، و1934([7]). أما فرقة أمين صدقي فقد زارتها عام 1927م ([8])، وفرقة فاطمة رشدي زارتها عام 1929م، وقدمت مسرحيات، منها : السلطان عبد الحميد، وغادة الكاميليا، والنسر الصغير، وجمال باشا، وجان دارك، وتيودورا، وأما ليلة ([9]). وفي عام 1934 زارت فرقة عكاشة فلسطين وقدمت عدة عروض مسرحية ([10])، وفي العام نفسه زارتها فرقة اتحاد الممثلين ([11]).
وإذا كانت الفرق السابقة زارت فلسطين وعرضت في مدنها بعضاً من مسرحياتها، إلا أن نشاطها المسرحي كان محدوداً بأيام الزيارة. أما فرقة مصر - لصاحبها حسن شلبي – فتعدُ أهم فرقة مسرحية مصرية زارت فلسطين والأقطار الشامية، حيث عرضت مسرحياتها طوال موسم كامل 1930/1931، وكانت الفرقة تتكون من المخرج عمر وصفي، ومجموعة من الممثلين، أمثال: سرينا إبراهيم، وعلية فوزي، والشيخ محمد إدريس، وبشارة واكيم، وعبد العزيز خليل، وعباس فارس، وإبراهيم الجزار، ويوسف حسن، وسيدة فهمي، وفردوس محمد، وفكتوريا سويد، ولطيفة أمين ([12]).
المرحلة الأولى للقضية الفلسطينية
ظهرت القضية الفلسطينية – في مرحلتها الأولى – منذ وعد بلفور المشئوم عام 1917م - القاضي بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين - إلى نهاية فترة الانتداب البريطاني (1920 – 1948م)، وفي هذه المرحلة تعرض الشعب الفلسطيني – مسلمون ونصارى – إلى الاضطهاد من قبل اليهود. والمسرح المصري لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه القضية، ولم يكتف بإرسال الفرق المسرحية إلى فلسطين – كما مرّ بنا - بل وقف موقفاً إيجابياً مع الفلسطينيين وقضيتهم في مرحلتها الأولى؛ فقد لاحظ الأدباء المصريون أن أفعال اليهود تؤثر سلباً في الثروة الزراعية الفلسطينية، حتى أصبح حال الفلاح الفلسطيني مرضاً اجتماعياً يحتاج على العلاج؛ لذلك أعلن يوسف الخطيب – سكرتير (حلقة الأدب) التابعة لجريدة الأهرام – في عام 1922م عن مسابقة في التأليف المسرحي يتقدم إليها الكُتّاب العرب لكتابة مسرحية تحض على استئصال أحد أمراضنا الاجتماعية ومنها (حالة الفلاح الفلسطيني)، والفائز سيُمنح خمسمائة نسخة مطبوعة من المسرحية مجاناً ([13]).
وهذه المسابقة تُعد أول نموذج عملي مصري لأدب المقاومة ضد ممارسات العدو الصهيوني. أما النموذج الثاني فكان في العام التالي 1923م، عندما كتب يوسف العيسى – بعد أن شاهد مسرحية صلاح الدين الأيوبي - مقالة حزينة على مدينة القدس، عندما قارن بين ما شاهده في المسرحية من احترام المسلمين وقائدهم صلاح الدين لنصارى مدينة القدس في الماضي، وبين ما يُعرض حالياً في سينما صهيون بالقدس من أفلام مسيئة للنبي عيسى – عليه السلام – ودينه ([14]).
أما النموذج الثالث لتعامل المسرح المصري مع القضية الفلسطينية – في هذه المرحلة – فتمثل في موقف يوسف وهبي، عندما أقام حفلة خيرية بمسرحه في ديسمبر 1929م، وعرض فيها مسرحيته (كرسي الاعتراف)، ثم تبرع بإيرادها لمنكوبي عرب فلسطين ([15]). والمقصود بالمنكوبين - في هذه الفترة – الجرحى والقتلى والشهداء والمحكوم عليهم بالإعدام ممن دافعوا عن (حائط البراق) - بوصفه من الأمانات الإسلامية المقدسة - في ثورة عُرفت وقتئذ بـ " ثورة البراق ".
المرحلة الثانية للقضية الفلسطينية
بدأت المرحلة الثانية - من القضية الفلسطينية – مع نكبة فلسطين عام 1948م، وحتى قبيل هزيمة يونية 1967م. وقد تعامل المسرح المصري مع القضية في هذه المرحلة تعاملاً عاطفياً حماسياً في بادئ الأمر، ثم طوّر تعاملة ليصبح تعاملاً مأسوياً، يعكس مأساة فلسطين في واقعها المرير المفروض عليها. فبعد إعلان الكيان الصهيوني بأن فلسطين أصبحت دولته، قام كل من فتوح نشاطي، ونيروز عبد الملك بتأليف مسرحية (العائد من فلسطين) عام 1948، التي عرضتها الدولة ممثلة في (الفرقة القومية) على خشبة المسرح القومي في موسم 1949/1950م بطولة أحمد علام وإخراج فتوح نشاطي. والمسرحية لم تعالج نكبة فلسطين بصورة مباشرة، بل رمزت لها بأحد الضباط المصريين العائدين من حرب 1948، بعد أن سبقه خبر غير صحيح يقول بوفاته ([16])، ولكنه يعود حياً بعد شهرين؛ وكأن المؤلفَيّن أرادا أن يقولا إن فلسطين ستعود، وأن خبر ضياعها خبر كاذب، وقريباً ستعود إلى الأمة العربية. وهذا التعامل ربما نجده أيضاً عند الكاتب داود جمجوم في مسرحيته (فلسطين للعرب)، التي ألفها عام 1948م ([17]).
أما عبد الرحمن الساعاتي – مؤسس المسرح الإسلامي في جمعية الشبان المسلمين – فقد تعامل من القضية الفلسطينية – في هذه المرحلة - تعاملاً دينياً حماسياً من خلال تأليفه لمسرحية (صلاح الدين الأيوبي منقذ فلسطين) عام 1948م ([18])، والتي مثلها فريق التمثيل بجمعية الأخوان المسلمين. وقد أهدى المؤلف مسرحيته – كما جاء في مقدمتها - "إلى شهداء فلسطين الأبرار، وأبطال الجهاد المقدس لإنقاذ الوطن الإسلامي وتحرير الأرض المقدسة. إلى المجاهدين والمشردين من أبناء العمومة وإخوان العقيدة والإسلام أهل فلسطين المجاهدة الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. أهدي هذا القصص من تاريخ الإسلام المجيد، وهذه الصفحة من سيرة البطل الفاتح صلاح الدين التي جلجلت في يوم الزحف، وأعدت لتعمل عملها مع قصف المدافع وأزير الطائرات لإدراك الغاية ورفع الراية وإصابة الأهداف. وما زال الأمل إن شاء الله معقوداً، والرجاء في الله تبارك وتعالى أكيداً أن يعيد الغرباء إلى أوطانهم، ويرفع الظلم عن ديارهم ما سلكوا سبيل المجاهدين، وأقروا بنيهم وذراريهم سيرة صلاح الدين".
المسرحيات الثلاث السابقة كُتبت في عام النكبة نفسه 1948، فجاءت عاطفية حماسية لتعالج صدمة إعلان دولة الكيان الصهيوني، ولتخفف أمر الصدمة في نفوس الفلسطينيين والعرب أجمعين في محاولة إعادة الثقة بأن فلسطين ستعود، وسيعود جميع المشردين إلى ديارهم في فلسطين. هذا الشعور بدأ يتبدد مع مرور الزمن، وضعف معه الأمل في العودة، خصوصاً وأن المخيمات اكتظت باللاجئين والمشردين. هذا الوضع الجديد، وهذا المفهوم الجديد للقضية الفلسطينية، تطرق إليه المسرح المصري من خلال مسرحية (عائدون)، التي ألفها محمد مصطفى شبانة عام 1961م، ليحكي من خلالها مآسي اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وما يعانونه من جوع وإذلال وموت ومرض، وشعور بالظلم. ومن أمثلة ذلك، الحوار التالي - الذي يدور في خيام اللاجئين - بين الابنة هيفاء، ووالدها شحتة.
هيفاء : ليتنا نموت يا أبتاه .. ليت الموت يخلصنا من هذه الحياة القاسية.
شحتة : هيفاء ! ما هذا الهراء الذي أسمعه .. ما عهدت منك مثل هذا القنوط من قبل، تذرعي بالصبر يا ابنتي .. الصبر.
هيفاء : لم أعد أطيق صبراً يا أبتاه .. لم أعد أحتمل هذه الحياة القاسية .. فقر .. مرض .. هوان .. حرمان .. تشرد .. ولا مأوى .. ولا وطن ([19]).
هذه المآسي التي تعرض لها اللاجئون في المخيمات، لم تنل من عزيمتهم، بل زادتهم إصراراً وإيماناً بالعودة إلى ديارهم في فلسطين، وهذا هو هدف مؤلف المسرحية، الذي عبر عنه في (نشيد العودة) كخير ختام للمسرحية، وتقول كلماته:
عائدون .. عائدون
إننا لعائدون
فالحدود لن تكون
والقلاع والحصون
فاصرخوا يا نازحون
إننا لعائدون
للديار .. للسهول .. للجبال
بالدماء .. والفداء .. والإخاء والوفاء
عائدون .. عائدون
المرحلة الثالثة للقضية الفلسطينية
تبدأ هذه المرحلة من هزيمة يونية 1967م وحتى قبيل انتصار أكتوبر 1973م. وكانت هزيمة يونية صدمة كبرى للعرب بصفة عامة، وللمصريين والفلسطينيين بصفة خاصة. وهذه الصدمة لم نفق منها إلا بعد زمن طويل، والقائمون على المسرح المصري لم يصدقوا الهزيمة فور وقوعها، لذلك تجنبها أغلب الكُتّاب، وحاولوا تجاوزها بالعزف على وتر الدين، أو الهروب إلى التاريخ واستلهام التراث، وتبعاً لذلك أخذت القضية الفلسطينية مفهوماً جديداً، تمثل في الدعوة إلى التمسك بالدين انتظاراً للمعجزة الإلهية في عودة الأرض، وهذا ما فعله فؤاد الطوخي في مسرحيته (فلسطين للعرب) أو (بيت المقدس)، التي كتبها بعد هزيمة يونية مباشرة، ومثلتها جمعية الشبان المسلمين في سبتمبر 1967م ([21]).
والمسرحية تدور أحداثها في زمن هرقل وسيطرة الروم على بيت المقدس، وما دار في هذا الزمن من حروب بين الروم وعمرو بن العاص، وانتصار المسلمين وما تم بعد ذلك من صلح حتى أصبحت فلسطين للعرب. وقد صاغها المؤلف بأسلوب إسلامي أبان فيه سماحة الإسلام وأخلاق المسلمين وصفاتهم الحسنة، وأكد على نماذج من المسيحيين واليهود ممن اعتنقوا الإسلام في تلك الفترة. أي أن الكاتب غلّف الموضوع بروح إسلامية ليصل إلى فكرته بأن الحُكم الإسلامي لفلسطين هو الحُكم الأمثل. وعلى الرغم من وضوح هذه الفكرة في المسرحية؛ فإن المؤلف أكد في مواضع كثيرة بأن فلسطين للعرب، وستظل للعرب.
فعلى سبيل المثال نجد الفتاة (سحر) تدفع (بشراً) إلى الانتقام من أجل الوطن لا من أجل الثأر، قائلة له: "... قبل أن تفكر في الانتقام لأبي وأمك وأخوتك، يجب أن تفكر في الانتقام لوطنك .. لقد أظلتنا سماؤه ونشأنا في أحضانه. فلا أقل من أن نخلصه من هؤلاء المستعمرين من الفرس والروم ومن هؤلاء الدخلاء من اليهود .. أننا أهل البلد الأصليون. فلنضع إذن نصب أعيننا أن فلسطين ليست للفرس ولا للروم ولا لليهود .. فلسطين للعرب"([22]).
وهذا المعنى ذكره أيضاً الأب (بازل) – أحد قساوسة القدس في المسرحية – عندما بدأ جيش عمرو بن العاص يدخل مدينة القدس، قائلاً : " اللهم هذا يوم من أيامك .. فاللهم ثبت أقدام العرب، وأدم المودة والتعاون والإخاء بين المسلمين والمسيحين .. اللهم بارك هذا الارتباط المقدس وأيده بنصر من عندك، حتى تصبح فلسطين للعرب " ([23]).
وإذا نظرنا إلى الموقف الرسمي للمسرح المصري تجاه قضية فلسطين في هذه المرحلة؛ سنجد عبد الرحمن الشرقاوي يطلّ علينا بمسرحيته (وطني عكا)، التي كتبها بعد هزيمة يونية، وعُرضت على المسرح القومي في نوفمبر 1969م إخراج كرم مطاوع. والشرقاوي في هذه المسرحية قام بدور دبلوماسي في تخدير الجمهور والقراء، حيث لجأ إلى التراث والتاريخ يستمد منه العون لإنقاذ فلسطين، بدلاً من مواجهة الحقيقة وإظهارها بصورتها الواقعية، وهذا ما عبر عنه (حازم) الكهل الفلسطيني الذي يعيش في المخيمات، قائلاً.
" إيه يا قبر صلاح الدين .. آه !
إيه يا روح صلاح الدين .. يا حطين يا عزة أمجادي النبيلة
أيها البوق الذي يعزف في زهو يثير الكبرياء
يا نفيراً لم يزل يبعث في الأعماق إحساساً جليلاً بالإباء
يا انتصارات صلاح الدين يا راياته أخفقن على أرض البطولة
إيه يا روح علي بن أبي طالب
هل في نفحة من روح خيبرّ
إيه يا خالد قم فأشهر سيوف النور في هذا الدجى الساجي وكبر
كذلك حاول الشرقاوي قلب الحقائق، عندما أوهمنا بأن هزيمة يونية كانت نصراً لو لم تصدر الأوامر بالانسحاب، وهذا ما عبر عنه – في المسرحية - الضابط المصري (علي) قائلاً:
" أنا لست أحمل عار هذا اليوم، لا، لم أنهزم !
أنا لست من صنع الهزيمة يومذاك
لم ننهزم أبداً وآلاف سواي تقدموا وتقدموا تحت السعير!
ورؤوسنا مكشوفة تحت القذائف ينهمرن ولا دروع على الصدور
بالرغم من هذا تقدمنا وأرعبنا العدو ولم نزل متقدمين
وفجأة صدرت أوامر الانسحاب
أنا لم أصدق ما سمعت وقلت هذا لن يكون
وتقدمت قواتنا أيضاً خلال النار والظلمات والروع المحلق والعذاب
وتراجعت قواتهم فرقاً فولوا هاربين
وتقدمت قواتنا والنصر يسكب قدرة سحرية في كل قلب !
وهكذا لجأ عبد الرحمن الشرقاوي إلى التاريخ والتراث لمعالجة القضية الفلسطينية، كما لجأ إلى قلب الحقائق كي نتقبل الهزيمة ونسمو فوقها حتى نسير للأمام، وذلك من خلال بعض الشعارات المطلوبة وقتئذ، وهذا التصرف الخادع أكده ناشر المسرحية – محمد المعلم - في كلمته المنشورة على غلاف المسرحية، قائلاً فيها :
" هذه المسرحية عمل فني صادق .. تحرر .. وتخطى الأساليب التي ألفنا الدوران في إسارها، ونحن نعرض قضيتنا الكبرى وصراعنا المصيري مع إسرائيل. فبصدق وواقعية .. لنا أو علينا .. يتناول حقبة من هذا الصراع، هي ما بين صيف 1967، 1968 .. ويعرض الثورة الفلسطينية في بعثها الجديد .. فكراً .. وعناء وفداء .. في مشاهد ومواقف أخاذة نفاذة .. تتفتح لها كل العقول، وينفعل بها الضمير الإنساني .. فلا صياح .. ولا انفعال .. ولا تعصب! بل فكر متفتح يأخذ ويعطي .. وحوار حي متجدد مع النفس قبل الغير .. وبشرية طبيعية لا زيف فيها ولا طلاء .. تحب وتحلم، تخطئ وتصيب تتعثر وتتعلم .. وتناقش الموت وتقدر الحياة! ثم إنسانية باهرة تتحسس عسى أن يكون بين الأعداء بعض الشرفاء .. فلا يستبد بها حقد أو يعميها تعصب .. بل تتعاطف وهؤلاء الشرفاء إذ تعثر عليهم بين الأعداء ! .. (لمحة بارعة .. تفيد منها الثورة حتى بين بنيها!) وينساب في كل المشاهد والفصول .. منطق الحق والعدل .. منطق الإنسان وقد حرم حق الإنسان في أن يكون له وطن ويكون له تراب، وفي أن يعيش كما يعيش الآخرون، لا أن يبقى شريداً لاجئاً (يساوم ساسة الدنيا عليه أجمعين)! ويشدنا شاعرنا الفنان عبد الرحمن الشرقاوي وهو يمضي بنا في وطني عكا التي صاغها وسكب فيها من صدق روحه وشرف ضميره وقوة وجدانه، ما خرج بها عملاً فنياً كبيراً .. جديراً بأن يترجم إلى لغات العالم .. فتنفتح له العقول .. كل العقول، وينفعل به الضمير الإنساني .. حيثما يكون " ([26]).
كان موقف الفريد فرج مغايراً في معالجته لقضية فلسطين عندما كتب مسرحيته (النار والزيتون) عام 1970م. فعلى الرغم من أنها مسرحية تدعو إلى الحرب وتحرير فلسطين، إلا أن مؤلفها – بشعور اليائس من عودة فلسطين في الوقت الراهن، لا سيما بعد هزيمة يونية – أراد أن يسجل الحقائق قبل أن تتغير، وأن يؤكد على المعاني قبل أن تتبدل، وأن يُثبّت التاريخ قبل أن يُزوّر، لذلك لجأ في مسرحيته إلى تطبيق أسلوب المسرح التسجيلي ([27])، فنجده يأتي بالنسب المئوية لسكان فلسطين ويقارنها بنسب الوجود اليهودي من عام 1918 إلى 1948م. كذلك قارن بينهما في مجال الزراعة والتعليم .. إلخ ([28]).
وبهذا الأسلوب سجل الفريد فرج معاناة الشعب الفلسطيني في سبيل استرداد حقوقه، حيث ذكر تخطيطات اليهود على مر الزمن من أجل الاستيلاء على أرض فلسطين، ثم تطرق إلى وعد بلفور مع ذكر نصه، مروراً بحرب العصابات وهجرة اليهود إلى أرض فلسطين، والحديث عن مذابح اليهود للقرى الفلسطينية، وما حدث في نكبة 1948، وهزيمة يونية 1967 .. إلخ، ثم أنهى مسرحيته بصرخة صادمة للجمهور وللقراء بوجوب الاستيقاظ من أجل استرداد الحق الفلسطيني.
المجموعة : انتباه ! قف !
وإلى القدس تقدم.
افتح الأبواب لحرية بلادنا.
ارفع الرايات ترفرف ..
فوق سناكي الفدائيين وعلى رؤوسهم ترفرف
وبأسلوب المسرح التسجيلي أيضاً كتب يسري الجندي مسرحيته (اليهودي التائه) ([30]) بعد هزيمة يونية، وفيها يعطي الأمل في إنقاذ فلسطين من براثن الصهيونية؛ وهذا الأمل تمثل في انتظار المُخلّص، لأن فلسطين دائماً تنتظره. وهذا المخلص يظهر في كل عصر ثم يختفي ليعود مرة أخرى في صورة جديدة. وحول هذا المعنى تقول مجموعة الكورس في المسرحية: "ودائماً كانت هذه الأرض تنتظر المخلص. ودائماً .. ودائماً كان المخلص يأتي .. في أحلك الساعات كان يأتي .. ثم يمضي .. يأتي ثم يمضي .. يأتي ثم يمضي .. من نوح إلى إبراهيم .. من موسى إلى عيسى إلى أبي القاسم" ([31]).
وهذا الحل التواكلي للقضية الفلسطينية - الذي طرحه المؤلف، المتمثل في انتظار المخلص - ربما كان المؤلف لا يصدقه، ولا يؤمن به في الواقع. وربما يطول الانتظار، أو لا يأتي المخلص .. لذلك قام يسري الجندي بواجبه تجاه القضية بأنه سجّل في مسرحيته – مثل الفريد فرج – حوادث التاريخ قبل أن تضيع، أو تُمحى من الذاكرة.
أحدهم : إن أغلبية العرب طردوا عنوة زمن الحرب سنة 1948 وتمّ تدمير قراهم..
أحدهم : في 15 نوفمبر عام 1948 طرد سكان قرية كفر فيرام عنوة ..
آخر : في 4 فبراير 1949 تعرضت غالبية سكان كفر عنان للطرد القسري فيما وراء الأسلاك الشائكة وقام الجيش بتهديم القرى ..
آخر : في 28 فبراير 1949 تم اعتقال 700 عربي من اللاجئين في قرية كفر ياسين ورحلوا عنوة إلى ما وراء الحدود .. ([32]) [... إلخ]
ويستمر المؤلف في تسجيل الحقائق والتواريخ والأرقام والحوادث والأسماء والأماكن؛ خشية نسيانها، أو ضياعها، وعندما يطمأن بأنه سجل كل شيء، ينهي مسرحيته بالدعوة إلى الثورة حتى تتحرر فلسطين. وهذه الدعوة عبرت عنها مجموعة الكورس – في المسرحية – قائلة:
" فلتستيقظ هذي الأرض ..
فلتستيقظ هذي الأرض ..
فلتستيقظ .. فلتستيقظ ..
فلتسري نار اليقظة في كل الأطراف ..
فلتسري نار اليقظة في كل ملايين الأعصاب الغافية المكلومة ..
فلترتج وترتج ..
فلترتج وترتج ..
المرحلة الرابعة للقضية الفلسطينية
تبدأ هذه المرحلة من انتصار أكتوبر 1973م وحتى الآن. وفي هذه الفترة عالج المسرح المصري القضية الفلسطينية بالتأكيد على مبدأ المقاومة بوصفها الحل الأمثل لإنهاء القضية وتحرير أرض فلسطين، بناءً على تجربة الانتصار في أكتوبر تبعاً لمبدأ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة. لذلك كتب حسنين أمين مسرحيته (فلسطين عيزاك) عام 1974م ([34])، التي تدور أحداثها داخل فلسطين - قبل حرب أكتوبر 1973 - من خلال صاحبة القهوة (المعلمة) وابنتها (سالمة)، وصبي القهوة (فشة). وجميعهم يقومون بعمليات فدائية تتمثل في استدراج جنود الاحتلال داخل القهوة وقتلهم. وللمعلمة ابنان يقومان بعمليات فدائية أيضاً. وفي يوم تأتي دورية من الصهاينة أثناء وجود الفدائيين في المقهى، فيتم القضاء على جنود الدورية، وتُستشهد المعلمة، ويتم أسر سالمة وفشة والشيخ حجاج. وفي سجون التعذيب يتلقى الأسرى ألواناً من المهانة والذل، دون جدوى في إفشائهم لأسرار الفدائيين. وبعد فترة يقوم الفدائيون – بمساعدة الجنود المصريين - بتحريرهم من الأسر؛ حيث إن حرب أكتوبر بدأت منذ ساعات. وتنتهي المسرحية بدعوة الأطفال إلى التمسك بفلسطين، والبقاء فيها؛ لأن فلسطين تريدهم، وهم أمل استمرار المقاومة فيها، تلك المقاومة التي ستؤدي إلى تحرير الأرض:
المعلمة : ماتخفش يا حجاج .. أنا قبل ما أعمل اللي أنا بأعمله .. كنت عارفة أن في يوم من الأيام حموت برصاص الخونة .. أو أتعذب.
الشيخ حجاج : ما هو ده اللي أنا خايف منه .. وعايزك تفكري كويس .. إحنا محتاجين لك يا أم ياسر .. أنت الأمل اللي فاضل لنا.
المعلمة : أبداً .. متقولش كده يا حجاج .. الأمل .. الأمل في ولادنا هنا دول اللي حايكملوا الباقي ويعملوا اللي ماقدرناش نعمله .. إحنا خلاص كبرنا يا حجاج ([35]).
وقد لاحظ بعض الكُتّاب أن هناك حوادث فردية، يقوم فيها الفلسطيني بالانتقام من اليهود لا من أجل تحرير أرضه بل من أجل الانتقام الشخصي؛ لأن هذا اليهودي قتل أباه أو أمه، أو أحداً من عائلته. ومن هؤلاء الكُتّاب عبد الرحمن فهمي، الذي ألف مسرحية (الإصرار) عام 1977م ([36])، وأحداثها تبدأ بظهور شيخ يقف أمام صورة للمسجد الأقصى، ومن ثم يروي للشباب والأطفال قصة المدينة من تسعمائة سنة؛ من خلال بطولة أبو هشام، الذي حارب الفرنجة فاستشهد أمام بيته مع زوجته وأحد القساوسة، بعد أن ترك ابنه هشام في رعاية صديقه محمود. وهشام شاهد مقتل والديه، ورأى دماءهما تروي أرض القدس بعد أن دخلها جنود الفرنجة، كما أنه حافظ على وصية والده بألا ينسى دماء والديه، وأن يأخذ بثأرهما. هذه الوصية حملها هشام – بعد أن كبر - إلى ولده خالد، وخالد حملها إلى ولده هشام، وهكذا حتى حملها أحد الأحفاد في زمن صلاح الدين الأيوبي، وكان اسمه هشام أيضاً. وعندما فتح صلاح الدين القدس ذهب هشام إلى بيت جده الأكبر، وأراد أن يقتل قاطنيه من الفرنجة انتقاماً لجده الأكبر فمنعه صلاح الدين، وأبان له الفرق بين المسلمين أصحاب الحقوق وبين الفرنجة الغاصبين. وفي نهاية سرد قصة انتقام هشام، يعود الشيخ – كما في بداية المسرحية - إلى الأطفال والشباب، ويطالبهم بالاستعداد لاسترداد القدس مرة أخرى كما فعل أجدادنا العرب من تسعمائة عام:
الشيخ : آدي حكاية أبو هشام من تسعمائة سنة .. وهي نفسها حكاية كل عربي من تسعمائة سنة .. وحكاية كل عربي النهاردة .. القسوة والوحشية اللي الأعداء بيعاملونا بها لازم تدفعنا للتماسك والوحدة .. والكوارث اللي أصابتنا وأصابت القدس هي طريق الإصرار والتصميم على استردادها .. علشان كده بأقول لكم إننا حانستردها .. وحنرجعها عربية .. وحننتصر بإذن الله بإصرارنا وتصميمنا .. وأنا دلوقتي رايح القدس .. حاستنى هناك يوم النصر .. يوم التحرير .. وهاقابلكم هناك قريباً بإذن الله " ([37]).
وتأكيداً على خيار المقاومة في حل القضية الفلسطينية، كتب طارق محمد مسرحية (الأرض الثائرة) عام 1987 ([38])، التي تروي قصة فرقة مسرحية جوالة من شباب فلسطين داخل الأرض المحتلة، تثور من ظلم المحتلين فتقرر القيام بأعمال فدائية، وتنجح في تفجير منزل القائد الصهيوني في المنطقة، ولكن زوجة القائد تخرج من المنزل حيّة، وتكشف عن هويتها بأنها عربية فلسطينية واسمها زينب، وقد تزوجها القائد الصهيوني رغماً عنها. وبعد أيام يتم القبض على أفراد الفرقة، ويتم حبسهم في معسكر للتعذيب. وبعد أيام يطلب منهم قائد المعسكر تقديم مسرحية أمام بعض الزائرين فيقدمون عرضاً مسرحياً يكشف حقيقة المستعمر ويطالب بحق الفلسطينين فيثور قائد المعسكر ويقتلهم جميعاً في حالة من الجنون، ويفخر بأنه قضى على المقاومة نهائياً، ولكن طفلاً فلسطينياً يحمل مدفعاً يظهر للجمهور في نهاية العرض دلالة على استمرار المقاومة.
جهاد : (يتقدم زاحفاً إلى جثمان الشيخ عاصم قليلاً) يا أرضي أوصيكي .. ثوري على الطغيان .. فجري فيكِ البركان .. رجعي الحق لأصحابه .. رجعي الحمام يرفرف في سماكِ من تاني زي زمان (ثم يموت). (وهنا يصرخ عزرائيل ويصبح فرحاً مسروراً)
عزرائيل : كلهم ماتوا .. إيد المقاومة انتهت .. خلاص يا عزرائيل دلوقتي ماحدش يقدر يقف قصادك .. هاهاها .. (وهنا يخرج مسرعاً بينما تنزل أغنية الفينالة وأثناء ذلك يدخل بعض الأهالي بحركات بطيئة ويحملون جثة جهاد ويخرجون به من المسرح بينما قبل أن تنتهي الأغنية يدخل الطفل وليد إلى خشبة المسرح وفي يده مدفع وتسلط عليه الأضواء حتى نهاية الأغنية وقبل نهايتها يقول وليد وهو رافع سلاحه)
وليد : طول ما فيّ قلب حي بينبض في أي بلد عربي ماحدش هايقدر ينول ولا حبّة رمل في أرضك يا بلدي ([39]).
وبناءً على خيار المقاومة في حل القضية الفلسطينية، كتب فؤاد حداد مسرحيته الشعرية (الحِمْل الفلسطيني) عام 1987م ، التي أخرجها أحمد إسماعيل في أمسية مسرحية على مسرح السامر بالعجوزة يوم 19/12/1987، وعرضت مرة أخرى على المسرح القومي يوم 20/10/2000 من إخراج رشدي الشامي. والعرض مكتوب بالشعر العامي المأخوذ من ديوان للشاعر بالاسم نفسه صدر عام 1985. والعرض يحكي قصة القضية الفلسطينية من خلال الاعتداءات الإسرائيلية والمساندات الأمريكية، مع سلبية العرب في الدفاع عن كرامتهم. وفي نهاية العرض أكدّ المؤلف رفض الشعب الفلسطيني للحياة في ظل الاحتلال، وأن المقاومة ستستمر لأن روحها موجودة في بطون الحوامل.
" شاهد على مشهدي
مانع يفيض الكيل
خبز الغِرارة ندي
أنوي تمام الليل
أفرد وأطوي جناحي
على قدم وسلاحي
بين المضارب صاحي
وأعرف ظنون الظَلمَة
وبالأسلوب نفسه أعدّ وأخرج طلعت الدمرداش مسرحية (القدس في عيون مصرية) عام 1989م، حيث قام بتجميع نصها من مسرحية (مجلس العدل) لتوفيق الحكيم، وأحد منولوجات عبد الرحمن الشرقاوي، بالإضافة إلى قصائد لنزار قباني، ومحمود درويش، وهارون هاشم رشيد، ولشاعرين من محافظة المنوفية هما: أحمد عبد الحفيظ، وخالد علام. وهذه المسرحية قدمتها كلية التجارة بجامعة المنوفية على مسرح قصر ثقافة شبين الكوم، وتدعو إلى الثورة والمقاومة لاسترداد أرض فلسطين. وقد برر طلعت الدمرداش – مُعدّ المسرحية ومخرجها – دعوته هذه بأنه لاحظ أن القضية الفلسطينية أصبحت تُعالج بالكلمات والأشعار بدلاً من أن تُعالج بالقذائف والرصاص والحجارة ([41]).
معالجة القضية بالرمز
أوضحنا فيما سبق أن المسرح المصري عالج القضية الفلسطينية معالجة فنية في جميع مراحلها، وكانت المعالجة المسرحية صريحة التناول في نصوص المسرح وعروضه؛ ولكن هناك كُتّاباً تناولوا القضية الفلسطينية في أعمالهم المسرحية عن طريق الرمز. ومن هولاء الكُتّاب الدكتور رشاد رشدي في مسرحيته (حبيبتي شامينا) التي قُدمت على المسرح القومي من إخراج سمير العصفوري عام 1972م. وفيها استوحى رشاد رشدي أحداثها وشخوصها من نشيد الإنشاد، ورمز لفلسطين بشخصية شامينا. كذلك قام محفوظ عبد الرحمن بكتابة مسرحية (كوكب الفئران) عام 1986م، وفيها رمز للصهيونية وأفعالها في الأراضي الفلسطينية بالفئران المفترسة التي أهلكت الأراضي الزراعية في إحدى القرى الريفية. وأيضاً كتب سمير الجمل مسرحية (الأم) عام 1988م، وفيها رمز لفلسطين بالفتاة المغتصبة، كما رمز للعرب في اختلافهم حول القضية الفلسطينية بأشقاء الفتاة المختلفين حول إيجاد الحل الأمثل لمأستها.
احتضان القضية عربياً
لم يكتفِ المسرح المصري بتناول القضية الفلسطينية عن طريق النص أو العرض صراحة أو رمزاً فقط، بل احتضن نصوص القضية وعروضها عربياً أيضاً ([42]). فمسرحية (زهرة من دم) للدكتور سهيل إدريس نُشرت في مصر عام 1969م ضمن سلسلة " مسرحيات عربية "، وعُرضت في العام نفسه على مسرح توفيق الحكيم في مايو، من إخراج كمال ياسين. ومسرحية (ثورة الزنج) لمعين بسيسو عُرضت بالقاهرة في فبراير 1970 من إخراج نبيل الألفي، وكذلك مسرحيته (شمشون ودليلة) عُرضت في العام التالي بمسرح الحكيم من إخراج نبيل الألفي أيضاً.
أما مسرحية (السؤال) لهارون هاشم رشيد فقد طبعتها مؤسسة روز اليوسف في سلسلة الكتاب الذهبي عام 1973م، وصرحت الرقابة بتمثيلها في مصر لصالح الإنتاج التلفزيوني لفرقة منظمة التحرير الفلسطينية في 27/6/1973. كما عرضها المسرح القومي تحت اسم (سقوط بارليف) من إخراج سناء شافع عام 1974م، ومثلتها أيضاً كلية الطب البيطري عام 1981م، والثقافة الجماهيرية عام 1985م، وفرقة الإسكندرية المسرحية عام 1986م، وكلية الآداب عام 1986م.
كذلك كان الأمر مع مسرحية (نداء الأرض) إعداد وإخراج المخرج الفلسطيني حسين الأسمر، وقدمتها فرقة المسرح الثوري الفلسطيني التابعة للاتحاد العام لطلبة فلسطين بالقاهرة في يناير 1974م. أما مسرحية (ثمن الحرية) لعمانويل ردبلس ترجمة سهيل إدريس، فقد أعدها ومثلها أعضاء الاتحاد العام لطلبة فلسطين فرع القاهرة في يناير 1975م. ومن طرائف إعداد هذه المسرحية؛ تغيير الأسماء: فمثلا في الأصل نجد شخصية (زوازوا) تصبح بعد الإعداد (إسرائيل)، و(موراليس) نجده (حاييم)، و(أنطونانزاس) نجده (إبرهام) .. وهكذا.
النتائج
تناول المسرح المصري القضية الفلسطينية في مرحلتها الأول (1917 - 1948) - أي منذ وعد بلفور إلى ما قبل عام النكبة - من خلال :
1 – الإعلان عن مسابقة مسرحية عام 1922م، لكتابة مسرحية تعالج حالة الفلاح الفلسطيني.
2 – مقالة تُقارن بين احترام صلاح الدين الأيوبي لنصارى مدينة القدس كما جاء في مسرحية عُرضت في القاهرة عام 1923م، وبين ما تعرضه سينما صهيون بالقدس - في العام نفسه - من أفلام مسيئة للنبي عيسى – عليه السلام – ودينه.
3 – تبرع يوسف وهبي بإيراد حفلة خيرية لمسرحية (كرسي الاعتراف) لصالح منكوبي فلسطين في ثورة البُراق عام 1929م.
أما تناول المسرح المصري للقضية الفلسطينية في مرحلتها الثانية (1948 – 1967م) - أي منذ عام النكبة إلى ما قبل هزيمة يونية 1967م – فقد تمثل في:
4 - التعامل العاطفي الحماسي الديني في المسرحيات المكتوبة في عام النكبة 1948، ومنها: (العائد من فلسطين) لفتوح نشاطي ونيروز عبد الملك، و(فلسطين للعرب) لداود جمجوم، و(صلاح الدين الأيوبي منقذ فلسطين) لعبد الرحمن الساعاتي.
5 – إظهار مآسي اللاجئين في المخيمات، كما عرضها محمد مصطفى شبانة في مسرحيته (عائدون) عام 1961م.
وتناول المسرح المصري للقضية الفلسطينية في مرحلتها الثالثة (1967 – 1973م) - أي منذ هزيمة 1967 إلى ما قبل انتصار أكتوبر 1973م – فقد تمثل في:
6 – تجنب الحديث عن هزيمة 1967، واستلهام التراث والتاريخ انتظاراً لمعجزة سماوية تحرر فلسطين، وذلك في مسرحية (فلسطين للعرب) أو (بيت المقدس) لفؤاد الطوخي عام 1967م.
7 – الحديث عن هزيمة يونية 1967 بوصفها انتصاراً لتهدئة الشعوب كما فعل عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته (وطني عكا) عام 1969م.
8 – اللجوء إلى المسرح التسجيلي؛ لتسجيل الحقائق والأرقام والحوادث والمعلومات عن فلسطين وقضيتها قبل أن تُمحى أو تُزور أو تُطمس، كما فعل الفريد فرج في مسرحيته (النار والزيتون) عام 1970م، ويسري الجندي في (اليهودي التائه) عام 1972م.
وتناول المسرح المصري للقضية الفلسطينية في مرحلتها الرابعة - منذ انتصار أكتوبر 1973م حتى الآن - كان من خلال:
9 – التأكيد على مبدأ المقاومة بوصفها الحل الأمثل لإنهاء القضية وتحرير أرض فلسطين، بناءً على تجربة الانتصار في أكتوبر تبعاً لمبدأ ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وذلك من خلال مسرحية (فلسطين عيزاك) لحسنين أمين عام 1974م، ومسرحية (الإصرار) لعبد الرحمن فهمي عام 1977م، ومسرحية (الأرض الثائرة) لطارق محمد عام 1987م، ومسرحية (الحِمْل الفلسطيني) لفؤاد حداد عام 1987م، ومسرحية (القدس في عيون مصرية) لطلعت الدمرداش عام 1989م.
10 – التناول الرمزي للقضية الفلسطينية – دون التصريح بأحداثها – كما في مسرحية الدكتور رشاد رشدي (حبيبتي شامينا)، التي رمز فيها لفلسطين بشخصية شامينا. ومسرحية محفوظ عبد الرحمن (كوكب الفئران) حيث رمز للصهيونية وأفعالها في الأراضي الفلسطينية بالفئران المفترسة. ومسرحية سمير الجمل (الأم) عندما رمز لفلسطين بالفتاة المغتصبة.
11 – عرض ونشر المسرحيات العربية، التي تناولت القضية الفلسطينية، مثل: مسرحية (زهرة من دم) للدكتور سهيل إدريس، ومسرحية (ثورة الزنج) لمعين بسيسو، ومسرحيته الأخرى (شمشون ودليلة)، ومسرحية (السؤال) لهارون هاشم رشيد، ومسرحية (نداء الأرض) لحسين الأسمر.
الهوامش
ـــــــــــ
([3]) – الجدير بالذكر أن المدن الفلسطينية في عام 1924، كانت تشتمل على العديد من دور السينما والمسرح، منها على سبيل المثال: مسرح البللور بيافا يديره جميلة أيدي، وسينما لونابارك بيافا إدارة عبد الرحمن الطوبجي، وسينما سيون بالقدس إدارة المسيو جوت، وسينما القدس الكبير بالقدس إدارة عبد الله القدسي، وسينما المسكوبيه بالقدس إدارة مسيو شويلم، والمسرح الجديد بحيفا إدارة عبد الله روبين، ومسرح السنترال بحيفا إدارة سليم الصايغ. للمزيد ينظر: مجلة (التياترو المصورة) – القاهرة - 1/10/1924.
([21]) – اعتمدت في هذه المسرحية على نصين مكتوبين بالآلة الكاتبة، محفوظين في مخازن الرقابة المسرحية في مصر: الأول بعنوان (فلسطين للعرب) ورقم تصريحه - لجمعية الشبان المسلمين - (203) بتاريخ 7/9/1967، والآخر بعنوان (بيت المقدس) ورقم تصريحه - للمسرح الإسلامي التابع للمركز العام لجمعيات الشبان المسلمين - (23) بتاريخ 8/2/1978.
([27]) – ومما يؤكد ذلك أن الاسم المكتوب على نص المسرحية الذي قُدم للرقابة أول مرة في 3/2/1970 كان بعنوان (النار والزيتون : صور فلسطينية)، وعبارة (صور فلسطينية) تؤكد أن المسرحية تسجيلية بالفعل، وهي العبارة التي حُذفت من العنوان عندما عرضت المسرحية على خشبة المسرح القومي من إخراج سعد أردش، أو وعندما نشرتها الهيئة العامة للكتاب. والجدير ذكره أن هذه المسرحية قدمتها أيضاً فرقة الغوري المسرحية على قصر ثقافة الغوري إخراج محسن حلمي في ديسمبر 1985م، كما جاء في وثائق الرقابة المسرحية.
([30]) – هذه المسرحية كانت ستُقدم على مسرح توفيق الحكيم باسم (السيرك الدولي) عام 1972م، بطولة كرم مطاوع وعايدة عبد العزيز وإخراج محمد صديق؛ لكن الرقابة أوقفتها ليلة البروفة النهائية. ولم تُقدم المسرحية بعد ذلك إلا في أغسطس 1984م، عندما قدمتها فرقة بور سعيد التابعة للثقافة الجماهيرية، من إخراج عباس أحمد. وقد مثلت مصر في مهرجان بغداد المسرحي عام 1988م، تحت اسم (القضية). ونُشرت لأول مرة في مجلة (المسرح) القاهرية، عدد 15، بتاريخ نوفمبر 1982م، ثم نُشرت في كتاب مستقل عام 1987م.
([38]) – هذه المسرحية مكتوبة بالآلة الكاتبة – غير منشورة – أخرجها يوسف أبو زيد، ومثلها شباب نادي الحزب الوطني بمدينة النور في يناير 1987، وذلك بناء على الوثائق الرقابية المحفوظة بالنص بمصلحة الرقابة المسرحية المصرية. وهذه المسرحية تختلف عن مسرحية بالاسم نفسه تأليف عباس الرشيدي وكمال هاشم، وإخراج عبد المنعم مدبولي، قدمتها فرقة المسرح الحر بمسرح حديقة الأزبكية يوم 25/1/1953.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق