الجمعة، 2 سبتمبر 2011

حميد بن فلاو الزعابي من رواد التعليم والقضاء في الإمارات


حميد بن فلاو الزعابي من رواد التعليم والقضاء في الإمارات
أ.د سيد علي إسماعيل
ـــــــــــــــــــــ

هناك شخصيات أسهمت في تقدم الأمم، واستطاعت أن تحفر أسماءها في التاريخ، من هذه الأسماء اسم الشيخ حميد بن فلاو الزعابي المولود في عجمان أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، عام 1892م. وتُعد عائلة ابن فلاو من العائلات المشهورة والمتميزة بالثقافة الدينية في الإمارات، فوالده كان مطوعاً وحاملاً للقرآن الكريم، وقد أنجب أربعة أبناء هم: سلطان وعبسى وسعيد وحميد. وشيخنا الجليل حميد بن فلاو يُعتبر من رواد التعليم في دولة الإمارات العربية، بالإضافة إلى ريادته في مجال القضاء الشرعي.
ابن فلاو تلميذاً
تلقى شيخنا مبادئ القراءة والكتابة على يد كوكبة من علماء عصره في عجمان، أمثال: القاضي الفاضل الشيخ عبد الله أبو الهدى قاضي عجمان، والشيخ مشعان الزبيري، والشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن بحلوق. ويُقال إن شيخنا تعلم الأجرومية في مبادئ النحو وهو في سن العاشرة، دلالة على نبوغه العلمي. وبعد أن أتقن مبادئ القراءة والكتابة، التحق بالمدرسة التيمية المحمودية التي أسسها الشيخ علي بن محمد المحمود عام 1907م، وهي من أقدم المدارس في الإمارات، وكانت الدراسة بها على فترتين: صباحاً ومساءً. أما مقرراتها الدراسية فكانت قاصرة على العلوم الدينية والشرعية كالحديث والفقه، بجانب بعض العلوم العربية كالنحو والبلاغة. ومن أساتذة الشيخ ابن فلاو في هذه المدرسة الشيخ عبد العزيز آل سليمان، والشيخ محمد بن فيصل الحريملي، بالإضافة إلى مدير المدرسة عبد الكريم البكري.
ابن فلاو مبعوثاً
لاحظ مدير المدرسة نبوغاً علمياً على بعض تلاميذ مدرسته، وعلى رأسهم حميد بن فلاو، فقرر إرسالهم ضمن وفد علمي إلى قطر لاستكمال الدراسة، وأرسل المدير رسالة بهذا الشأن إلى محمد عبد العزيز المانع في قطر، الذي وافق على الفكرة. وقامت المدرسة المحمودية بإرسال بعثتها التعليمية الأولى إلى المدرسة الأثرية بقطر، وكانت تضم عشرين طالباً، كان ابن فلاو على رأسهم بجانب محمد بن سعيد بن غباش، وعبد الله بن محمد الشيبة، وعبد الله بن حميد بن ثاني وغيرهم. وفي قطر، نهل شيخنا من علوم علمائها - في مجالات عديدة منها: النحو والفقه وعلوم القرآن والتوحيد والفرائض - طيلة سبع سنوات. ولم يكتف شيخنا بهذه العلوم وأراد الاستزادة والتعمق في علوم الدين الإسلامي، فتوجه إلى الإحساء بالسعودية، وهناك تلقى علوم الفقه على يد الشيخ ابن بشر لمدة عامين.
ابن فلاو معلماً
عاد الشيخ حميد بن فلاو – بعد إتمام دراسته وحفظه للقرآن - إلى موطنه الأصلي في عجمان، ليبدأ مسيرة كفاحه في سبيل نشر العلم، فعمل في مجال التدريس أربع سنوات لم ينس فيها دولة قطر التي نهل من علم علمائها الكثير، فكان على موعد من القدر، حيث تعاقدت معه قطر ليعمل فيها مدرساً، فوجدها الشيخ فرصة ليرد بعض الجميل، ويا له من جميل ويا له من عطاء، فقد عمل الشيخ ابن فلاو مدرساً في قطر طوال سبع عشرة سنة، استطاع من خلالها وضع اسمه في مقدمة رواد التعليم في قطر، كما كان من رواد التعليم في الإمارات.
ابن فلاو قاضياً
لم يترك شيخنا قطر مختاراً، بل تركها بناءً على طلب الشيخ سلطان بن سالم القاسمي – حاكم رأس الخيمة وقتذاك - الذي أصدر قراراً بتعيين الشيخ ابن فلاو قاضياً بالجزيرة الحمراء المعروفة بجزيرة زعاب. تقلد شيخنا منصب القضاء بالجزيرة الحمراء لمدة عشر سنوات، ثم انتقل قاضياً لمدينة رأس الخيمة لمدة سبع سنوات أخرى، بناء على أمر الشيخ سلطان بن سالم القاسمي، الذي منحه منزلاً في المدينة بالقرب من السوق القديم، ليكون بالقرب منه ليستشيره في الأمور الشرعية والقضائية. أما أغلب القضايا التي حكم فيها الشيخ ابن فلاو – في ذلك الوقت - فكانت تتعلق بقضايا النزاع بين الأزواج والخلافات الشخصية والدعاوى بين الخصوم.
ابن فلاو صاحب مدرسة
من الجدير بالذكر إن القضاء لم يشغل شيخنا عن مهنته الأولى في مجال التدريس، فقد كان يدرس - بجانب القضاء – العلوم الدينية المختلفة لتلاميذ الجزيرة الحمراء، حيث جعل من منزله مدرسة، جلب إليها الكثير من الكتب خدمة لتلاميذه، وكان يجلبها بواسطة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع عن طريق بعض التجار القادمين من قطر ومن غيرها. ظلت مدرسة ابن فلاو تؤدي رسالتها العلمية طيلة خمس سنوات، مقابل مكافأة شهرية – مالية وعينية - من الشيخ سلطان بن سالم القاسمي، بجانب الأجور الرمزية التي يدفعها أولياء أمور التلاميذ، والتي لا تتعدى الروبية أو نصف الروبية - أو بعض المأكولات - وهي ما يُعرف في ذلك الوقت بـ(الخميسية)، لأنها تُدفع يوم الخميس من كل أسبوع.
ومن الجدير بالذكر إن الشيخ ابن فلاو بجانب القضاء والتدريس كان إماماً وخطيباً مفوهاً، وكان له مجلسه العلمي والديني بعد صلاة العشاء، وهو مجلس كان عُلية القوم يحرصون على حضوره والاستماع إلى دروس وشروح الشيخ في الأمور الدينية والفقهية. كذلك كان الشيخ ابن فلاو يعمل تاجراً في بعض الأحيان، كما كان يهوى الغوص.
ابن فلاو ومكانته في القضاء
واهتمام الشيخ حميد بن فلاو بالقضاء وتعمقه في العلوم الدينية والفقهية، جعله قاضياً مرموقاً يُذكر اسمه بجانب أشهر القضاة في ذلك الوقت، أمثال: محمد سعيد غباش وعبد الله بن سليمان وابن حجر. وقد ارتبط النظام القضائي الشرعي في دولة الإمارات وقتئذ بأسماء مجموعة من المشايخ الذين حافظوا على استقلال القضاء وتطبيق الشريعة الإسلامية السمحة، ومنهم: الشيخ عبد الله بن محمد الشيبة النعيمي في عجمان، والشيخ حميد بن فلاو والشيخ عبد الله بن سلمان في رأس الخيمة، والشيخ مبارك بن سيف الناخي في الشارقة. ونجاح شيخنا في قيامه بأمور القضاء والتدريس كان من أسباب تقلده منصب أمير منطقة الجزيرة الحمراء لمدة سنتين، بناء على أمر أصدره الشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة.
مكتبة ابن فلاو
كان الشيخ حميد يحتفظ بالكثير من أمهات الكتب والعديد من المخطوطات في مكتبته الشخصية داخل منزله الشعبي القديم بالجزيرة الحمراء، وكان يضع سريره بجانبها لتكون الكتب في متناول يده ليعود إليها في التأكد من بعض المسائل المتعلقة بعمله في القضاء، وقد أهدى الشيخ مكتبته هذه لابنته الوحيدة للاستفادة منها باعتبارها مُعلمة، ورثت موهبة التدريس عنه، حيث كان لها الأب والمعلم والموجه، فقد كان حريصاً في تشجيعها على حفظ القرآن الكريم، وكان يلقي على مسامعها كل يوم بعض الأحاديث الشريفة وقصص التاريخ، وكأنه يؤهلها لتكون امتداداً له في مهنة التدريس وقد كانت.
ابن فلاو والشعر
ومن اللافت للنظر أن شيخنا لم يقتصر في علومه ومحفوظاته العلمية على الأمور الدينية والشرعية فقط، بل كان يحفظ الأشعار ولا سيما المعلقات والكثير من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، بالإضافة إلى أشعار الفرزدق والنابغة الذبياني وغيرهم، وحفظ هذا الكم من الأشعار لم يكن مستغرباً على شيخنا، إذا علمنا أنه كان يقرض الشعر في شبابه.
ابن فلاو وأسرته
أدى الشيخ حميد فريضة الحج ثلاث مرات، وفي المرة الأولى كان ضيفاً على جلالة الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله. وقد تزوج الشيخ ابن فلاو لأول مرة وهو في عمر الخامسة عشر، ثم تزوج بعد ذلك ثلاث زوجات، كانت آخرهن السيدة فاطمة التي أنجبت له ابنته الوحيدة عفراء. وكان شيخنا دائم الفخر بزوجته لوقوفها بجانبه في أوقات الشدة، وقد حزن حزناً شديداً لوفاتها. وكان شيخنا – رحمه الله - دائم النصح للمرأة بأن تطيع الله ورسوله وأن تطيع زوجها وتؤدي ما أوجب الله عليها من الحق ولزوم بيتها وعدم السفور، وكان يقول: "لو قرأت المرأة سورتي النور والأحزاب لعرفت دينها حقيقة".
ابن فلاو مُكرماً
وبسبب مكانة الشيخ حميد بن فلاو، وجهوده في مجالي القضاء والتعليم، نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير من الحُكام ومن بعض المؤسسات، مثل: جائزة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان للمعلم عام 1997م، وجائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، وتقدير جريدتي الاتحاد والخليج، وتقدير دولة قطر لجهوده التعليمية في مدارسها.
الموضوع الأصلي من موقعي الشخصي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق